عزل أستاذ شريعة يفجّر سجالا أيديولوجيّا قويّا في الجزائر

عزل أستاذ شريعة يفجّر سجالا أيديولوجيّا قويّا في الجزائر

الجزائر – كان مجرد تماس بسيط بين قطبين متنافرين كافيا لإشعال فتيل أيديولوجي في الجزائر، واتّخذ أبعادا أحيت الصراع الخامد بين مدرستين فكريتين وسياسيتين، إذ كان تدخل أستاذ شريعة في الحياة الشخصية لتلميذته تحت ثوب النصيحة فتيلا أثار ردود فعل أوليائها والإدارة والشارع المنقسم بين مؤيد للأستاذ وبين مدافع عن حرية التلميذة.

وتحول قرار عزل أستاذ للشريعة الإسلامية بمحافظة معسكر الجزائرية من طرف السلطة الوصية، في أعقاب الشكوى التي تقدم بها أولياء تلميذات اتهموه فيها بالتدخل في شؤونهن الخاصة، إلى سجال أيديولوجي بين مرحبين بقرار الإدارة كونه وضع حدا لاستغلال وظيفة التعليم في تمرير رسائل دينية، وبين متعاطفين معه باعتباره مارس واجبه في النصح من أجل احترام الأعراف والتقاليد وحتى القانون الداخلي للمؤسسة.

وقررت إدارة التعليم في محافظة معسكر بغرب البلاد عزل الأستاذ دالي علي من منصبه كأستاذ للشريعة الإسلامية، بعد الشكوى التي تقدم بها أولياء تلميذات للإدارة، اتهموه فيها بالتدخل في حياتهن الخاصة بعدما عاب عليهن “ارتداء ملابس غير ملائمة ومثيرة “، في إشارة إلى ما يعرف بـ”التبرج”.

رغم الإصلاحات التي أُجْريت على المنظومة التربوية تبقى المدرسة الجزائرية فضاء مفضّلا للسجالات حول القضايا الدينية

وأثار القرار موجة سجال أيديولوجي حاد بين المؤيدين والرافضين للقرار، كامتداد للصراع الأزلي بين التيارين الإسلاموي والمحافظ من جهة والتيار العلماني من جهة ثانية، خاصة بعدما تصدر بعض وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما تلك التي عملت على إظهاره في “ثوب البطل القومي المدافع عن قيم وثوابت الأمة”.

ويبدو أن الأستاذ الذي تبرز فيه مظاهر التدين السلفي قد دخل منذ مدة في مناكفات مع الإدارة التي رفضت التحاقه بوظيفته وهو يرتدي الزي المعهود لدى المتديّنين، وكان يرد بأن “الأجدر بالإدارة أن تمنع التبرج داخل المؤسسة قبل أن ترفض دخوله بالقميص (الذي يرتديه عادة المتدينون)”.

وذكر في هذا الشأن مدير الثانوية جمال فراد بأنه “نبّه الأستاذ لعدم الدخول إلى الثانوية وهو يرتدي قميصا، لكن الأستاذ كان يرد بالقول: لماذا لا ترى المتبرجات، وتفرض عليهن الزي المحتشم؟”.

وأكد المتحدث بأن “الأستاذ كان يتحجّج بالدين الإسلامي لنشر أفكار لا تتماشى مع الدين الإسلامي”، وأنه تلقى شكاوى عديدة ضده (الأستاذ)، وما كان إلا أن “دون تقريرا لمديرية التربية، طالبها بفصل الأستاذ الذي كان يقوم بتصرفات غير أخلاقية وغير تربوية، فضلا عن نشره لمغالطات لا تتماشى مع برنامج الوزارة الوصية، مما تسبب في فتنة داخل القسم بين التلاميذ”.

ولفت إلى أن الأستاذ دالي علي كان “يتدخل في أمور خارجة عن النطاق التربوي والبيداغوجي للوصاية والبعيد كليا عن القياس القانوني، لاسيما تجاه الإناث”، وألمح إلى أن المدرسة بشكل عام هي فضاء للتلقين والتحصيل العلمي والبيداغوجي، وليس لزرع الأفكار الدينية والأيديولوجية.

وعكَس السجال المحتدم بين المؤيدين للقرار والمتعاطفين مع الأستاذ تغلغل التيار المحافظ داخل المجتمع، رغم ما يبذل من طرف الحكومة لتحييد المدرسة عن التجاذبات الأيديولوجية ومحاربة التطرف داخل المنظومة التربوية.

ولا يزال الأستاذ متمسكا بروايته وهي أنه “كان يقدم نصائح لتلميذتين تتعمدان ارتداء ملابس مثيرة لا تليق بفضاء يتكون في الغالب من مراهقين، وأنه لم يطالبهن بارتداء الحجاب، بل بلباس محتشم يتماشى مع الأعراف والتقاليد المحافظة ومع القانون الداخلي للمؤسسة”.

إدارة التعليم في محافظة معسكر غرب البلاد تقرر عزل الأستاذ دالي علي من منصبه كأستاذ للشريعة الإسلامية، بعد الشكوى التي تقدم بها أولياء تلميذات للإدارة

ولفت إلى أنه “قام بالدور المنوط به وهو تربية التلاميذ باعتبار أنه يدرّس مادة التربية الإسلامية، وأنه بعد أن توجّه إلى المؤسسة التعليمية التي يدرّس فيها منعه الحارس من الدخول بأمر من المدير”.

ووصف تصرف المدير بـ”المسيء للأساتذة ولقطاع التربية وللدين الإسلامي، لاسيما وأن المدير خاطبه بصريح العبارة: أنت أستاذ مستخلف كل الخبز واسكت”.

وأخذت القضية أبعادا سياسية بعد دخول النائب البرلماني عن حركة مجتمع السلم الإخوانية زكريا بلخير على الخط حيث صرح بأن “الإدارة الجزائرية إن لم تسترد حق الأستاذ دالي فلا خير في هذه الإدارة ولا خير فينا كأمة مسلمة، وما حدث معه من تعسف يذكرنا بزمن الاحتلال الفرنسي”.

أما أستاذ الشريعة والقانون بجامعة وهران بلخير طاهري الإدريسي فقد صرح بأن “مدير ثانوية أبي راس الناصري أخطأ في إجراءات توقيف الأستاذ، ولم يسلك الطرق القانونية”، كما نظم الطاقم البيداغوجي في الثانوية المذكورة وقفة احتجاجية للتنديد بقرار الإدارة والتضامن مع الأستاذ المعزول.

وعلى صعيد آخر اضطرت إدارة مؤسسة ملبنة “الصومام” بمدينة بجاية شرقي العاصمة إلى إصدار بيان كذبت فيه ما وصفته بـ”الشائعات” التي رُوّجت على شبكات التواصل الاجتماعي، وجاء فيها أن “مالك الملبنة قرر تشييد مدرسة قرآنية في مدينة معسكر وتعيين الأستاذ دالي علي المعزول مديرا لها، كتعبير منه على تعاطفه معه وحرصا على تقاليد التعليم الديني”.

ورغم الإصلاحات المتتالية التي أجريت على المنظومة التربوية في البلاد، وحرص الحكومة على تحييدها عن التجاذبات السياسية والأيديولوجية، تبقى المدرسة الجزائرية فضاء حساسا ومفضلا لمثل هذه السجالات والتوظيفات المقصودة.

وظلت التوجيهات والإصلاحات التي أدارتها بشكل لافت الأنتروبولوجية ووزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط محل انتقادات شديدة من طرف التيار المحافظ الذي لم يتوان في توجيه تهم التغريب والعلمنة ومحاربة القيم والثوابت الوطنية.

العرب