لا بد أن الجنرال إسماعيل قاآني، قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، بات يتقلب في سريره في الآونة الأخيرة. فنومه قلق متقطع، لا لأنه مشغول البال بقيادة أعمال الإرهاب وتمويلها خارج حدود الجمهورية، فهو يتذكر جيداً أنه قبل أكثر من سنتين بقليل، بينما كان يسافر في القافلة المحترمة والمحصنة قبل مطار بغداد، قضى صاروخ “هيلفاير” الأمريكي الذي أطلق من مُسيرة دفعة واحدة على حياة سلفه في المنصب، النجم في عالم الاستخبارات الإيرانية – الجنرال قاسم سليماني.
في نظرة إلى الوراء، أخلت له هذه الحادثة المؤسفة، من ناحية الإيرانيين، الوظيفة المنشودة جداً في أجهزة الدفاع، حتى وإن كان اضطر للدخول في المكان بدلاً ممن وصف “بالشهيد الحي” بسبب عدد لا يحصى من الأرواح جراء محاولات التصفية التي نجا منها، إلى أن توفي قبل أوانه.
لقد صدر أمر التصفية مباشرة من الرئيس السابق ترامب، عقب معلومات تفيد بأن سليماني يخطط لتنفيذ عملية ضد الأمريكيين على أراضي العراق. إسرائيل هي الأخرى كانت مشاركة في المستوى الاستخباري في اغتيال القاطرة التي قادت التموضع الإيراني في المنطقة، ولمن شكل إمكانية كامنة لإلحاق ضرر عظيم بالاستقرار الإقليمي، مثلما شهد رئيس شعبة الاستخبارات السابق اللواء تمير هايمن.
يعرف قاآني أن إيران تتحدث بصوتين: تجاه الداخل يتخذ النظام قبضة حديدية ضد كل من يتجرأ على رفع الرأس أو يتحدى منظومة القوانين الشيعية. أما تجاه الخارج، فتجتهد أحياناً لتتصرف كدولة ديمقراطية غربية من المصاف الأول. جزء من عرضها العابث يتضمن استخداماً لاصطلاحات وتعابير ومنظمات مناسبة، كما يجدر بمجتمع محترم في أسرة الشعوب.
على شرف يوم الذكرى الثاني لتصفية سليماني، دعت إيران الأمم المتحدة إلى اتخاذ كل الخطوات اللازمة وشجب الولايات المتحدة رداً على الاغتيال، فالجنرال كان في مهمة دبلوماسية في بغداد وليس -لا سمح الله- في إحدى رحلاته الكثيرة لتثبيت أسس منظمات الإرهاب في سوريا ولبنان كملاحق إيرانية تهدف للوصول إلى الهدف الذي اتخذت من اسمه المنظمة التي يقف على رأسها – فيلق القدس.
منذ سنتين والزعيم الأعلى خامنئي يتعهد بأن الثأر لرمز البطولة الإيرانية مع تصفية سليماني، لا بد سيأتي. في هذه الأثناء، التهديدات في جهة والأفعال في أخرى. قبل يومين، تم اعتراض محاولة فاشلة لرد متساو على شكل هجمة مُسيرات إيرانية على مطار يضم جنوداً أمريكيين في بغداد. ومع أنه كُتب على جناح إحدى المسيرات كلمتا “الثأر لسليماني”، فمن غير الواضح أن خامنئي قد تصور الثأر الكبير الذي كان يمكنه أن يخفف ولو قليلاً من إحساس الإهانة الإيراني، كما أنه ليس واضحاً أي ربح كان سينشأ عن مثل هذه الدعوة الآن، بينما يجلس ممثلوه لمفاوضات في محادثات النووي في فيينا.
يبدو أن قاآني سيواصل العمل كي يعزز مكانة إيران في الشرق الأوسط – في سوريا ولبنان، ضد الاحتلال الصهيوني. ولكنه يدرك أنه كسابقيه، سليماني ومحسن فخري زاده، قد يأتي اليوم الذي تقرر فيه الولايات المتحدة أو حليفتها في المنطقة التحدث بصوت آخر، صوت صفير الهيلفاير، الذي يشق طريقه نحو سيارته المحصنة.
القدس العربي