كيف أصبحت بكين زعيمة العالم الرقمي؟

كيف أصبحت بكين زعيمة العالم الرقمي؟

اكتسبت بكين لقب عاصمة العالم الرقمي عن جدارة واستحقاق، واليوم يمكن أن تصبح مقاطعة ماكاو واحدة من العواصم الصناعية والمالية الرئيسية في جمهورية الصين.

ويقول الكاتب كونستانتين أولشانسكي في تقرير نشرته صحيفة “سفابودنايا براسا” الروسية إن إصلاح اقتصاد مقاطعة ماكاو سيصبح واحدا من أعظم إنجازات الرئيس شي جين بينغ، في إطار سعيه لإعادة تشكيل الصين، حيث إن الرئيس قد حصل فعليا على لقب قائد النهضة الصينية، واعدا بتحويل الصين إلى قائدة العالم الرقمي في القرن الـ21.

كانت بكين قد تبنت لهجة حادة في مواجهة استغلال القمار كقناة لتهريب رأس المال وتقويض الاستقرار المالي للبلاد، ولكن لا تزال الكازينوهات تمثل العمود الفقري للاقتصاد في هذه المقاطعة التي تمثل مستعمرة برتغالية سابقة، إلا أن هذا الواقع قد يتغير قريبا، إذ إن مركز ماكاو للمؤتمرات والمعارض احتضن خلال الأسبوع الماضي حدثا مهما تحت عنوان “في الجانب الآخر” ضم المئات من الشركات المستثمرة في مجال التكنولوجيا المتطورة، من بينها شركات عملاقة مثل “تنسنت” (Tencent)، و”هواوي” (HUAWEI)، وقد تم عرض رؤية طموحة حول مستقبل هذه المدينة.

وبحسب الكاتب، تنوي بكين جعل التكنولوجيات الحديثة الأساس لتطوير ماكاو، بالاعتماد خاصة على شبكات الجيل الخامس والبلوك تشين والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وبدعم من السلطات في بر الصين الرئيسي ومجموعة من المستثمرين قد تصبح ماكاو أبرز مدينة ذكية في الصين.

ومن المؤسسات المنخرطة في هذا التوجه هناك شركة ماكاو للمياه، وهي مؤسسة استثمارية مخاطرة تقدم خدمات في مجال نقل ومعالجة الماء، وتغطي شبكة بطول إجمالي يبلغ 700 كيلومتر، وهناك أيضا تطبيق ويكوم الصيني الشهير الذي يسمح لعدد يصل إلى 300 موظف بتنسيق عملهم وإدارة خدماتهم بشكل مشترك.

أما شركة “سينس تايم” (Sense Time) الصينية -التي تعد الأبرز في مجال تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي- فقد فتحت مكتبا في ماكاو، وسيتم استخدام التكنولوجيات الذكية في مجال بناء المنازل والمجمعات التجارية، إلى جانب منشآت الطاقة والخدمات الصحية.

وتعتبر ماكاو أيضا نقطة انطلاق مهمة لشركة هواوي (Huawei) التي قدمت خلال هذا المعرض مشروعها لتطوير ودمج الشبكات السحابية، للاستفادة منه في مجال إدارة شبكات النقل الحضري.

كما شهد هذا المعرض حضور الشركة الحكومية “القابضة الدولية للإنشاءات” التي تعمل على مد طريق سريع بين هونغ كونغ وماكاو، ويضم أطول جسر بحري في العالم.

النهضة الصينية الكبرى
وبحسب مؤسسة ديلويت (Deloitte) للتدقيق المالي، فإن المدن الصينية خلال السنوات القادمة سوف تتطور في اتجاه موحد، وهو الرقمنة الكاملة والاعتماد على تكنولوجيات خضراء، وهذه المرحلة الجديدة من التحول الاقتصادي استفادت بالأساس من الإصلاحات التي قدمها الرئيس الحالي شي جين بينغ.

ويوضح الخبير الاقتصادي ليو لي -من مؤسسة أوليفير وايمان (Oliver Wyman) للاستشارات- أن بعض العوامل مثل وباء كورونا وتنامي الطبقة الوسطى الصينية القادرة على الاستهلاك، إلى جانب المنافسة في جنوب شرق آسيا كلها ساهمت في تسريع وتيرة الرقمنة.

يشار إلى أنه في مراسم افتتاح المؤتمر الدولي الذي أقيم في غوانزو تحت شعار “فهم الصين” كان الرئيس قد تحدث حول إصلاحاته مستعرضا بعض الأرقام المثيرة للاهتمام، إذ إنه في نهاية العام الماضي كان حجم الاقتصاد الرقمي الصيني قد وصل إلى 40 تريليون يوان، وهذا يعني أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وقد كان لزاما على السلطات الصينية إدماج هذه القطاعات الرقمية مع نظيرتها التقليدية بهدف خلق نموذج تنموي جديد.

هذه الأهداف الطموحة للرئيس شي جين بينغ سوف تتكفل بتنفيذها وزارة الصناعة وتكنولوجيات المعلومات التي أعلنت عن مخططها الخماسي للفترة المقبلة.

وتوجد الآن أكثر من 100 منصة صناعية رقمية تم إنشاؤها وإطلاقها في الصين، وهناك أكثر من 1800 أخرى قيد الإنشاء سوف تغطي كافة القطاعات الصناعية، ومن ضمنها التعدين والكهرباء.

كما ستعمل هذه الوزارة على إدخال تكنولوجيات معالجة البيانات في مجال الصناعة، وبحسب المخطط الخماسي للعام 2025، فإن حجم تكنولوجيات معالجة البيانات سوف يتجاوز 3 تريليونات يوان (حوالي 500 مليار دولار)، أي أنه سيتضاعف 3 مرات مقارنة بالعام الماضي.

وتطمح القيادة الصينية إلى تحويل البلاد إلى قوة عظمى رقمية، ومن المنتظر أن تساهم الصين بنسبة 28% من البيانات المتراكمة من طرف البشر في العالم بحلول العام 2025، وستكون كل هذه البيانات متاحة على شبكة الإنترنت، ويمكن للأفراد ولبرمجيات الذكاء الاصطناعي تحليلها والاستفادة منها.

لكن هذه الثورة الرقمية لن تكون بمعزل عن الحسابات السياسية، حيث إن الصين تخطط أيضا لإعادة هيكلة منظومة الإدارة العامة وجعلها رقمية بالكامل.

سيحدث كل هذا في وقت لا تفكر فيه الدول الغربية وروسيا إلا في استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة السياسيين على مواصلة حكم بلادهم، أما في الصين فإن هذه الأدوات ستصبح عما قريب متاحة للجميع.

المصدر : سفابودنايا براسا