صادقت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في جلسة الاثنين على نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، بعدما كانت ردّت دعوى تقدّمت بها قوى سياسية ممثلة للحشد الشعبي للدفع إلى إلغاء النتائج.
وتفتح المصادقة على النتائج المجال الآن أمام البرلمان الجديد لعقد جلسته الأولى خلال الأسبوعين المقبلين، ثمّ انتخاب رئيس له ورئيس للجمهورية، قبل أن يتمّ اختيار رئيس للحكومة في عملية تعتمد على المفاوضات السياسية بين القوى المختلفة.
وأعلن مسؤول إعلامي في المحكمة في بيان مقتضب أن “المحكمة الاتحادية العليا تصادق على نتائج انتخابات مجلس النواب”.
وكانت المحكمة قد ردّت في وقت سابق الدعوى المقدمة من تحالف الفتح الممثل للحشد الشعبي، تحالف فصائل موالية لإيران باتت منضوية في القوات الرسمية، لإلغاء نتائج. وحصل تحالف الفتح على 17 مقعداً بعدما كان يشغل في البرلمان المنتهية ولايته 48 مقعداً.
وبعيد المصادقة، أعلن رئيس تحالف الفتح هادي العامري في بيان صادر عن مكتبه قبول قرار المحكمة رغم “إيماننا العميق و اعتقادنا الراسخ بأن العملية شابها الكثير من التزوير والتلاعب”.
وجاء في البيان “من باب حرصنا الشديد على الالتزام بالدستور والقانون وخوفنا على استقرار العراق أمنياً وسياسياً، وإيماناً منا بالعملية السياسية ومسارها الديمقراطي من خلال التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات، نلتزم بقرار المحكمة الاتحادية”.
وكان القاضي جاسم محمد عبود رئيس المحكمة الاتحادية قد أعلن في وقت سابق “رفض طلب المدعين إصدار أمر ولائي لإيقاف إجراءات المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات”، مؤكدا أن “الحكم باتا ملزما للسلطات كافة”.
وأضاف أن “المحكمة الاتحادية العليا قررت ردّ دعوى عدم المصادقة على النتائج وتحميل المشتكي كافة المصاريف”.
وتصدّرت الكتلة الصدرية بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، النتائج بحيازتها على 73 مقعداً، وفق النتائج النهائية التي أعلنتها المفوضية الانتخابية.
“ضغوطات سياسية”
على الرغم من تراجع الكتلة السياسية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي في الانتخابات، تبقى هذه التشكيلات التي يقدر عدد مقاتليها بـ160 ألف عنصر لاعبا مهما على الصعيد الأمني والسياسي في البلاد.
وبذلك، يبقى لهذه القوى كلمة في المفاوضات التي ستفضي إلى اختيار رئيس للوزراء وتشكيل حكومة، في عملية معقدة في بلد متعدد الإثنيات والطوائف، تهيمن عليها الأحزاب الشيعية التي تلجأ في النهاية إلى اتفاق مرضٍ بغض النظر عن عدد المقاعد التي يشغلها كل حزب.
ويستطيع الحشد الشعبي الذي دخل البرلمان للمرة الأولى في 2018 مدفوعاً بانتصاراته ضد تنظيم “الدولة”، الاعتماد على لعبة التحالفات أيضا، إذ حاز أحد شركائه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي يتزعم تحالف “دولة القانون” على 33 مقعداً.
ورأى رئيس مركز التفكير السياسي والمحلل العراقي إحسان الشمري في حديث لفرانس برس أن “قرار المحكمة الاتحادية سيساهم في تشجيع القوى التي تفاوضت سابقاً بشكل غير مباشر للوصول إلى توافقات أو تحالف يمكن أن يعلن خلال الأيام القادمة”.
وبغضّ النظر عن التحالفات المقبلة، اعتبر الشمري أن “الأهم في قرار المحكمة الاتحادية أن القضاء لم يخضع للضغوطات السياسية التي مورست من قبل القوى الخاسرة والمعترضة على نتائج الانتخابات وهذا يعطي إشارة واضحة على أنه لا ثغرات سياسية في جسد المحكمة الاتحادية”.
وكرّر الصدر مراراً نيته تسمية رئيس للحكومة من كتلته وتشكيل حكومة أغلبية. في الأثناء، قد تبرز خلافات أيضاً داخل الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يضمّ تحالف الفتح وقوى سياسية شيعية أخرى، وقد يتجه بعضها للتحالف مع الصدر.
“ثقة الناخب”
اعتبر القاضي قبيل تلاوته الحكم أن “اعتراض بعض الكتل على النتائج الانتخابات العامة، بغض النظر عن أسبابه ينال من قيمة الانتخابات ويبعد ثقة الناخب بها ويبعد العملية السياسية عن مسارها الصحيح”.
واكد أن “ذلك سيؤثر على السلطتين التشريعية والتنفيذية باعتبارهم نتاجاً لتلك الانتخابات”.
وأضاف أن “الجهات المعترضة” أكدت أن “سبب اعتراضها هو آلية العد والفرز الإلكتروني وأن تلك الآلية تفقد العملية الانتخابية الانتخابية المصداقية وتؤثر على نتائج الانتخابات وذلك لإمكانية اختراق الأجهزة بالوسائل العلمية الحديثة”.
لذلك “تجد المحكمة وجوب حصول تدخل تشريعي من قبل مجلس النواب القادم لتعديل قانون الانتخابات واعتماد نظام العد الفرز اليدوي بدلا من العد والفرز الإلكتروني، إذ إن أساس نزاهة الانتخابات و ترسيخ مبادئ الديمقراطية عن طريقها يعتمد على مدى ثقة الناخب بمصداقيتها و نزاهتها”.
وبعد عدة أسابيع من التوتر الذي بلغ ذروته لدى تعرض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لمحاولة اغتيال مطلع الشهر الحالي، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن النتائج النهائية في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر.
وجاءت هذه الانتخابات بالدرجة الأولى لامتصاص غضب الشارع بعد احتجاجات غير مسبوقة شهدتها البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2019، ضدّ الأوضاع المعيشية المتردية والفساد وما يرون أنه تزايد لهيمنة إيران على البلاد.
وكان المسؤولون في تحالف الفتح أوضحوا في مؤتمر صحافي مؤخراً النقاط الخلافية بشأن النتائج مشيرين إلى حصول أعطال في التصويت الإلكتروني.
وذكّروا، استناداً إلى تلك التقارير الفنية، بأنّ البصمات الإلكترونية لبعض الناخبين لم تتم قراءتها، متسائلين كذلك عن أسباب استقدام جهاز إلكتروني جديد يسمّى “سي 1000” قبل أيام من الانتخابات والإخفاقات التي حصلت في استخدامه.
(أ ف ب)