لم تكد تمر أيام على زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، إلى العاصمة السورية دمشق، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، منهياً بذلك عزلة عربية فرضت طويلاً على رئيس النظام السوري بشار الأسد، حتى طفت على السطح محاولات إيرانية لإفساد أي تقارب عربي مع النظام السوري الساعي إلى استعادة مقعده في الجامعة العربية.
وعقب زيارة المسؤول الإماراتي إلى دمشق، في التاسع من نوفمبر الماضي، وهي الأولى من نوعها عربياً بشكل معلن منذ نحو عشر سنوات، ارتفعت وتيرة زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى دمشق، وتدشين إيران مشاريع اقتصادية في سورية، في خطوة بدا أن الهدف منها قطع الطريق أمام أي تقارب عربي مع نظام الأسد.
ارتفعت أخيراً وتيرة زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى دمشق، وتدشين إيران مشاريع اقتصادية في سورية
من جهته، اختتم وزير الخارجية في النظام السوري، فيصل المقداد، يوم الأربعاء الماضي، زيارة إلى طهران، أجرى خلالها سلسلة لقاءات جمعته بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إضافة إلى مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي.
زيارة الوفد الاقتصادي الإيراني إلى دمشق
وزار العاصمة السورية أواخر الشهر الماضي، وفد اقتصادي إيراني يرأسه وزير الصناعة والمناجم والتجارة رضا فاطمي أمين، والذي حضر اجتماعات ما يسمّى بـ”الملتقى الاستثماري التأسيسي السوري – الإيراني” الذي عقد في دمشق.
وافتتح الوزير الإيراني، المركز التجاري الإيراني في المنطقة الحرّة بالعاصمة، لـ”تقوية العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري بين البلدين”، وفق رضا أمين.
تقارير عربية
روسيا وإيران في سورية: تنافس تحت سقف التفاهم
ونقلت وكالة “سانا” الرسمية للنظام عن رئيس الغرفة المشتركة الإيرانية – السورية، كيوان كاشفي، قوله إن هذا المركز “هو أول مركز تجاري إيراني موجود في سورية، وسيكون أساس التجارة الإيرانية فيها ويضم مكاتب تجارية تمكن الشركات الإيرانية من القطاع الخاص القيام بتبادلات التجارية بين البلدين”.
وجاء افتتاح المركز بالتزامن مع معرض المنتجات الإيرانية الذي افتتح في مدينة المعارض بدمشق، وتشارك فيه 164 شركة تجارية وصناعية.
وأعلن المدير العام لمنظمة تنمية التجارة في إيران، علي رضا بيمان باك، والذي كان أحد أعضاء الوفد الذي وصل إلى دمشق، أن بلاده بصدد تأسيس مصرف مشترك مع النظام السوري لـ”لتسهيل التجارة بين البلدين”.
قاآني في دير الزور
وفي السياق، زار قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني قبل أيام، محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، والتي تعد منطقة نفوذ إيراني، حيث أشرف على عملية تخريج مجموعة جديدة من العناصر المنخرطين في صفوف مليشيا “فاطميون”، وذلك بحضور مجموعة من القياديين، من بينهم سبحان أفغاني، القائد العسكري لـ”فاطميون”، وفق شبكات إخبارية محلية.
ويعتمد النظام منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 على دعم سياسي وعسكري كبيرين من الجانب الإيراني، الذي تدل المعطيات والشواهد أنه بات متحكماً بالكثير من مفاصل القرار في سورية، خصوصاً لجهة الناحيتين الأمنية والعسكرية.
وتحوّل جانب كبير من الجغرافيا السورية إلى مناطق نفوذ مباشر للحرس الثوري الإيراني، خصوصاً في دمشق وريفها ومحافظة دير الزور ومدينة حلب في شمال البلاد.
وطفت على السطح أخيراً دعوات من دول عربية عدة لدعوة النظام إلى القمة العربية المقبلة في العاصمة الجزائرية، ليستعيد مقعده في هذه الجامعة التي كانت جمدت عضوية سورية فيها بداية عام 2012، بعد رفض النظام التجاوب مع مبادرات عديدة عربية وغير عربية لتطويق الأحداث التي كانت تجري في البلاد، إثر اندلاع الثورة السورية.
النظام يعتمد على مليشيات إيران
ويبدو أن النظام يسعى لكسر طوق العزلة العربية والتي أرهقت اقتصاده، من خلال خطوات تقارب بدأت مع الجانب الأردني أخيراً ومع الإمارات. ولكن من الواضح أنه لا يستطيع تنفيذ أحد الشروط العربية للتطبيع معه، وهو الخروج من عباءة طهران التي خلقت الكثير من الحقائق على الأرض السورية ربما يصعب على النظام نفسه تجاوزها في المدى المنظور.
ويعتمد النظام السوري إلى حد بعيد على المليشيات الإيرانية في تثبيت سيطرة شكلية لقواته على المناطق الخارجة عن سيطرته، كما تعد هذه المليشيات ومليشيات محلية تحركها طهران، رأس الحربة في أي عمل عسكري يقوم به النظام.
وتغلغل الإيرانيون في أغلب المؤسسات السورية خصوصاً الأمنية والعسكرية، إلى حد تحولت فيه الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، إلى مجرد مليشيا تنفذ الأجندة الإيرانية في سورية.
ورأى الباحث السياسي في مركز “جسور”، عباس شريفة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن زيارة المقداد إلى العاصمة الإيرانية “رسالة مفادها أن تقارب النظام مع العرب لن يكون على حساب علاقته الاستراتيجية مع طهران”.
وأضاف أن “إيران تريد القول إن البوابة إلى دمشق تمر عبر طهران، ومن يريد التطبيع مع النظام السوري عليه مراعاة المصالح الإيرانية في سورية”.
لا يستطيع النظام تنفيذ أحد الشروط العربية للتطبيع معه، وهو الخروج من عباءة طهران
وحول قدرة النظام على الاستغناء عن الإيرانيين، رأى شريفة أن “النظام السوري لا يستطيع التخلي عن الإيرانيين”، معرباً عن اعتقاده بأنه “لا يمتلك القرار بالاستغناء عن الدعم الإيراني”.
وأضاف: “جزء كبير من قرار النظام مرهون لدى طهران التي باتت نافذة داخل مؤسسات الدولة في سورية، ولها قوى ضاغطة بشكل كبير. بشار الأسد لا يستطيع الصمود من دون الإيرانيين، لذا فهو غير مستعد وغير قادر على الابتعاد عن طهران”.
من جهته، رأى الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجانب الإيراني “يحاول الاستثمار في التقارب العربي مع نظام بشار الأسد، لا منعه، ولذلك شهدنا تصريحات من حزب الله اللبناني مؤيدة لهذا التقارب”.
وأشار سالم إلى أن طهران “تريد الحصول على مكاسب من التطبيع العربي مع النظام من دون أن تتأثر مصالحها في سورية سلباً”.
وأعرب الباحث عن أسفه لأن “المقاربة العربية للأوضاع في سورية تحقق المصلحة الإسرائيلية في عدم وجود نفوذ عسكري مكثف للإيرانيين في سورية، ولا يعنيها النفوذ السياسي والثقافي لطهران”.
ورأى سالم أن “العرب كما يبدو غير مهتمين بمنع الأنشطة غير العسكرية لطهران في سورية، وهو ما يعطي الفرصة للإيرانيين للتغلغل أكثر في النسيج المجتمعي السوري، وفيما الوجود العسكري مكلف، فالنفوذ الثقافي والديني أقل كلفة. إيران تريد الاستفادة والاستثمار في محاولات التقارب التي تبديها دول عربية مع نظام الأسد”.
العربي الجديد