الحسابات الاقتصادية تهدد التحالف الأميركي – الأوروبي لمواجهة الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا

الحسابات الاقتصادية تهدد التحالف الأميركي – الأوروبي لمواجهة الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا

رغم تأكيد الولايات المتحدة أنّ ليس هناك أيّ اختلاف مع الأوروبيين بشأن فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا في حال غزت أوكرانيا، ولا بشأن مدى التهديد الوشيك الذي تشكله موسكو على جارتها الغربية، لا يبدو الأوروبيون مقتنعين بما يصفونه التهويل الأميركي للأزمة، فيما تتحدث معلومات عن خلافات بين أعضاء حلف شمال الأطلسي حول حجم هذا الردّ، خصوصا من جانب ألمانيا.

واشنطن – أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن وحدة “تامة” بين الدول الغربية الكبرى بعد إجرائه محادثات أزمة مع القادة الأوروبيين تناولت ردع أي هجوم روسي ضد أوكرانيا، في حين تم وضع 8500 جندي أميركي في حالة تأهب لأي انتشار محتمل بهدف تعزيز قوة حلف شمال الأطلسي، إلا أن الحسابات الاقتصادية تهدد التحالف الأميركي – الأوروبي لمواجهة الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.

وطلبت دول الاتحاد الأوروبي التي فوجئت بالتصريحات الأميركية تفسيرات من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال محادثات بالفيديو مع نظرائه.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل “نعرف جيّدا درجة التهديد والطريقة التي يجب التصرف من خلالها. يجب تجنّب اللعب بأعصابنا وردود الفعل المثيرة للقلق التي لها تداعيات مالية”.

ويريد الأوروبيون أن يفهموا أسباب قلق الأميركيين وحلفائهم البريطانيين والأستراليين الذين أعلنوا سحب قسم من موظفي سفاراتهم في كييف.

وأضاف بوريل “لا أرى سببا للتهويل طالما أن المحادثات جارية، إلّا إذا زوّدتنا الولايات المتحدة بمعلومات تُبرّر قرار” مغادرة أوكرانيا.

واتفق الروس والأميركيون الجمعة الماضي على لقاء جديد، وتعهد وزير الخارجية الأميركي بتقديم “أفكار” خطّية إلى موسكو، من غير أن يوضح إن كانت هذه النقاط ستشكّل ردا بندا ببند على المطالب الروسيّة المفصّلة.

جوزيب بوريل: علينا تجنّب ردود الفعل التي لها تداعيات مالية
وتطالب روسيا بالتزامات خطّية بعدم ضمّ أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي، وبسحب قوات وأسلحة الحلف من دول أوروبا الشرقية التي انضمت إليه بعد عام 1997، ولاسيما من رومانيا وبلغاريا. ومطالب روسيا لا يقبل بها الغربيون.

ويُعدّ الوضع الأمني الحالي في أوكرانيا مقلقًا. فرغم تأكيد موسكو أنها لا تعتزم التدخل في أوكرانيا، فإنها تدعم انفصاليين موالين لها وحشدت أكثر من مئة ألف جندي وقوات مدفعية على الحدود مع أوكرانيا.

وفي الوقت الذي تتزايد فيه حدة التوتر تفرض الحسابات الاقتصادية صعوبات شديدة على تبني الولايات المتحدة والدول الأوروبية لموقف صارم مشترك ضد موسكو.

وتشير الأرقام الاقتصادية إلى أن روسيا هي خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي وأكبر مصدر للطاقة له، في حين تحتل الولايات المتحدة المركز الثلاثين في قائمة الدول المصدرة للطاقة إلى الاتحاد. كما أن روسيا أصبحت مقصدا رئيسيا لاستثمارات الشركات الأوروبية الكبرى بدءا من سلاسل متاجر الأثاث السويدية إيكيا وحتى مجموعة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات مرورا بشركة النفط البريطانية – الهولندية العملاقة رويال داتش شل.

ويقول المحللان الاقتصاديان بن أولاند وأنيا أندريانوفا إنه في ظل ارتفاع معدل التضخم ومعاناة المستهلكين في أوروبا من ارتفاع أسعار الطاقة، يتحرك مسؤولو الاتحاد الأوروبي بحذر نحو فرض عقوبات على روسيا. فالأوروبيون يريدون إجراءات تؤلم روسيا أكثر مما تؤلم دولهم بهدف منع الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.

ويشعر الأوروبيون بالقلق من توقف إمدادات الغاز الروسي المطلوب بشدة في فصل الشتاء في حال نشوب أي حرب.

ويقول تيم آش كبير محللي الأسواق الصاعدة في شركة بلو باي أسيت مانجمنت للاستثمار المالي وإدارة الأصول إن “أسعار الطاقة الأوروبية تمثل هاجسا أساسيا” لدى متّخذي القرار في القارة. ويضيف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد “إخافة الأوروبيين بشأن إمدادات الغاز خلال فصل الشتاء، بحيث لا يقومون بأي تحرك إذا اتجه نحو أوكرانيا”.

وفي الوقت نفسه هناك شعور سائد لدى الأوروبيين بأن اقتصاداتهم وليس الاقتصاد الأميركي هي من تحملت ثمن العقوبات الغربية التي تم فرضها على روسيا بعد غزو شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمها إليها عام 2014. وفي حين يقول بايدن إن الغزو الروسي لأوكرانيا وشيك، يراهن قادة الاتحاد الأوروبي مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على عنصر الوقت في هذه الأزمة.

أنالينا بيربوك: العقوبات يجب أن تكون مؤثرة على روسيا لا علينا نحن
ويوم الجمعة الماضي حذر المحللون في بنك جي.بي مورغان تشيس الأميركي من أن ارتفاع سعر النفط إلى 150 دولارا للبرميل سيدمر النمو الاقتصادي ويشعل التضخم في أوروبا، في حين يتوقع المحللون في بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس غروب استمرار أزمة نقص إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا خلال الصيف المقبل وحتى خلال 2025.

وفي الأسبوع الماضي قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن “العقوبات تكون فعالة عندما تكون كافية (..) الأمر يتعلق بضرورة أن تكون العقوبات مؤثرة فعلا على روسيا وليس علينا نحن”.

ويقول جامي روش كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في خدمة بلومبرغ إيكونوميكس إن “أوروبا تقف بمفردها عندما يتعلق الأمر بالثمن الذي يدفعه المستهلكون للغاز الطبيعي. وبحسب تقديراتنا الداخلية فإن اقتصاد منطقة اليورو سيخسر نحو 1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة إذا استمرت الأزمة لمدة عام”.

ويعتبر موضوع الطاقة نقطة الخلاف الأكبر بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عند التعامل مع الملف الروسي. فالولايات المتحدة دولة مصدرة للطاقة، في حين يعتمد الاتحاد الأوروبي على الاستيراد. وروسيا هي أكبر مصدر للنفط والغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي.

وكانت أوروبا قد تضررت بشدة من العقوبات التي فرضتها مع الولايات المتحدة على روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014. وبحسب دراسة أجراها معهد كايل للاقتصاد العالمي بعد ثلاث سنوات من فرض تلك العقوبات، فإنه في حين تضررت روسيا بشدة من العقوبات، لم يكن الضرر الذي لحق بألمانيا وغيرها من الدول الأوروبي أقل. وفي المقابل لم تخسر الولايات المتحدة كثيرا نتيجة هذه العقوبات.

ويقول توم كيتينغ رئيس مركز دراسات الأمن والجرائم المالية في المعهد الملكي المتحد للخدمات بلندن إنه في حين يتباهى السياسيون في الولايات المتحدة وأوروبا بالقدرة على إلحاق ألم اقتصادي قوي بروسيا، فإنهم يلتزمون الصمت عندما يتعلق الأمر بما سيسببه ذلك من آلام أيضا في أوروبا والولايات المتحدة.

العرب