يسود الغموض شكل الحكومة الجديدة التي تجهل القوى السياسية في العراق موعد تشكيلها، واعتاد عراقيو الداخل بعد كل انتخابات أن تمضي على ولادة الحكومة أشهر عدة، وبين التوافقية والأغلبية الوطنية لم تظهر معالم الحكومة حتى هذه اللحظة، إذ تسعى القوى الخاسرة إلى تشكيل حكومة توافقية بدلاً من الأغلبية الوطنية التي يسعى إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وبعض الكتل من المكوّنين السني والكردي، على الرغم من وجود مخاوف من تكرار سيناريو 2019 الذي شهدته بلاد الرافدين من تظاهرات شعبية كبيرة، وسط مطالب بالخدمات وفرص العمل والقضاء على الفساد وإجراء انتخابات مبكرة ونزيهة، وراح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى، وأجبرت حكومة عادل عبد المهدي على تقديم استقالتها نهاية العام 2019.
وتنتظر الكتل السياسية لإعلان نتائج الانتخابات النهائية للوصول إلى توافق، خشية خروج الأمور عن السيطرة، بسبب التصعيد من قبل جماهير القوى الخاسرة التي رفضت نتائج الانتخابات، بهدف الحصول على مكاسب في الحكومة الجديدة للتعويض عن تراجع نفوذها في مجلس النواب المقبل، ويعتقد مراقبون للشأن السياسي أن تشكيل حكومة توافقية ستكون ضعيفة ولن تستطيع الصمود.
مخاض التشكيل سيكون عسيراً
وقال بشير الحداد، نائب رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته، إن مخاض تشكيل الحكومة العراقية الجديدة سيكون عسيراً في ظل الخلافات القائمة بين القوى السياسية بخاصة الشيعية منها، مستبعداً في الوقت ذاته تشكيلها وفق مبدأ الأغلبية السياسية. وأضاف أن “الوضع في العراق متجه نحو مصير غير معلوم، ولغاية الآن لم يتم الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، ولم تصادق عليها المحكمة الاتحادية العليا في العراق”. وتابع أن “القوى السياسية الرافضة نتائج الانتخابات لا تزال تمارس نشاطات عدة متمثلة بالتظاهرات، وإطلاق التهديدات والتصريحات، إضافة إلى ممارسة العنف في بعض الأحيان، وتريد من هذا كله بعث رسالة مفادها بأن النتائج ليست شرطاً في تشكيل الحكومة، وأن يتم منحها حصصاً جيدة من المناصب في الحكومة”.
ولفت الحداد إلى أن “هذه المعطيات الموجودة تشير إلى صعوبة تشكيل الحكومة، وأن تمريرها لن يكون بسهولة”، منوها بأن هناك طرفين وهما التيار الصدري، والإطار التنسيقي، يجدان في نفسيهما إمكانية تشكيل الحكومة، و”أجد من الصعوبة أن يتمكن أحدهما بمعزل عن الآخر من تشكيل الحكومة، وينبغي مراعاة التوافق”.
الحكومة التوافقية ستكون ضعيفة
وأوضح الحداد أيضاً أنه “يتم الحديث عن الأغلبية والأقلية السياسية، ولكن أرى أنه في نهاية المطاف سيتم تشكيل حكومة توافق سياسي بمشاركة المكونات كافة”، مشيراً إلى أن “الحكومة التوافقية ستكون ضعيفة لأن أي طرف لا يتحمل مسؤوليتها، وستكون على غرار حكومتي عادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي، غير أن هذا واقع العراق وينبغي تقبله”.
الحكومة المقبلة توافقية لا أغلبية سياسية
بدوره، رأى عضو ائتلاف دولة القانون، جاسم الموسوي، أن من يريد تطبيق الإصلاح السياسي ينبغي أن يكون قد فاز بالأغلبية الساحقة، واختاره الشعب وفوَّضه، مرجحاً أن تكون الحكومة المقبلة توافقية وليست حكومة أغلبية سياسية. وقال الموسوي، “نحترم القضاء العراقي، وعلى الكل الامتثال إلى قرار المحكمة الاتحادية في ما لو تمت المصادقة على نتائج الانتخابات”، مؤكداً أن “من المفضل أن يتم تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، لتوفير الخدمات للمواطنين، ولا سيما لدينا مشاكل عديدة، منها البطالة وارتفاع مستوى الفقر وتردي المستوى المعيشي”. ورجح الموسوي أن “يتم تشكيل الحكومة بالطريقة نفسها التي تم بها التشكيل سابقاً، ولا يوجد شيء جديد يختلف عن المراحل السابقة”. وتابع، “أما من يريد تحقيق إصلاح سياسي على حساب المواطن، فهذا الأمر غير صحيح، لأن من المفترض أن هناك شخصاً فاز بالأغلبية الساحقة واختاره الشعب وفوضه، وقتها يستطيع تحقيق الأغلبية السياسية”.
اقرأ المزيد
هل نتائج الانتخابات العراقية مرهونة باتفاق سياسي؟
موجة جديدة من الاحتجاجات تجتاح كردستان
“الفصائل الولائية” تعود لنغمة مواجهة القوات الأميركية في العراق
القوى الكردية والسنية العراقية تنأى بنفسها عن أزمة نتائج الانتخابات
وما زال الإطار التنسيقي الشيعي، باستثناء التيار الصدري، مصراً على رفض النتائج التي أعلنتها المفوضية، ويؤكد إصراره على العدّ والفرز اليدوي لكل صناديق الاقتراع، في وقت ذهبت أطراف في الإطار تطالب بإلغاء نتائج الانتخابات على خلفية ما وصفته بتزوير شهدته الانتخابات العراقية المبكرة التي جرت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وينتظر العراقيون والقادة السياسيون إعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية، بعد إكمالها إجراءات العدّ والفرز اليدوي لبعض المحطات، وكذلك النظر والتدقيق في الطعون الانتخابية التي قدمتها بعض الكتل السياسية حول النتائج الانتخابية الأولية التي تم الإعلان عنها.
الاحتجاجات والتظاهرات
وسط هذه الأجواء، توقع الكاتب المتخصص في الشأن السياسي، صالح لفتة، أن “تعاد الاحتجاجات والتظاهرات في حالتين، الأولى، إذا لم تلبِّ الحكومة الجديدة تطلعات الشعب، ولم تجد حلولاً للمشاكل والنقص في الخدمات التي يعانيها المواطن، والثانية هي عدم حصول بعض الأحزاب والكتل على ما تريده وتستبعد من المشاركة في الحكومة الجديدة، لذلك ستحاول بشتى الطرق دعم أي محاولة احتجاج أو صوت معارض من أجل إفشال الحكومة والأطراف التي تدعمها”. وأضاف أن “كل الحلول لتشكيل حكومة توافقية أو أغلبية تنطوي على جوانب إيجابية وأخرى سلبية تؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي العراقي المعقد من الأساس، والحل الأمثل لتجاوز الانتكاسة والرجوع إلى المربع الأول، اختيار رئيس وزراء مقبول وقوي من جميع الأطراف السياسية وقادر على تلبية تطلعات واحتياجات المواطنين، فيمكنه بالتالي سحب الأعذار والأسباب لتكرار أحداث 2019”.
اندبندت عربي