أثار تشكيل الحكومة الألمانية الحالية بتحالف “إشارة المرور” (ألوان الأحزاب الثلاثة الاشتراكي الديمقراطي، والخضر، والأحرار الليبراليين)، أكثر من تساؤل حول التغييرات المحتملة في السياسة الألمانية داخليا وخارجيا.
فقد شهدت الانتخابات الأخيرة خروج “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” من الحكم، رغم أنّه الحزب الذي يُنسب إليه جُل النجاحات الألمانية في العقود الأخيرة، ولا سيما الوحدة الألمانية، والدفع بألمانيا لقيادة أوروبا اقتصاديا وإنقاذها من أزمة الديون أو ما عُرف بـ”أزمة دول اليورو 2010″، التي كادت تعصف بالاتحاد الأوروبي.
السياسة الداخلية تجاه اللاجئين
ولا شك أن الأحزاب المشكّلة للائتلاف الحاكم ليست جديدة على حكم ألمانيا، فالحزب الاشتراكي الذي يقود الائتلاف، كان جزءًا من الحكومة السابقة، وبالتالي فإن ثمة امتدادا متوقّعا للسياسة السابقة، ولكن مع تغييرات تراعي التطورات البنيوية في المجتمع الألماني، ولا سيما قضية اللاجئين، وتأثيرات جائحة كورونا.
ورغم ما طرحه الائتلاف الحاكم في برنامج عمله من قضايا تتناول التحديث والرقمنة والحدّ الأدنى للأجور، وتغيّر المناخ، تبقى قضية اللاجئين هي الأبرز.
فقد استقبلت ألمانيا خلال السنوات القليلة الماضية أكبر موجة من اللاجئين في تاريخها، وتم استخدام هذه الورقة من قبل الأحزاب المتنافسة في الانتخابات الأخيرة، سواء المؤيدة للجوء أو المعارضة له.
ولعل غياب الأحزاب الشعبوية واليمينية عن الائتلاف الحاكم أرخى بظلال من الطمأنينة على الوافدين واللاجئين بألمانيا، وعلى شريحة واسعة من الألمان أنفسهم.
تشغيل الفيديو
مدة الفيديو 02 minutes 24 seconds
02:24
بداية مبشّرة
“بداية مبشرة”، هكذا وصف عضو الحزب الاشتراكي من أصل عربي، جواد الجعافرة، توجه المستشار الألماني الجديد، أولاف شولتز، إلى بدء سياسة جديدة في قضايا الهجرة والاندماج، “تنطبق على دولة هجرة حديثة”، بحسب ما صرح به أمام حكومته.
وهذا يعني، حسب الجعافرة للجزيرة نت، أن ثمة قوانين ستصب في مصلحة المهاجرين، كتسهيل الحصول على جواز السفر الألماني، والسماح بازدواجية الجنسية، وتسهيل الحصول على الإقامات، وتحسين ظروف اللجوء والاندماج.
دور اللاجئين
فيما رأى شكري حمدي، الباحث الأكاديمي، والمستشار لشؤون اللاجئين في شمال الراين، أن ألمانيا لم تستقبل اللاجئين بقرار المستشارة السابقة أنجيلا ميركل أو حزبها، بل سبق ذلك اجتماعات معمّقة مع القوى المتحكمة في الاقتصاد الألماني، خلصت إلى الحاجة الماسة للاجئين، ولا سيما أن سوق العمل الألماني يحتاج 400 ألف عامل سنويا.
ويشير حمدي للجزيرة نت، إلى اندماج اللاجئين في السنوات الماضية في سوق العمل، ومساهمتهم في إنقاذ صندوق التأمين على الشيخوخة ماديا من خلال الدفع للصندوق، فضلا عن دفع الضرائب المختلفة، وسد النقص في اليد العاملة.
سامر رحال تحدث عن الحاجة الماسة لتحسين قوانين الهجرة واللجوء (الجزيرة نت)
تحسينات مطلوبة
أما الباحث في علم الاجتماع، راينر بيرغر، فرأى أنه لن يكون هناك تغيير يُذكر إن لم تسارع ألمانيا لدعم البلاد الفقيرة والمصدّرة للاجئين، ومحاولة حل أسباب اللجوء.
ويعتقد الباحث أن سياسة الهجرة في ألمانيا لن تتغير كثيرا، ولكن “قد تكون هناك تحسينات طفيفة على أوضاع المهاجرين، ومنها تسهيلات في قانون الهجرة، فألمانيا تحتاج بشكل عاجل إلى متخصصين مؤهلين، والمطلوب قوانين جديدة تعمل على تسهيل منح الإقامات ولمّ الشمل، والجنسية، وتخفيف القيود على حظر العمل”.
وعن الحاجة الملحة لتطوير القوانين الخاصة باللجوء والهجرة أيضا، قال سامر رحال، مدير العمليات التكنولوجية في مؤسسة “إندورما فينتشرز للصناعات البتروكيماوية” (Indorama Ventures PCL)، إن القوانين الألمانية الحالية لا تفي بالغرض، وتشكل عبئًا على اللاجئين، ولا سيما في مسألة الاندماج.
وبرأي رحال، ما زالت القوانين تقف عائقًا أمام ذلك، ولا بد من تطويرها بما يعود بالنفع على اللاجئ والدولة معًا، ومنها على سبيل المثال معضلة تعلّم اللغة، فضلاً عن شروط تُعد قاسية -مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى- للحصول على الجنسية.
الباحث شكري حمدي يقول إن تغيرات كبرى في أوروبا والعالم تفرض على ألمانيا تغيير سياستها الخارجية (الجزيرة نت)
هل ثمة تغيير في السياسة الخارجية؟
منذ الحرب العالمية الثانية وما جرّته من ويلات على ألمانيا والعالم، بدا أن السياسة الخارجية كانت -إلى حدّ ما- هي الثابت الوحيد، حيث تنعت السياسة الخارجية الألمانية بـ”السياسة المحافظة” أو ما يسميه البعض “اللعب على الحبال”، ولكنها سياسة غير تصادمية.
لكنّ ثمة متغيرات تفرض على الحكومة الألمانية الجديدة نوعًا من التغيير في سياساتها الخارجية، كما يتوقع الباحث شكري حمدي “فالسياسة الخارجية الألمانية ستكون أكثر واقعية، وستسعى لأن يكون لألمانيا دور أكبر في محيطها الأوروبي، ولا سيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي”.
ويقول حمدي إن هذا سيدفع الساسة الألمان للعمل على أن تقود ألمانيا أوروبا سياسيا وليس فقط اقتصاديا، “فثمة قوة كبرى تتشكل على حدود أوروبا، في إشارة إلى تركيا، وهناك الخطر الروسي الذي يهدد بغزو أوكرانيا، فضلاً عن سياسة التبعية لأميركا والتي قد قزّمت أوروبا بشكل عام”.
لكن عضو الحزب الاشتراكي جواد الجعافرة يخالف هذا الرأي، إذ يعتقد أن السياسة الخارجية الألمانية تعاني من واقع مفروض على دولتها الاتحادية منذ نهاية الحرب العالمية، فضلاً عن وجود “خطوط متشابكة لا يمكن أن تتجاوزها أو تغيّرها بشكل ارتجالي” ومنها العلاقة مع الولايات المتحدة.
لكن ما يقلق بالنسبة للجعافرة، هو تسلم حزب الخضر لوزارة الخارجية، و”هو حزب يقيّم العلاقات من خلال البيئة والمناخ، وليس من خلال المصالح والإستراتيجيات”.
وهو ما يتفق معه الباحث راينر بيرغر، الذي يرى أن السياسة الألمانية الخارجية، ستعتمد على الحلول الدبلوماسية في مناطق النزاعات، وشدد على ضرورة أن يكون لألمانيا دور في البلاد المصدّرة للاجئين، بالقوة الناعمة ومن خلال تقديم الدعم الاقتصادي بما يسمح بحياة أفضل للسكان تلك المناطق.
الجزيرة