في الأسبوع الماضي، تبنى السناتور ميتش ماكونيل بحماس قضية السياسة الأنانية. وفي معرض رفضه لاتفاقية الرئيس باراك أوباما مع الصين من أجل خفض انبعاثات الكربون، قال زعيم الأغلبية المقبل في مجلس الشيوخ الأميركي: “إن قوانين انبعاث الكربون تخلق فوضى في ولايتي وفي الولايات الأخرى في البلد” من خلال تقويض المصالح الاقتصادية.
بالنسبة لماكونيل وغيره من المنتقدين في الحزب الجمهوري، فإن تنظيم انبعاثات الكربون هو قضية شخصية أو مصلحة اقتصادية، حيث يجب أن تسود المصالح قصيرة الأمد والتي تهم الناخبين. ويرفض هؤلاء، أو يقللون إلى الحد الأدنى، من أهمية طروحات العلماء البارزين القائلة إن هذه الانبعاثات في الكربون تتصل مباشرة بالإحماء الحراري وبتغير المناخ، وبأنها يمكن أن تنطوي على تداعيات كارثية في الأمد الطويل. ويشكك هؤلاء في مدى صحة البيانات. لكن حجتهم الأساسية سياسية: إن العمل لحماية البيئة يلحق الضرر بـ”ولايتي”.
ولكن ماذا لو تتم معاملة مشكلة تغير المناخ بدلاً من ذلك كموضوع أخلاقي -كمسألة مثل الحقوق المدنية، بحيث يتم استبدال منطق المقايضات الذي يحكم السياسة بنقاش حول ما هو الصواب وما هو الخطأ؟
تقام قضية معاملة تغير المناخ كمسألة أخلاقية بطريقة رائعة في رواية جديدة لديفيد ميتشيل بعنوان “الساعات العظمية”. وهي تصور مستقبلاً خيالياً كل ما فيه سيئ، والذي تحطمت فيه الحياة الطبيعية بفعل الدمار البيئي وتفشي الأمراض والفوضى الكونية. ومع أن كتاب ميتشيل طويل ومعقد، لكنه قد يصبح بمثابة “1984″ لحركة تغير المناخ. فهو يصور، على نحو درامي، التداعيات التي سوف يجلبها اقتصادنا الحديث المبذر بالطريقة التي أيقظت بها رواية جورج أورويل الشعب ونبهته إلى “عقلية الأخ الكبير” في الشيوعية السوفياتية.
يتخيل ميتشيل انهياراً اقتصادياً في العام 2039، والذي يجلب معه حقبة يصفها بأنها “حالة الإظلام”. عندها ينهار النظام، بينما تغرق المدن الواطئة حول المعمورة، وتنهار شبكات الاتصالات ويتباطأ النقل. ويتراجع الاقتصاد العالمي بالسرعة نفسها التي شهدها ارتقاؤه خلال نصف القرن الماضي. وتحافظ القوات الصينية على السيطرة على نقاط أمامية أجنبية على الساحل الإيرلندي، تساعدها في ذلك حكومة محلية تعرف ببساطة باسم “ستابلتي- أو الاستقرار”. وتضرب الإيبولا وانفلونزا الأرانب السكان الذين يبحثون عن الغذاء وسط النفايات.
أود استرعاء انتباهك إلى حقيقة أن هذه رواية ترسم صورة متطرفة وغير علمية. لكنها، بمبالغتها في تصوير تداعيات الاتجاهات الراهنة، تكون مواكبة للتقليد المشرف لأعمال مشابهة مثل “عالم شجاع جديد” لألدوس هكسلي، وحتى رائعة جورج أورويل. وتشعر الشخصية الرئيسية لدى ميتشيل، هولي سكايز، بالألم لما آل إليه العالم في العام 2043:
“إنها نازلة حلت بالأرض التي أمتناها، وبالأنهار الجليدية التي أذبناها، وبتيار الخليج الذي أعدنا توجيهه، وبالأنهار التي جففناها وبالبحيرات التي ملأناها بحثالاتنا، وبالبحار التي قتلناها وبالأنواع التي سقناها نحو الانقراض… وبالكاذبين الذين صوتنا لصالح انتخابهم -كل ذلك ولم يترتب علينا تغيير أساليب حياتنا الدافئة… كان أبناء جيلي يتناولون العشاء ويحشون أنفسهم بلا وعي في مطعم ثروات الأرض، وهم يعرفون -بينما ينكرون- أننا سنترك لأحفادنا جدولاً لا يمكن تصليحه مجدداً”.
هل سينزل بنا هذا المستقبل المرعب حقيقة في المستقبل؟ الجواب النزيه هو: لا أحد يعرف. لقد أصبح العلماء المرموقون مقتنعين بازدياد بأن الصلة بين انبعاثات الكربون والارتفاع في درجات الحرارة هي أمر حقيقي. لكن لدى المشككين حمولات شاحنات من الدراسات التي تعرض العكس. وثمة طريقة واحدة لشق طريقك من خلال الأجمة، والتي تكمن في سؤالك نفسك: ما ثمن أن أكون مخطئاً؟ إذا كان المشككون مخطئين وكانت بحوث تغير المناخ صحيحة، فإن الثمن ينطوي على احتمال أن يكون كارثياً. ولعل المسار الآمن (والمحافظ) هو افتراض الأسوأ.
تجول على رسلك في أرشيف الأخبار الخاص بالشهور العديدة الماضية لتقف على معرفة بالتداعيات المحتملة لما يقول علماء المناخ إنه زيادة مرجحة لدرجتين مئويتين على الأقل مع حلول نهاية هذا القرن. وقد تنبأت دراسة لمجلة علمية في الأسبوع الماضي بزيادة نسبتها 50 في المائة في حالات البرق في أميركا. وحاجج تقرير للأمم المتحدة هذا الشهر بأن التقدم الأخير الذي تحقق ضد الجوع والفقر العالميين يمكن أن يقف أو ينقلب اتجاهه. وكان تقرير لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي قد حذر من تهديد مباشر للأمن القومي بسبب تزايد المخاطر من الإرهاب والأمراض المعدية والفقر ونقص الغذاء.
كتب بيير جيه. سيلرز، رائد الفضاء السابق والقائم حالياً بأعمال مدير دائرة العلوم الأرضية في مركز طيران الفضاء غودارد في “ناسا” في صحيفة “نيويورك تايمز” في الأسبوع الماضي عما يمكن أن تعنيه زيادة درجة الحرارة الكونية مع حلول العام 2100 فقال: “سوف تكون الآثار خلال هذه الفترة القصيرة ضخمة. فكلما أطلنا في تأجيل العمل الإصلاحي، فمن المرجح أن تكون المحصلة أكثر تعطيلاً”.
هل هذا موضوع أخلاقي؟ بعد قراءة رواية ميتشيل وتخيل عالم 2043، شرعت في التفكير بأن الجواب هو: نعم. وإذا كانت نوعية الحياة في العالم مستقبلاً في خطر، فإن الناس الذين يقاومون العمل لا يكونون مضللين فحسب، بل إنهم يجانبون الصواب ومخطئون.
ديفيد إغناتيوس* –(ديلي ستار)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني – الغد – 26/11/2014
http://goo.gl/vnuWjG
الكلمات الدلالية : تغير المناخ ،الاقتصاد العالمي،الإرهاب،الفقر.