أخيرا ينعم الأميركيون الذين طالت معاناتهم مع التضخم الجامح ببعض الراحة، فبعد ارتفاع لا هوادة فيه، انخفض متوسط أسعار الوقود الوطنية في الجنوب إلى أدنى مستوى في 10 أسابيع واستقر عند سعر 3.28 دولارات للغالون، وقد بدأت أسعار الوقود بالاستقرار بعد أن أعلن الرئيس جو بايدن في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن أكبر سحب على الإطلاق من الاحتياطي النفطي الإستراتيجي، متجاهلا رفض الخبراء لذلك باعتباره مجرد أداة مساعدة، في مواجهة ارتفاع أسعار الوقود، وألقى كثير من الأميركيين باللوم على إدارة بايدن، في حين أن الجاني الحقيقي هو الأسواق المالية “وول ستريت” (Wall Street).
في تقرير نشره موقع “أويل برايس” (oil price) الأميركي، قال الكاتب أليكس كيماني إن سبب ارتفاع أسعار الوقود اليوم مرتبط بالضغوط المالية التي تعاني منها شركات النفط بسبب عقد من الخسائر المدمرة وعائدات المساهمين الضعيفة التي أجبرتها على تغيير نماذج أعمالها بشكل كبير.
ولسنوات، مارست وول ستريت ضغوطا على شركات النفط والغاز لخفض النفقات الرأسمالية واستثمار أموالها من أجل تحقيق أهداف مالية مثل زيادة توزيعات الأرباح وإعادة الشراء وسداد الديون وكذلك إزالة الكربون، بعد أن تركت ثورة التكسير الهيدروليكي قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة مثقلا بالديون.
ونتيجة لذلك، انهار الاستثمار في الآبار الجديدة بنسبة 60% منذ ذروته عام 2014، مما تسبب في انخفاض إنتاج النفط الخام الأميركي بأكثر من 3 ملايين برميل يوميا، أو ما يقارب 25%، وذلك بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا ثم إخفاق القطاع في التعافي مع الاقتصاد.
توقف الحفر
مع تعافي وول ستريت، انخفض مخزون النفط الصخري الأميركي بشكل كبير، ووفقا لتقرير إنتاجية الحفر الأخير الصادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية، كان لدى الولايات المتحدة 5957 بئرا غير مكتملة الحفر في يوليو/تموز 2021، وهو أدنى عدد سجلته الولايات المتحدة في أي شهر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بعد ذروة 8900 بئر عام 2019، وبهذا المعدل، سيتعين على منتجي النفط الصخري تكثيف أعمال حفر آبار جديدة للحفاظ على معدل الإنتاج الحالي.
وتفيد إدارة معلومات الطاقة بأن الانخفاض الحاد في أعداد الآبار غير المكتملة بمعظم المناطق الرئيسية المنتجة للنفط في الولايات المتحدة يعني المزيد من أعمال إكمال الآبار، مقابل تراجع حفر آبار جديدة. وبينما ساهم ارتفاع معدل إكمال حفر الآبار إلى زيادة إنتاج النفط، أدت عمليات إكمال الحفر إلى خفض مخزونات الآبار غير المكتملة بشكل حاد، الأمر الذي من شأنه أن يحدّ بشكل كبير من نمو إنتاج النفط بالولايات المتحدة في الأشهر المقبلة.
وهناك مرحلتان رئيسيتان في عملية حفر بئر النفط، هما الحفر والإكمال، تتضمن مرحلة الحفر إرسال جهاز حفر وطاقم عمل يقوم بحفر بئر أو أكثر في الموقع المطلوب، وأما المرحلة التالية، فعادة ما ينفذّها طاقم منفصل وتتضمن تغليف البئر، وتدعيمه، وثقبه، وتكسيره هيدروليكيا من أجل الإنتاج. وعموما، تقدر المدة الفاصلة بين المرحلتين بعدة أشهر، وهو ما يعني وجود عدد كبير من الآبار غير المكتملة التي يمكن للمنتجين الاحتفاظ بها كمخزون متوفر لإدارة إنتاج النفط.
وفق بيانات “إس أند بي كابيتال آي كيو” (S&P Capital IQ)، ضاعف 27 من كبار منتجي النفط إنفاقهم الرأسمالي 3 مرات ما بين 2004 و2014 ليبلغ 294 مليار دولار، ثم قاموا بخفضه إلى 111 مليار دولار بحلول العام الماضي، وبمجرد إغلاق الآبار القديمة، لن تكون الآبار الجديدة متاحة لسد فجوة الإنتاج بسرعة، والسؤال المطروح هو: إلى متى سيستمر تقييد أعمال الحفر؟
عودة المساهمين
بغض النظر عن تقييد نشاط الحفر الجديد بشكل كبير، حافظ مخزون النفط الصخري الأميركي أيضا على التعهد بتوفير عوائد أكبر للمساهمين في شكل توزيعات أرباح وإعادة شراء الأسهم.
نقص النفط
وفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يتحسن استهلاك النفط الخام ليصل إلى معدل 99.53 مليون برميل يوميا، متجاوزا بذلك معدل 96.2 مليون برميل يوميا المسجل العام الماضي، لكنه أقل بقليل من الاستهلاك اليومي لعام 2019 البالغ 99.55 مليون برميل، وبالطبع سيعتمد ارتفاع الطلب على قدرة العالم على السيطرة بسرعة على سلالة أوميكرون المتحورة.
وذكر الكاتب أن ارتفاع الطلب على النفط سيؤدي إلى الضغط على كل من منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة لتلبية الاحتياجات المتزايدة، لكن العديد من دول أوبك تكافح بالفعل لزيادة الإنتاج، بينما يتعين على صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة التعامل مع مطالب المستثمرين بوقف الإنفاق.
وحتى الآن، لم تستجب صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة لأسعار النفط المرتفعة كما فعلت سابقا، حيث بلغ متوسط الإنتاج الأميركي الإجمالي 11.2 مليون برميل يوميا عام 2021 مقارنة بالمستوى القياسي الذي بلغ 13 مليون برميل يوميا في أواخر عام 2019.
ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج الأميركي بمقدار 700 ألف برميل فقط في اليوم عام 2022 ليصل إلى 11.9 برميلا في اليوم، وذلك وفقا لكلاوديو غاليمبيرتي نائب الرئيس الأول للتحاليل في شركة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy).
وأشار الكاتب إلى أن كلا من كندا والنرويج وغيانا والبرازيل قد تحاول سدّ فجوة العرض والطلب، لكن العديد من المضاربين في وول ستريت يراهنون على أن محاولتهم لن تكون كافية وستظل أسعار النفط مرتفعة.
وتوقعت شركة “باركليز” (Barclays) للاستثمار أن سعر العقود لخام غرب تكساس الوسيط سيرتفع من المعدل الحالي البالغ 73 دولارا للبرميل إلى متوسط 77 دولارا للبرميل عام 2022، مشيرا إلى أن بيع إدارة بايدن للنفط من الاحتياطي النفطي الإستراتيجي ليس طريقة مستدامة لخفض الأسعار، وأضافت “باركليز” أن الأسعار يمكن أن ترتفع أعلى من تلك التوقعات إذا قل تفشي فيروس كوفيد-19، وبالتالي السماح للطلب بالنمو أكثر من المتوقع.
المصدر : أويل برايس