لخص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معنى الصفقة العملاقة لطائرات رافال المقاتلة التي أُبرمت بين بلاده ودولة الإمارات بقوله إنها تأتي من شريك “يفي بتعهداته ويمكن الاعتماد عليه”، في إشارة واضحة إلى خذلان الولايات المتحدة لحلفائها في الخليج.
وقال الرئيس الفرنسي في بيان بعد توقيع الصفقة العسكرية الكبرى بحضور ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان “في الوقت الذي أثاروا (الإماراتيون) فيه بلا شك المزيد من التساؤلات حول شركاء تاريخيين آخرين، أعتقد أن هذا (الاتفاق) يقوّي موقع فرنسا”، مشددا على أنّ أبوظبي ترى في فرنسا “شريكا قويا”.
إيريك ترابيير: نجاح فرنسي يؤكّد العلاقة الاستراتيجية التي توحّد بلدينا
إيريك ترابيير: نجاح فرنسي يؤكّد العلاقة الاستراتيجية التي توحّد بلدينا
ووقّعت الإمارات مع فرنسا الجمعة اتفاقية قياسية لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز رافال و12 طائرة مروحية من طراز كاراكال بقيمة تبلغ 17 مليار يورو (19.20 مليار دولار)، في انتظار أن تفي الولايات المتحدة بتعهدات تسليم أبوظبي صفقة طائرات أف 35 المتطورة.
وكانت أبوظبي أبرمت هذه الصفقة في آخر أيام الرئيس السابق دونالد ترامب، وتتضمن الحزمة التي تبلغ قيمتها 23.37 مليار دولار منتجات من جنرال أتوميكس ولوكهيد مارتن ورايثيون تكنولوجيز، بما في ذلك 50 طائرة من طراز أف 35 لايتنينغ 2، وما يصل إلى 18 طائرة مسيّرة من طراز أم.كيو 9 بي وحزمة من ذخيرة جو – جو وجو – أرض. ولا يُعْرف ما إذا كانت إدارة بايدن ستتوصل في مراجعاتها إلى إبقاء الصفقة كما هي.
وأصبحت المصداقية الأميركية في منطقة الخليج على المحك بعد إعلان واشنطن وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات بسبب الحرب في اليمن، وقرارها البدء بمراجعة وجودها العسكري بعد سحب سلاح الدفاع الصاروخي الأميركي الأكثر تقدما (نظام ثاد) وبطاريات باتريوت من السعودية، وهو ما زاد من شكوك الخليجيين في إمكانية الاعتماد على مظلة أمنية أميركية في المرحلة القادمة.
ووصفت الرئاسة الفرنسية في بيان صحافي الاتفاقيات مع الإمارات بأنها “إنجاز كبير للشراكة الاستراتيجية بين البلدين” الحليفين، مشددة على أهمية القواعد العسكرية الفرنسية الثلاث في البلد الخليجي الثري.
وقال ماكرون في تصريح للصحافيين “هذا الالتزام الفرنسي في المنطقة، وهذا التعاون النشط في مكافحة الإرهاب، والمواقف الواضحة التي اتخذناها تعني أننا زدنا من قربنا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة”.
من جهته اعتبر الرئيس التنفيذي لشركة داسو للطيران المصنّعة لطائرات رافال إريك ترابيير أنّ الصفقة “نجاح فرنسي يؤكّد العلاقة الاستراتيجية التي توحّد بلدينا”.
وتم التوقيع على الاتفاقية بينما كان ماكرون يجري محادثات مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في موقع إكسبو 2020 دبي، في بداية جولة خليجية تقوده أيضا إلى قطر والسعودية.
وتأتي الإمارات في المرتبة الخامسة من بين الزبائن الأكثر أهمية للصناعات الدفاعية الفرنسية في الفترة بين 2011 و2020، مع طلبات شراء بلغت قيمتها 4.7 مليار يورو، بحسب تقرير حول صادرات الأسلحة الفرنسية تم تقديمه للبرلمان.
لكن خلال السنوات الأخيرة تعرّضت باريس لانتقادات على خلفية استخدام هذه الأسلحة في النزاع في اليمن حيث تقود السعودية تحالفا عسكريا يضم الإمارات لدعم الحكومة في مواجهة المتمردين الحوثيين الموالين لإيران.
اتفاقية قياسية
وأعلن الصندوق السيادي الإماراتي “مبادلة” عن تعهّدات بقيمة ثمانية مليارات يورو، من بينها ستة تعهدات مع وزارة الاقتصاد، وذلك بهدف زيادة استثماراته في الشركات الفرنسية.
بالإضافة إلى ذلك تم تمديد الاتفاقية القائمة بين اللوفر أبوظبي والمتحف الأم في باريس لمدة عشر سنوات حتى عام 2047.
وقالت الرئاسة الفرنسية (قصر الإليزيه) في بيان إن “الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وماكرون أكدا على تمديد الشراكة لمدة 10 سنوات في متحف اللوفر أبوظبي الذي يرمز إلى نفوذ فرنسا في الخارج، ويروّج لقيمها العالمية”.
ونقل موقع “فرانس 24” عن وزيرة الثقافة روزلين باشيلوت التي وقعت الاتفاقية قولها إن “التمديد يتطلب دفع مبلغ 165 مليون يورو من قبل أبوظبي بين عامي 2022 و2023”.
وأضافت الوزيرة الفرنسية أنه “كان من المهم للغاية تمديدها (الاتفاقية) لمدة أطول، باعتبار أن متحف اللوفر أبوظبي رائع للغاية، ويثير إعجاب كل من يزوره”.
ووصل ماكرون إلى دبي بعد يوم من احتفال الدولة الخليجية بالذكرى الخمسين لتأسيسها. وكان إكسبو 2020، الحدث العالمي الذي ينظّم لأول مرة في الشرق الأوسط، أحد مواقع الاحتفالات بذكرى قيام الدولة.
وستكون جولة ماكرون سريعة في الخليج إذ تستمر يومين بعد زيارة الإمارات وقطر الجمعة، ويختتمها اليوم السبت بزيارة إلى مدينة جدة في السعودية، حيث يتوقع أن يلتقي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ومن المفترض أن يتم خلال الجولة بحث القضايا الاستراتيجية الأساسية في المنطقة: مكافحة الإرهاب والتطرف وأزمة لبنان والانتخابات في ليبيا والنووي الإيراني، وغيرها.
وأكد الإليزيه أن ماكرون “يواصل التزامه” منذ بدء ولايته الرئاسية في عام 2017، والذي يهدف إلى “المساهمة في استقرار” المنطقة الممتدة من “المتوسط حتى الخليج”.
ويوضح أحد مستشاري الرئيس أن فرنسا تقدم نفسها “كقوة توازن من خلال تعزيز الحوار مع مختلف الفاعلين (في المنطقة) وفي ما بينهم… وكشريك أساسي وموثوق به”.
وكان مستشار الرئيس الإماراتي للشؤون الدبلوماسية أنور قرقاش أكد الثلاثاء أن “البلدان مثل فرنسا لديها دور للقيام به” في مواجهة الأزمات الإقليمية، موضحا “مواقفنا متقاربة جدا” حول القضايا الاستراتيجية.
صحيفة العرب