وصفت أوساط سياسية خليجية زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات العربية المتحدة بالناجحة، حيث أظهر الجانبان حرصا على طي صفحة الماضي، والبدء في حقبة جديدة مدخلها التعاون الاقتصادي.
وجرى خلال الزيارة إبرام عدد من الاتفاقيات تشمل الاستثمار والنقل والصحة والزراعة والدفاع، كما تم التوقيع على بيان مشترك بشأن بدء مفاوضات لإبرام اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة بين البلدين.
وتشير الأوساط السياسية إلى أن العامل الاقتصادي كان الطاغي على هذه الزيارة، حيث يسعى أردوغان للحصول على دعم خليجي في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها بلاده وباتت تهدد حظوظه وحظوظ حزبه “العدالة والتنمية” في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي لم يعد يفصل عنها سوى عام وبضعة أشهر.
وتقول الأوساط إن أردوغان يراهن على عودة العلاقات مع الإمارات والسعودية على أمل إنعاش الخزينة المالية للدولة التركية التي تضررت بفعل سياساته النقدية، وأيضا بسبب توجهاته في السياسة الخارجية المسكونة بأوهام التوسع والزعامة ما أدى إلى استعداء العديد من دول المنطقة وعزلة تركيا.
ويواجه أردوغان حالة تململ شعبي حتى في صفوف أنصاره جراء الوضع الاقتصادي المأزوم والذي أثر بشكل كبير على المقدرة الشرائية للمواطنين بفعل التضخم الذي بلغ مستويات قياسية، كما ساهم هذا الوضع في تحويل تركيا إلى بيئة منفّرة للمستثمرين الذين بدأ العديد منهم يفكرون جديا في مغادرتها.
التحول في الموقف التركي في علاقة غير مباشرة بالاستحقاقات الانتخابية، مع استشعار أردوغان لخطر صعود خصومه
وترى الأوساط أن التغير الطارئ على السياسة الخارجية التركية لا يمكن قراءته دون الأخذ بالاعتبار العامل الاقتصادي كمحدد رئيسي لهذه الاستدارة، مشيرة إلى أن توقيت هذا التحول هو في علاقة غير مباشرة بالاستحقاقات الانتخابية، مع استشعار أردوغان وحزبه لصعود نجم خصومه السياسيين.
وركز أردوغان خلال زيارته إلى الإمارات التي استمرت ليومين على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدولة الخليجية، والتقى الرئيس التركي في معرض إكسبو 2022 دبي الثلاثاء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، وذلك بعد أن حظي باستقبال لافت من قبل ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي أقام على شرفه مأدبة عشاء.
وحرص الرئيس التركي إلى جانب لقاء القيادة السياسية للإمارات، على الاجتماع بكبار المستثمرين ورجال الأعمال الإماراتيين. وتوجه لرجال الأعمال بالقول “بصفتكم ممثلين رئيسيين للقطاع الخاص في دولة الإمارات، أنا متأكد من أنكم تدركون تماما فوائد إقامة شراكات تجارية واستثمارية مع تركيا”.
وأضاف “الإرادة التي يبديها رجال الدولة مهمة جدا لعلاقات تركيا والإمارات للوصول إلى المستوى الذي تستحقه (…) لكن أنتم (…) هم من يعرفون إمكانات البلدين، لاسيما في التجارة والاستثمارات”. واعتبر أن “تركيا لديها تشريعات جذابة في ما يتعلق بفرص إنشاء أعمال تجارية”، مشيرا إلى تحسّن البنية التحتية وقطاع النقل فيها.
وشدد خلال اللقاء الاقتصادي “هدفنا المشترك هو رفع علاقاتنا الثنائية إلى مستويات أعلى في جميع المجالات”. ومضى قائلا “تركيا تقدم مزايا مهمة للمستثمرين الباحثين عن بدائل لمناطق الإنتاج المتركزة في آسيا”.
وتعد زيارة أردوغان إلى الإمارات التي انتهت الثلاثاء الأولى منذ عام 2013 عندما كان رئيسا للوزراء، وتأتي بعد زيارة تاريخية أجراها ولي عهد أبوظبي إلى العاصمة أنقرة في نوفمبر الماضي، وتم خلالها التوقيع على حزم من الاتفاقيات في المجال الاستثماري.
وقالت الإمارات، المركز التجاري والسياحي للمنطقة، إنها تريد إنهاء الخلافات التي طال أمدها مع تركيا بينما تسعى لتنمية اقتصادها بعد الجائحة
وأوضح أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات في منشور على تويتر عن زيارة أردوغان “دولة الإمارات ترى بأن التعاون والتكامل في المجالات الاقتصادية والتنموية والانعكاسات الإيجابية لذلك على دول وشعوب المنطقة أداة رئيسية لإدارة القضايا المختلفة بحكمة وبشكل ينزع عن منطقتنا صفة التصعيد المتواصل”.
ويرجع الصدع في العلاقات بين الطرفين إلى الانتفاضات العربية عندما ساندت تركيا جماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها الإسلاميين الذين تحدوا الأنظمة السياسية القائمة من تونس إلى سوريا، وهو ما أثار الإمارات التي ترى أن الإخوان يشكلون خطرا على الصعيدين السياسي والأمني في المنطقة.
ورغم التوتر الذي طبع العلاقات بين الطرفين إلا أن التعاون الاقتصادي كان قائما وإن كان في حدوده الوسطى.
وبلغت قيمة التجارة بين تركيا والإمارات في النصف الأول من عام 2021 أكثر من سبعة مليارات دولار، بنمو بلغ 100 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2020، بحسب إحصاءات إماراتية رسمية.
وتأتي تركيا في المرتبة الحادية عشرة بين أكبر الشركاء التجاريين للإمارات، فيما تمثّل الدولة الخليجية الثرية الشريك التجاري الـ12 لتركيا عالميا والشريك التجاري الأكبر لها على مستوى منطقة الخليج.
وثمة ما يقارب 400 شركة في تركيا مؤسسة برأس مال إماراتي، ويعتبر قطاع العقارات على رأس قائمة الاستثمارات الإماراتية في هذا البلد إلى جانب استثمارات كبيرة في قطاع المصارف وتشغيل الموانئ والقطاع السياحي.
صحيفة العرب