أطلقت الشرطة السودانية قنابل الغاز المسيل للدموع الاثنين لتفريق المئات من المحتجين السودانيين في الخرطوم بالقرب من القصر الرئاسي خرجوا يطالبون بحكم مدني، فيما تراوح الأزمة السياسية في السودان مكانها، ولا زالت تداعيات قرارات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، تلقي بظلالها على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد التي تشهد مرحلة انتقالية.
ورغم توقيع اتفاق سياسي الشهر الماضي، بين البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، إلا أن الحلول السياسية لا زالت غائبة في ظل احتجاجات مستمرة تشهدها مدن البلاد، رافضة لهذا الاتفاق ومطالبة بمدنية كاملة للدولة.
ووفق مراقبين، فإنه مع حالة الاحتقان السياسي وانسداد الأفق في تقديم حلول للأزمة بالبلاد، تلوح في الأفق أربعة سيناريوهات خلال الفترة المقبلة، من بينها العودة إلى شراكة ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر وفق أسس جديدة، وانسحاب حمدوك من المشهد مع استمرار الاحتجاجات، وإصرار المحتجين على المدنية الكاملة.
والعودة إلى ما قبل الخامس والعشرين من أكتوبر، هو سيناريو مطروح، لكن بشكل مغاير ووفق أسس جديدة، بمعنى أن تعود قوى “إعلان الحرية والتغيير” للشراكة مع المكون العسكري، للعمل على تخفيف حدة احتجاجات الشارع واستجابة لضغوط المجتمع الدولي.
ويرى المحلل السياسي أمير بابكر أنه يمكن أن تحدث تنازلات من كل الأطراف العسكرية والمدنية، حتى يتم تجاوز الأزمة المستفحلة بالبلاد.
ويقول بابكر “قد يكون هذا التنازل بالتوافق على المضي في تحقيق قضايا رئيسية تتعلق بالانتخابات والمؤتمر الدستوري (الخاصة بالدستور الجديد)”.
ويعتبر “إعلان سياسي” يضم قوى سياسية واسعة ما يسهل المهمة إلى حين انتهاء فترة الانتقال، الخيار المفضل لرئيس الوزراء، وشريكه في الاتفاق السياسي عبدالفتاح البرهان، إلا أن عددا كبيرا من المراقبين يرون صعوبة ذلك في ظل تمنّع تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير” بكتله وأحزابه، وكذلك الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين.
وتكمن الصعوبة في أن هذه القوى ترفع شعار “لا تفاوض لا شراكة.. لا شرعية”، وترفض الاتفاق السياسي الذي جاء بعد قرارات البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
وورد “الإعلان السياسي” كأحد بنود الاتفاق السياسي، الذي نص على أن “إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان وإطار سياسي بشراكة بين العسكر والمدنيين والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمرأة والطرق الصوفية”.
ورهن حمدوك في الأول من ديسمبر، بقاءه في منصبه بتطبيق الاتفاق السياسي مع الجيش، الذي عاد بموجبه إلى رئاسة الوزراء، وبالتوافق بين القوى السياسية.
وبذلك ترك حمدوك الباب مواربا أمام خروجه من الحكومة، رغم أن محللين يرون أن الوقت مبكر لانسحاب الرجل من المشهد طالما أنه خرج من إقامته الجبرية ووقع الاتفاق السياسي مع العسكر لوحده.
ويرى المحلل السياسي عمرو شعبان، أن حمدوك سيستمر في منصبه، فهو مقتنع بما يريد أن يفعله خلال المتبقي من الفترة الانتقالية.
ويضيف أنه “فات الوقت لانسحابه بعد توقيعه للاتفاق السياسي، وكل المؤشرات تدل على بقائه بالمنصب بدليل تحركاته لكسب مواقف جديدة بجر آخرين للمضي معه في الشراكة مع العسكر”.
ويلفت إلى إمكانية توجه حمدوك وشركائه العسكر إلى خلق حاضنة سياسية جديدة بعد أبعاد تحالف “قوى إعلان الحرية والتغيير”، حتى يستطيعوا تنفيذ برامجهم وإيجاد دعم سياسي لهم.
والمدنية الكاملة هو خيار تتبناه القوي السياسية التي لها قدرة على تحريك الشارع وأبرزها تجمع المهنيين والحزب الشيوعي، وتجد سندا قويا في مطالبها من لجان المقاومة ذات الانتشار الواسع وفائدة الحراك الاحتجاجي في الأحياء والمدن.
إلا أن المكون العسكري برئاسة البرهان قائد الجيش، يشدد على أن وجود المنظومة العسكرية والأمنية خلال الفترة الانتقالية هو صمام أمان للبلاد من التمزق.
وكرر البرهان أكثر من مرة حرصه على إنجاح الفترة الانتقالية وصولا إلى انتخابات نزيهة وحرة في يوليو 2023.
صحيفة العرب