سجّل العراق، أمس الإثنين، أول خرق دستوري في عهد البرلمان الجديد، مع تأجيل جلسة برلمانية كانت مقرّرة أمس لاختيار رئيس جديد للبلاد، من دون تحديد موعد آخر لانعقادها.
ويشكّل هذا التأجيل، تجاوزاً للمواعيد الخاصة باختيار رئيس الجمهورية، إذ ينص الدستور العراقي على اختيار رئيس للبلاد خلال 30 يوماً من أول جلسة للبرلمان الجديد، والتي كانت عُقدت في التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي.
ويرى متابعون أن التأجيل مرتبط ليس فقط بالخلافات حول منصب الرئاسة، بل بالواقع السياسي المحتدم في البلاد، على خلفية نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتشكيل الحكومة.
انتخاب الرئيس العراقي: الكتل تستعرض قوتها
وجاء الإرجاء بعد مقاطعة القوى السياسية الرئيسية في البلاد للجلسة التي تحولت إلى تداولية، إذ لم يدخل قبّة البرلمان أكثر من 50 نائباً من نواب القوى المدنية والمستقلة، إضافة إلى نواب الاتحاد الإسلامي الكردستاني المعارض في إقليم كردستان.
تجاوز البرلمان المواعيد الخاصة باختيار رئيس الجمهورية
ويعكس تأجيل الجلسة فشل القوى السياسية في التوصل إلى اتفاق في ما بينها، مع استمرار الخلافات، ليس فقط على منصب رئيس الجمهورية، بل على شكل الحكومة المقبلة، كون الملفين مرتبطين ببعضهما، وسط تواصل الجدل حول قدرة “التيار الصدري” وحلفائه على السير بتصوراتهم لفرض حكومة أغلبية.
وجاء ذلك فيما يستمر الانغلاق السياسي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بشأن منصب رئيس الجمهورية، إذ يتمسك “الديمقراطي الكردستاني” بترشيح وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري، بينما يصّر “الوطني الكردستاني” على التجديد للرئيس المنتهية ولايته برهم صالح. وجدّد “الديمقراطي الكردستاني”، أمس، تمسكه بترشح زيباري لمنصب رئاسة العراق.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، قد أوقفت أول من أمس الأحد، إجراءات ترشيح زيباري لمنصب رئيس الجمهورية، إلى حين البت بالدعوى المرفوعة ضده، والمتعلقة بهدر المال وسوء استخدام السلطة خلال عمله وزيراً للخارجية بين 2004 و2014.
وبعد إعلان “التيار الصدري” وحليفيه، الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة (المكون من تحالفي تقدم وعزم، وبقيادة خميس الخنجر)، مقاطعتهم جلسة البرلمان أمس، والذين تبعتهم الكتلة التركمانية التي تضم 7 مقاعد برلمانية، بدا واضحاً استحالة عقد جلسة برلمانية بنصاب الثلثين، وفقاً لما ينص عليه الدستور في جلسة التصويت على اختيار رئيس الجمهورية الجديد.
ودفع ذلك قوى “الإطار التنسيقي” إلى مقاطعة الجلسة أيضاً في الساعات الأخيرة، في خطوة اعتبرت أنها محاولة لتجنب إظهار الحجم الحقيقي لـ”الإطار” داخل البرلمان، إذ إنه لا يزال يصر على أن كتلته تشكل ثلث مقاعد البرلمان، ويلوح بما يسميه الثلث المعطل.
وتتحدث قوى “الإطار التنسيقي” عن امتلاكها أكثر من 125 نائباً، في وقت تشير أرقام مقاعد الكتل المنضوية تحته، إلى أنها تملك نحو 80 مقعداً برلمانياً فقط تتوزع بين تحالفات وكتل عدة، هي: “دولة القانون” بواقع 34 مقعداً، و”الفتح” بواقع 17 مقعداً، و”سند” بـ3 مقاعد، و”الفضيلة” بمقعد واحد، و”قوى الدولة” بـ4 مقاعد، و”حقوق” بمقعد واحد، إضافة إلى شخصيات وكتل صغيرة منفردة فازت عن دوائر جنوبي العراق بواقع مقعد أو مقعدين.
التحالف الثلاثي بين الصدريين والقوى السنّية والكردية أثبت قوته
وفي هذا السياق، قال قيادي بارز في “التيار الصدري” لـ”العربي الجديد”، إن التحالف الثلاثي بين الصدريين والقوى السنّية والكردية أثبت قوته في إلغاء الجلسة، ولو شارك هذا التحالف بها لمرّر من يريد لمنصب الرئاسة.
قيادي في “التيار الصدري”: مقاطعة “الإطار التنسيقي” جاءت لعدم انكشاف عدد نوابه داخل البرلمان
ولفت المصدر إلى أن الجلسة المقبلة ستكون رهن قرار المحكمة الاتحادية بشأن الدعوى المقدمة بحق مرشح الرئاسة هوشيار زيباري، مضيفاً أن “التيار الصدري ملتزم بتعهداته لحلفائه في الحزب الديمقراطي باحترام اختياراته، لكن في حال كان هناك قرار قضائي يستبعد زيباري من السباق للرئاسة، فإننا سننتظر ما يقرّره الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذا الشأن”.
ورأى القيادي في “التيار الصدري” أن اختيار قوى “الإطار التنسيقي” عدم حضور الجلسة هو لحرصها على عدم انكشاف عددها الحقيقي داخل البرلمان، وهي بالمجمل لا تتجاوز الـ80 عضواً.
لكن عضواً في قوى “الإطار التنسيقي”، طلب عدم ذكر اسمه في اتصال هاتفي مع “العربي الجديد”، أكد أن هناك “جولة تفاهمات جديدة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي قد تفضي إلى تفاهمات على مجمل المشهد السياسي”.
ونفى المصدر وجود أي تنازلات من قبل قوى “الإطار التنسيقي” حيال الشروط التي طرحها مقتدى الصدر بإقصاء نوري المالكي (زعيم ائتلاف دولة القانون) وتحالفه من المشهد، بالقول إن “القبول بإبعاد المالكي يعني تفكك الإطار التنسيقي، ولا نملك ضمانات في أن لا يتم استهداف باقي مكوناته وتهمشيها سياسياً من قبل الصدريين”.
ولفت العضو في “الإطار التنسيقي” إلى أن الحوار مع الصدريين يتركز حالياً على “استحقاقات الإطار التنسيقي في الحكومة ضمن ثقله السياسي، وليس بعدد مقاعده في البرلمان”.
الخلافات السياسية… حلول لسلّة متكاملة
ولم تكن الخلافات على منصب رئاسة الجمهورية السبب الوحيد وراء تأجيل جلسة البرلمان الأمس. وأكد النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “استمرار الخلافات هو ما دفع إلى تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى موعد غير محدد، بسبب عمق الصراع”، لكنه بيّن أن “جلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد، لا يمكن عقدها خلال الفترة المقبلة، من دون وجود حل سياسي”.
أحمد الشريفي: انتخاب الرئيس صعب مع وجود قوى تملك الثلث المعطل
ولهذا السبب، رأى شنكالي أن “موعد انتخاب الرئيس، سيكون مرتبطاً باتفاق الكتل، ما يعني أنّ لا موعد محدداً من دون اتفاق”. وأضاف: “هوشيار زيباري لا يزال مرشحنا الوحيد، ونأمل حسم الدعوى أمام المحكمة الاتحادية في القريب العاجل، خصوصاً أن الجهات الرقابية أكدت صحة ترشيحه، ولهذا صادق البرلمان على ترشيحه”.
بدوره، لفت القيادي في “الإطار التنسيقي”، النائب أحمد الموسوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “جلسة البرلمان فشلت بسبب فشل التوصل إلى اتفاق سياسي، وهو ما بات أمراً صعباً ولا يمكن نكرانه”.
وأضاف الموسوي “ستكون هناك جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، بعد اتفاق القوى السياسية على مرشح معين، وبخلاف ذلك فإن أي جلسة تعقد لانتخاب الرئيس الجديد، سيكون مصيرها الفشل، فلا يمكن فرض إرادة سياسية على أخرى”.
وجدّد الموسوي التأكيد على أن “الإطار التنسيقي ومن معه من حلفاء، يملك الثلث المعطل لانتخاب رئيس الجمهورية، ولن يكون لنا حضور إذا حاولت بعض القوى تمرير أي مرشح من دون موافقة قوى الإطار، ولهذا فإن الكل سيكون مجبراً على الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض خلال الأيام المقبلة، بهدف الوصول إلى اتفاقات نهائية لحسم ملف اختيار رئيس الجمهورية، ثم التوجه نحو تشكيل حكومة تجمع كل الفرقاء السياسيين”.
العربي الجديد