حزب “حراك الجيل الجديد” والمعارضة الجديدة في برلمان العراق

حزب “حراك الجيل الجديد” والمعارضة الجديدة في برلمان العراق

في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر)، تصاعدت الأصوات الرافضة لنتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، وأتت من جانب “ائتلاف الفتح” وبعض الأحزاب الأخرى القريبة من قوات “الحشد الشعبي” التي سجلت أداء أسوأ من المتوقع. ومع ذلك فإن استراتيجيات وعقائد الأحزاب الجديدة نسبيا التي نالت مقاعد في الدورة الانتخابية الأخيرة تستحق نظرة متمعنة.
أسس “حراك الجيل الجديد”، ومقره في السليمانية، في العام 2017 رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد، المعروف بامتلاكه الإمبراطورية الإعلامية، “راديو وتلفزيون ناليا”، (إن ار تي)، واستثماراته في المشاريع الإسكانية في إقليم كردستان العراق. وفي نفس العام أدى موقف الحزب السلبي من الاستفتاء على الاستقلال إلى استهجان قادة الأحزاب الأخرى في كردستان، لكن العديد من المراقبين العراقيين والعالميين شعروا بالقلق من تداعيات هذا الموقف. ففي حين أن الآخرين في كردستان العراق اعتنقوا بحماس الفكرة (غير الواقعية) لحركة تهدف إلى الاستقلال عن العراق، اختار شاسوار و”حراك الجيل الجديد” معارضة الرأي الشعبي، وأطلقا حملة قوية تنادي بشعار “ليس الآن” لتلون الوطنية بالواقعية. وقد تم إثبات وجهة نظرهم بعد عدم اعتراف المجتمع الدولي بنتائج الاستفتاء.
في حين فاز “حراك الجيل الجديد” بأربعة مقاعد في الانتخابات البرلمانية العراقية في العام 2018 كحزب حديث الإنشاء، فإنه تخطى التوقعات في هذه الدورة الانتخابية الأخيرة بحصوله على تسعة مقاعد. أما أكبر منافسيه في إقليم كردستان، وهما “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” فقد حافظا على نصيبهما من المقاعد إلى حد كبير، بينما ضاعف “حراك الجيل الجيد” من عدد مقاعده، وهو ما سمح له بتولي دور المعارضة بالكامل، سواء كان ذلك داخليًا في الإقليم أو عبر قيادة المعارضة على المستوى الوطني من خلال تكوين تحالف “من أجل الشعب” مع حركة “امتداد” والمرشحين المستقلين الفائزين. وقد تنافسوا في ست محافظات عراقية، مع أنه من المرجح أنّه تم اختيار مرشحيهم في بغداد وكربلاء للسماح للحزب بالادعاء بامتلاك استراتيجية “وطنية” غير طائفية. وقد فاز أربعون بالمائة من مرشحيهم بمقاعد. وباستثناء مرشح واحد، فازوا بالمركز الأول أو الثاني. وفازت حركة “امتداد”، وهي شريك في التحالف، بتسعة مقاعد أيضا من أصل 38 مرشحا، وسجلت نسبة فوز تبلغ 23 بالمائة. وبالمقارنة مع أحزاب وتحالفات أخرى، حصل “حراك الجيل الجيد” على أعلى خامس نسبة فوز في كل العراق، بعد حركة “بابليون” التي سجلت نسبة 80 %، وكتلة التيار الصدري التي سجلت 76 %، و”الحزب الديمقراطي الكردستاني” الذي سجل 60 %، و”ائتلاف دولة القانون” الذي سجل 46 %.
أفادت الاستراتيجية الواضحة والرسائل المترابطة هذا الحزب كثيرا، حيث أكد المرشحون بقوة أنهم هم البدائل المطروحة للناخبين المحبطين من الفساد والذي خذلتهم الأحزاب الحاكمة. وتم تقديم مرشح واحد لكل دائرة انتخابية، وركز كل الثلاثة والعشرين مرشحا (ومن ضمنهم إحدى عشرة امرأة) على التعريف باسم الحزب وبرنامجه السياسي بدلا من التعريف بأشخاصهم –على الرغم من أن رئيس الحزب، شاسوار عبد الواحد، وشقيقته سروه يتمتعان بشهرة كبيرة. وقد يفيد النظام الانتخابي الجديد للصوت الواحد غير قابل للتحويل كلا من التعريف بالاسم الشخصي أو باسم الحزب باستخدام استراتيجية مناسبة للمرشح. وبالتالي، اعتمد “حراك الجيل الجديد” على الإعلان عن الحزب، وشعاره وعلامته التجارية “المعارضة الصريحة”، من أجل جذب الأصوات.
وكانت هذه الرسالة خطيرة نسبيا؛ فقد توجب على “حراك الجيل الجديد” أن يتأكد من أن يستطيع برنامج الحزب ونهجه، على الرغم من إحباط العراقيين العام من الأحزاب السياسية وعدم ثقتهم بها، إقناع ما يكفي من الناخبين. لكن مخاطرتهم كانت مثمرة. فقد فازت سروة بأكبر عدد من الأصوات تفوز به مرشحة في أي وقت، فحصدت 28.987 صوتا. ولم تحتج أي مرشحة ناجحة من “حراك الجيل الجديد” إلى الاعتماد على نظام الكوتة الجديد في العراق والذي ينص على أن 25 بالمائة من مقاعد البرلمان محجوزة للنساء.
ومع ذلك، لم تكن استراتيجيتهم ناجحة في كل الاقليم. وهكذا كان الحال في محافظة دهوك، حيث كان أداء مرشحيهم ضعيفا تقريبا. وفي حين أن “حراك الجيل الجديد” اتبع المقاربة القائمة على تقديم مرشح واحد لكل دائرة انتخابية، يؤكد أداء مرشحيه الضعيف على استمرار “الحزب الديمقراطي الكردستاني” في الاستحواذ على ما يشبه حكم الحزب الواحد في الإقليم، وهو مظهر من مظاهر السياسة التقليدية في كردستان العراق. ويبين ذلك أيضا أنه في حين أن “حراك الجيل الجديد” قد يحظى ببعض الدعم هناك، فإن تأمين بعض المقاعد في الانتخابات المستقبلية سوف يحتاج إلى بذل جهد كبير لبناء سمعة الحزب، وقد يشكل ذلك تحديا “للجيل الجديد” المعروف بعدائه تجاه “الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
من المتوقع التكيف مع استراتيجية المرشح بالاعتماد على تقييم التنافسية ودرجة الدعم –ولكن يبدو أن “حراك الجيل الجديد” استخدم هذه الانتخابات بصورة جزئية من أجل إجراء “بحوث للسوق” بهدف توجيه استراتيجية الانتخابات المستقبلية. وقد يستخدم “حراك الجيل الجديد”، كغيره من الأحزاب، استراتيجية متعددة المستويات في الدورات الانتخابية القادمة مشابهة لاستراتيجيات التيار الصدري، الذي يملك أربعة مستويات مختلفة من الاستراتيجيات القائمة على طبيعة ودرجة الدعم في كل دائرة انتخابية يختار الترشح فيها، وهي استراتيجية أكدت نجاحها، حيث فاز 76 بالمائة من مرشحي التيار بمقاعد.
تُظهر سياسة “حراك الجيل الجديد” أيضًا تباينًا مفيدا مع حركة “امتداد”، وهي حزب جديد النشأة انبثق من حركة احتجاجات تشرين الأول (أكتوبر) 2019. واعتمدت حركة “امتداد” على التعريف بالأشخاص، الذين غالبًا ما أصبحوا معروفين من خلال الاحتجاجات في الساحات، وكان لديها اسم حزبي وعلامته التجارية أضعف بشكل عام. وفي المقابل، استفاد “حراك الجيل الجديد” من اسم الحزب والقيادة الشابة ونشأته القريبة زمنيا نسبيا وكذلك سمعته في معارضة الطبقة الحاكمة ومعارضته العلنية للفساد وسوء إدارة الخدمات من قبل الأحزاب الحاكمة. وسمح التقدم بمرشح واحد فقط في كل دائرة انتخابية بتوجيه رسائل منخفضة التكلفة ومترابطة والترويج عن طريق الحزب نفسه.
عزز الانهيار شبه التام للأحزاب الأخرى التي قدمت نفسها كمعارضة في إقليم كردستان، خاصة حركة “كوران”، من حظ “حراك الجيل الجديد” في الانتخابات. وقد أنشئت حركة “كوران” أساسا كحزب معارض، ولكن يبدو أن قرارها الترشح ضمن تحالف مع “الاتحاد الوطني الكردستاني”، وهو ثاني أكبر حزب سياسي في كردستان العراق، قلل جاذبيتها بشدة. زتنشط العديد من الأحزاب الإسلامية في الإقليم، لكنّ حصتها من القاعدة الانتخابية هي أضيق بكثير. وهي تفتقر كذلك إلى وضعية “المعارضة” التي يستطيع تقديمها باقتدار “حراك الجيل الجديد” وحركة “كوران”. وبالنسبة لهذه الأحزاب ولحركة “كوران”، أدى توجهها أو تحالفها مع الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان إلى تكلفة عالية هذه المرة، ما يشدد على أن الناخبين الذين يبحثون عن بدائل يرفضون الإدلاء بأصواتهم لأحزاب تعارض على الورق فقط، ويتوقعون أن تقوم الأحزاب المعارضة بمتابعة معارضتها فور حصولها على مقاعد.
بعد عقد عدة اجتماعات مع حركة “امتداد”، وعدد من المرشحين المستقلين الفائزين، اتخذ “حراك الجيل الجيد” قرارًا بعدم المشاركة في تحالفات البرلمان الجديدة التي ما تزال تتشكل. ولكنهم قالوا إنهم سوف يسعون إلى التأثير في اختيار الوزراء والعملية السياسية ككل. ويتردد صدى هذه الرسالة جيدًا مع مقاربة “حراك الجيل الجديد” الثورية ومع معارضته للأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان، والتي يتم تطبيقها الآن في كل أنحاء البلاد.
على عكس أطراف فاعلة أخرى قد تنضم إلى المعارضة في البرلمان، فإن “حراك الجيل الجديد” يرتاح في أداء دور المعارضة الذي يؤديه منذ إنشائه في العام 2017. وفي حين أن معرفته بالعمل كحزب معارض قد تكون مفيدة لـ”حركة تشرين”، التي تشمل كلا من “امتداد” والعديد من أعضاء البرلمان المستقلين، يبقى أن نرى ما إذا كان سيستطيع المحافظة على تركيزه كمعارضة، على الرغم من الضغط المفروض على أعضاء “الجيل الجديد” في البرلمان من قبل أحزاب كردية أخرى لتحويل ولائهم، وسوف يكون ذلك هو المفتاح في الشهور والسنوات القادمة. وبعد ختام عملية تشكيل الحكومة، قد ينتقل أعضاء البرلمان بين الأحزاب بسهولة مع تبعات بسيطة أو معدومة، منتقلين من أحزابهم الأساسية. ويزيد ذلك الخطورة على “حراك الجيل الجديد” من أن يقتنع أعضاؤه الذين حصلوا على مقاعد في البرلمان بالانضمام إلى أحزاب أو تحالفات أخرى، ما يقلل حجم المعارضة.
أدت سمعة وسجل “حراك الجيل الجديد” في المعارضة إلى الفوز في أجزاء من إقليم كردستان وكركوك، لكنه سيحتاج، إذا ما أراد تحقيق نجاح مماثل في إقليم دهوك، إلى استراتيجية مختلفة. كما أنه إذا ما أراد توسيع امتداده في العراق الفيدرالي، سيحتاج إلى إدارة شراكاته بذكاء مع الأحزاب المتحالفة الجديدة، ما يشجع الناخبين على رؤيته كحزب أكبر من “مجرد” حزب كردي، وكحزب له صوت معارض وطني يساند القضايا العامة.

الغد