أوكرانيا ولعبة الخطوط الحمر الأميركية الروسية

أوكرانيا ولعبة الخطوط الحمر الأميركية الروسية

قمتان أميركية روسية، الأولى في يونيو (حزيران) الماضي في جنيف والثانية الشهر الماضي عبر تقنية الفيديو، لم تنجحا في خفض مستوى التوتر الأميركي الروسي حول أوكرانيا. فهل العالم أمام مواجهة، ليس بالضرورة عسكرية، بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، قد تؤدي لحرب باردة جديدة كما يحذر البعض؟ واشنطن توجه الإنذار تلو الآخر لموسكو بأن اللجوء إلى الخيار العسكري كما تدل على ذلك التعبئة العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية قد يؤدي إلى عقوبات اقتصادية أميركية وغربية «مكلفة» على موسكو، وهو ما كرره بيان مجموعة القوى السبع الغربية. الموقف الروسي الذي أعلن عنه يحمل شرطين أساسيين، أولهما رفض استمرار التوسع الأميركي وبواسطة الحلف الأطلسي شرقاً، أي إلى الحدود الغربية الجنوبية لروسيا بعد أن انضمت إلى الحلف منذ نهاية الحرب الباردة اثنتا عشرة دولة كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي أو من أوروبا الشرقية. وتظهر موسكو معارضة شديدة لانضمام كل من أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف الأطلسي كما أعلن قادة الحلف في عام 2008 عند إطلاق مسار الانضمام. وتعتبر موسكو ذلك بمثابة خط أحمر لا يمكن القبول بتجاوزه. كما ترفض موسكو نشر أسلحة متطورة (استراتيجية) في مداها وقدراتها على حدود مناطق نفوذها. موسكو تريد الحصول على ضمانات أمنية غربية وتحديداً أميركية في هذا المجال. كما تريد امتلاك حق الفيتو فيما يتعلق بتوسع الحلف الأطلسي شرقاً. وقد عرضت موسكو مسودة لاتفاقية تحمل عدداً كبيراً من الضمانات الأمنية المتبادلة، ولو أن مجملها مطلوب من واشنطن العمل بها. ولا يكفي تأجيل انضمام كل من أوكرانيا وجورجيا بشكل مفتوح لطمأنة موسكو. وفي إطار لغة الهجمات المتبادلة شكك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوجود أمة أوكرانية، مضيفاً أن لينين هو من خلق هذه الأمة. وتحاول واشنطن تقديم «تنازل» لمصلحة موسكو عبر منح منطقة دونباس شرق البلاد حكماً ذاتياً متقدماً وهي منطقة رافضة أساساً لأن تكون جزءاً من أوكرانيا وقريبة سياسياً لروسيا. «هدية» أخرى يجري الحديث عنها ضمن منطق المقايضة مع موسكو تتعلق بالاعتراف ولو تدريجياً بضم جزيرة القرم، التي تسيطر عليها موسكو إلى روسيا رسمياً.
رغم الموقف الأوروبي المؤيد رسمياً للموقف الأميركي عبر أطر مختلفة منها الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي، ومجموعة السبع، فإن المفوضية الأوروبية وكذلك دول مثل فرنسا وألمانيا وغيرها تحاول احتواء الخلاف ومحاصرته والبحث عن كل المخارج الممكنة. فانفجار الأزمة السياسية بتداعياتها المختلفة بعد خروجها عن السيطرة، سيأتي بارتدادات سلبية متعددة على القارة الأوروبية. التصعيد المتبادل بين القوتين الأميركية والروسية مع ما يحمله من مخاطر الانزلاق نحو المجهول يذكر بأزمة الصواريخ الكوبية منذ عقود ستة من الزمن التي هددت حينذاك بحصول حرب بين القوتين، وتم بعد ذلك عبر المفاوضات خفض النزاع واحتواؤه وحله. ورغم اختلاف الظروف كافة بين تلك المرحلة والوضع الراهن تبقى المخاوف حقيقية. فإذا لم يتم احتواء الخلاف وتسويته، فإن تداعياته دون شك لن تقف عند حدود القارة القديمة بل ستطال كل الأقاليم الجغرافية بدرجة أو بأخرى. ودون شك ستكون الصين الشعبية من أكبر المستفيدين من هذه الأزمة إذا ما استفحلت.
سيناريوان آخران يمكن التفكير فيهما كمخرج من الأزمة المتفاقمة بالنسبة إلى أوكرانيا أولهما السيناريو الفنلندي وهو ما عرف في أدبيات العلاقات الدولية «بالفنلندة». الموقع الاستراتيجي لفنلندا في بداية الحرب الباردة فرض الحل التالي؛ تبقى فنلندا جزءاً من الغرب ولكن مع قيود أساسية على سيادتها في مجالي السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية مثل عدم الانضمام إلى أي تحالف عسكري غربي، أنه نوع من الحياد المخفف تجاوباً مع الجغرافيا السياسية لفنلندا. فتصبح بمثابة منطقة عازلة. الحل الآخر يتمثل في نموذج النمسا وحيادها الذي وافق عليه الاتحاد السوفياتي عام 1955.
أمامنا فرص ثلاث من المفاوضات، في الأسبوع القادم لخفض النزاع أو البدء بتسويته: أولاً لقاء أميركي روسي في العاشر من الشهر، يليه اجتماع مجلس الحلف الأطلسي وروسيا وأخيراً اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. مواعيد ثلاثة توفر فرصاً لبدء مسار التسوية فلننتظر.

ناصيف حتى

الشرق الاوسط