الميزانية المقبلة لإيران تفترض عدم التوصل إلى اتفاق نووي

الميزانية المقبلة لإيران تفترض عدم التوصل إلى اتفاق نووي

يبدو أن الحكومة الإيرانية تعتقد أن الاقتصاد سينمو بشكل كبير حتى بدون تخفيف العقوبات أو زيادة عائدات النفط. في 12 كانون الأول/ديسمبر، قدّم رئيس الجمهورية الإسلامية ابراهيم رئيسي مشروع ميزانية إلى “مجلس  الشورى الإسلامي” (البرلمان) للعام الإيراني 2022/2023 الذي يبدأ في آذار/مارس. ووفقاً للأرقام الأولية، يبدو أن طهران تفترض أن المحادثات النووية لن تؤتي ثمارها في فيينا، وأن البلاد لن تحقق نجاحاً أكبر مما حققته على صعيد التهرب من العقوبات الأمريكية.

على سبيل المثال، افترضت ميزانية 2021/2022 تصدير 2.3 مليون برميل من النفط يومياً، في حين تفترض الميزانية الجديدة المقترحة تصدير 1.2 مليون برميل فقط، وهو تقدير يعادل في أفضل الأحوال الصادرات الإيرانية المقدّرة مؤخراً، وحتى أقل منها على الأرجح. ويعوّض عن هذا الانخفاض جزئياً الارتفاعُ المفترض في الميزانية الجديدة في سعر النفط المقوم بالدولار بنسبة 20 في المائة، فضلاً عن خطط الاستغناء التدريجي عن سعر الصرف الرسمي للريال الإيراني البالغ 42000 للدولار لصالح اعتماد سعر السوق الذي يناهز 300 ألف ريال للدولار. وعلى الرغم من هذه الإيرادات النفطية المتواضعة، إلّا أن الحكومة تتوقع ارتفاع الدخل القومي بنسبة 8 في المائة بالقيمة الحقيقية، ويفترض أن يكون ذلك بسبب التعافي من جائحة فيروس “كورونا” المستجد. وبعبارة أخرى، يبدو أن فريق رئيسي يعتقد أن إيران ستبلي بلاءً حسناً دون تخفيف العقوبات. وسواء كان هذا التفاؤل في غير محله أم لا، فإنه يشير إلى أن طهران لا تعتبر التوصل إلى اتفاق نووي ضرورياً.

وتعدّ فرضية النمو مثيرة للاهتمام بشكل خاص بالنظر إلى توقعات الميزانية بلوغ نسبة الإيرادات الضريبية 62 في المائة، وهي نسبة أعلى بكثير من معدل التضخم الذي قدَّره “صندوق النقد الدولي” وهو 28 في المائة للعام المقبل. وعادةً ما تتضمن الميزانيات الإيرانية فرضيات مفرطة في التفاؤل حول جمع إيرادات أعلى من الضرائب الحالية، لكن رئيسي يقترح زيادات حادة، وهو تدبير يرى خبراء الاقتصاد أنه يحد من النمو في الدخل الوطني. ومن المتوقع أن ترتفع عائدات الضرائب من السفر إلى الخارج بمقدار أربعة عشر ضعفاً، مما يعني معدلات أعلى بكثير، في حين ستبلغ الضرائب المفروضة على الأملاك والمركبات التي تتجاوز قيمتها عتبة محددة، 4 في المائة سنوياً – على الأقل بالنسبة للمواطنين الذين ليس لديهم روابط سياسية كافية لتجنبها.

وبالفعل، يبدو أن الميزانية سترخي بثقلها على الطبقة الوسطى باسم الاكتفاء الذاتي الوطني. فرئيسي لا يعبأ كثيراً بهذه الشريحة من المجتمع، التي كانت تشكّل الركيزة الانتخابية لسلفه حسن روحاني. كما أن الميزانية لن تساعد كثيراً الطبقات الأكثر فقراً، هذا إن فعلت أساساً: فالتضخم سيتخطى الزيادات المقترحة في الإنفاق، وسترزح الفئات ذات الدخل المنخفض تحت وطأة بعض الضرائب الجديدة (على سبيل المثال، من المتوقع أن تتضاعف الإيرادات من مبيعات السجائر).

وفي بعض نقاط الميزانية، يقوم اقتراح رئيسي على أسس سليمة للاقتصاد الكلي. فبخلاف الميزانيات الماضية التي ادّعت سدّ العجز من خلال توقّع أسعار نفط غير واقعية، تفترض الميزانية المقبلة تصدير النفط بستين دولاراً للبرميل – وهو توقّع حذر للغاية حتى لو افترضنا أن على إيران مواصلة تقديم حسومات وتسديد رسوم مناولة الأموال بسبب استمرار العقوبات الأمريكية.

ويُعتبر الاستغناء تدريجياً عن سعر الصرف الرسمي فكرة جيدة أيضاً، نظراً لأن الفجوة بين الأسعار الرسمية وأسعار السوق سمحت للأفراد القادرين على التداول بخيارات الصرف الأجنبي بتحقيق دخل غير مشروع. وتشير تقارير صحفية إيرانية إلى أن جزءاً كبيراً من مبلغ الـ 8 مليارات دولار وفق سعر الصرف الرسمي المخصص لواردات السلع “الأساسية” لم يتمّ استخدامه لهذا الغرض. فحكومة رئيسي تعمل على استبدال هذا النظام بدفع مبلغ نقدي يتراوح بين 3 و4 دولارات شهرياً لجميع العائلات، بتكلفة إجمالية قدرها 3.4 مليار دولار (1000 تريليون ريال إيراني). وبفضل نظام الدفع النقدي الذي تعتمده إيران منذ فترة طويلة، يمكنها بسهولة زيادة المدفوعات الشهرية، الأمر الذي سيعود بالفائدة على الأسر بفعالية أكبر من إبقاء ثمن بعض المواد الأساسية منخفضاً – وهي مقاربة ألحقت الضرر بالمنتجين المحليين للأرز وغيره من السلع.

وتتمثل خطوة كبرى أخرى في الخفض المقترح لمبيعات السندات إلى 3.4 مليار دولار، أو 45 في المائة دون الرقم المثير للسخرية في ميزانية 2021/2022. ويُعد رفع سن التقاعد لمعظم الناس – بواقع سنتين إلى 65 عاماً – مناسباً للغاية نظراً إلى تسارع شيخوخة السكان في إيران وتراجع عدد الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل (علماً بأن الذين ولدوا خلال موجة “ندرة الولادات” التي شهدتها البلاد هم الآن في أوائل العشرينات من عمرهم).

ومع ذلك، تحتوي الميزانية المقترحة أيضاً بعض الحيل المعتادة والتغييرات المفاجئة التي تجعلها أقل شفافية. ومن أحد الأسباب أنها تحتفظ بالافتراضات المتفائلة التقليدية حول جمع الأموال من الخصخصة. وعلى نحو لا يمكن إنكاره، قد تساهم مختلف الخطوات المزمعة الرامية إلى دعم سوق الأسهم في زيادة حصة الحكومة من مثل هذه المبيعات، ولكن ربما ليس إلى المستوى المتوقع. وعلى صعيد آخر، تمّ رفع مخصصات مكتب الرئيس إلى حدّ كبير بواقع 2.7 مرة بالمقارنة مع المبلغ السابق.

والأهم من ذلك، أفادت “وكالة أنباء فارس” شبه الرسمية أن الميزانية خصصت 5.1 مليار دولار إلى «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني من عائدات مبيعات النفط، لكن لا يبدو أن هذا الرقم مدرج في الميزانية الحكومية الفعلية البالغة 50 مليار دولار (15.052 تريليون ريال إيراني). وتفترض الميزانية عائدات النفط تبلغ 12.7 مليار دولار (3818 تريليون ريال إيراني)، لكن من المتوقع أن تبلغ كمية الصادرات 1.2 مليون برميل يومياً بسعر 60 دولاراً للبرميل ستدر 26.3 مليار دولار. وستُخصَّص حصة كبيرة من هذه العائدات إلى “الشركة الوطنية الإيرانية للنفط” لدفع تكاليف الإنتاج والتكاليف الرأسمالية، لكن هذا المبلغ يفوق بكثير ذلك المخصص في الميزانية. ويتم تخصيص بعض هذه الأموال الإضافية للإنفاق على مستوى المحافظات، ولكن القسم الأكبر منها سيذهب إلى أموال “الاستقرار” و”الأموال الاحتياطية”، التي تخصصها الحكومة عادة للمصاريف التي تدّعي أنها ترتبط بالاستثمار والتنمية – وهي على الأرجح ذريعة لتخصيص مبالغ إلى «الحرس الثوري» الإيراني.

ومن المؤكد أن “مجلس الشورى” سيجري تعديلات على الميزانية، قد تكون بعضها كبيرة على الأرجح. ومع ذلك، فإن اقتراح رئيسي هو مؤشر واضح على نظرته إلى الوضع الاقتصادي في إيران – وهي أنه في وضع جيد حتى بدون تجديد الاتفاق النووي. وتتماشى هذه النظرة مع رؤيته التي يعرب عنها منذ فترة طويلة بأن إيران يمكن أن تبلي بلاءً حسناً بدون الغرب، ومع وجهة النظر الطبيعية القائلة بأن المصارف الأوروبية والحكومة الأمريكية لن تسمح لإيران بالعودة إلى النظام المالي العالمي.

وأخيراً، إن التداعيات على صانعي السياسة في الولايات المتحدة واضحة: إن حكومة رئيسي لا ترى أي ضرورة اقتصادية لتقديم تنازلات نووية كبيرة، ولا تخشى الإجراءات الاقتصادية العقابية التي هددت إدارة بايدن بتطبيقها في حال عدم التوصل إلى اتفاق. وربما يمكن لواشنطن زعزعة هذه الثقة – على سبيل المثال، من خلال إيجاد تدابير فعالة للحدّ من مشتريات النفط الصينية التي تشكّل الجزء الأكبر من صادرات إيران. ومع ذلك، لن تكون هذه مهمة سهلة، بالنظر إلى القناعة الإيديولوجية الراسخة لرئيسي بأن الاكتفاء الذاتي والتعاملات التجارية مع الدول المجاورة أكثر نفعاً من محاولة التطبيع مع الغرب.

پاتريك كلاوسون

معهد واشنطن