نوازع شخصية تحول دون تطبيع العلاقات السعودية – التركية

نوازع شخصية تحول دون تطبيع العلاقات السعودية – التركية

لا تسير علاقات تركيا مع المملكة العربية السعودية على ذات النسق الذي بلغته مع الإمارات العربية المتحدة، ويعود ذلك إلى طبيعة الخلافات مع الطرفين، فالأزمة مع الإمارات كانت ذات بعد سياسي في علاقة بدعم أنقرة للتنظيمات الإسلامية وسياساتها التوسعية، في المقابل اتخذ الصراع مع السعودية بعدا شخصيا في ارتباط باغتيال الكاتب الصحافي جمال خاشقجي.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء عودته مساء الثلاثاء من زيارة وصفت بالناجحة إلى دولة الإمارات، إن بلاده والسعودية تواصلان الحوار، وإنه ينتظر تقدما من خلال اتخاذ خطوات ملموسة في الفترة المقبلة.

وأوضح أردوغان في حوار مع الصحافيين على متن الطائرة الرئاسية “حوارنا الإيجابي مع السعودية مستمر”، و”نريد التقدم في هذه العملية مع المملكة في اتجاه إيجابي”، في تصريحات مقتضبة تشي بتأجيل الزيارة التي كانت مرتقبة له إلى الرياض الشهر الجاري، حيث يبدو أن المحادثات بين الطرفين لم تبلغ نقطة تتوج بهكذا
خطوة.

الرئيس التركي يخشى من أن يؤثر استمرار الأزمة على حظوظه وحظوظ حزبه في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في العام 2023

وبرزت تكهنات بزيارة أردوغان إلى السعودية عقب انتهاء زيارته إلى الإمارات التي امتدت ليومين (الاثنين والثلاثاء الماضيين)، لاسيما وأن الرئيس التركي صرح في الثالث من يناير الماضي على هامش ملتقى تجاري في إسطنبول أنه سيزور المملكة في فبراير.

وفي رده على سؤال طرح عليه حينها بشأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال أردوغان “إنه يتوقع قدومي في فبراير، لقد وعدني. سأقوم بزيارة إلى المملكة العربية السعودية في فبراير”.

ويرى مراقبون أن علاقات أنقرة مع الرياض أكثر تعقيدا مقارنة بعلاقتها مع أبوظبي، الأمر الذي يحتاج إلى وقت طويل لترميم ما انكسر، وإعادة بناء الثقة بين الجانبين.

ويشير المراقبون إلى أن الرياض لا تزال غير متحمسة كفاية لمد جسور التواصل مع الرئيس التركي الذي تعمد إلحاق ضرر كبير بسمعتها ولاسيما بسمعة ولي العهد السعودي الذي يعد الحاكم الفعلي للمملكة، من خلال ربط عملية اغتيال خاشقجي به مباشرة.

وقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في العام 2018 على يد فرقة اغتيال سعودية في قنصلية المملكة في إسطنبول، وقامت السلطات السعودية بفتح تحقيق في القضية وجرت محاكمة مسؤولين، بيد أن أنقرة شككت منذ البداية في التحقيق ورفضت النتائج التي توصل إليها المحققون السعوديون، متمسكة بمحاكمة ولي العهد السعودي رأسا ومسؤولين آخرين.

وقاد أردوغان بنفسه الحملة على الأمير محمد بن سلمان، وهو ما كان له أثر على الأخير لاسيما دوليا، حيث أن ولي العهد السعودي لم يقم ومنذ حادثة الاغتيال بأي زيارة إلى دولة غربية، وانحصرت تحركاته الدبلوماسية في حلقة ضيقة من الدول العربية والآسيوية.

ويقول المراقبون إنه من الصعب جدا أن تتجاوز السعودية مخلفات ما حصل، رغم أن أنقرة بدأت منذ العام الماضي إظهار رغبة في تطبيع العلاقات وقد قام الرئيس التركي باتصالين هاتفيين مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.

وأطلق أردوغان خلال الأشهر الماضية سلسلة من التصريحات حول رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع القوى الإقليمية وبالأخص مع دول الخليج العربي دون تمييز.

Thumbnail

وتحدث أردوغان في نوفمبر الماضي عن أمله في حصول اختراق في مسار العلاقات مع السعودية، وقال في لقاء مع التلفزيون التركي “سنعمل على الارتقاء بالعلاقات مع الرياض إلى مكانة أفضل”، مشددا على أن بلاده عازمة على تحسين علاقاتها مع كافة دول الخليج.

وقد حاولت قطر التدخل بين ولي العهد السعودي والرئيس التركي خلال زيارة للأخير إلى الدوحة في ديسمبر الماضي بيد أنها فشلت في تحقيق أي خرق.وأضاف “هناك إمكانيات جدية للغاية للتعاون بيننا وبين دول الخليج، فاقتصاداتنا متكاملة، وآمل أن نرى مشاريع تعاون جديدة تقوم على المنفعة المتبادلة كفرص للاستثمارات المشتركة”.

ولم تكن العلاقات بين تركيا والسعودية قبل اغتيال خاشقجي على أفضل ما يرام، حيث كانت هناك أزمة مكتومة بين البلدين حول جملة من الملفات من بينها الخطوات التي اتخذتها أنقرة خلال المقاطعة الخليجية لقطر، وتقديم نفسها على أنها الدرع الحامي للإمارة الخليجية الصغيرة، إلى جانب مساعي الرئيس التركي المحمومة لسحب زعامة السعودية على العالم الإسلامي والتي اتخذت أشكالا مختلفة من بينها محاولته لضرب منظمة التعاون الإسلامي.

ويعتقد كثيرون أن إمكانية حدوث مصالحة بين السعودية وتركيا تبقى واردة وبقوة في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة لكن ذلك يحتاج إلى وقت.

وتشهد السياسة الخارجية التركية منذ فترة تحولا باتجاه تطبيع العلاقات مع محيط أنقرة الإقليمي، ويرتبط ذلك بعدد من المحددات لعل أهمها المحدد الداخلي حيث تواجه تركيا أزمة اقتصادية خانقة أثرت على شريحة واسعة من المواطنين، وأدت إلى تآكل شعبية أردوغان وحزبه العدالة والتنمية حتى في صفوف أنصارهما.

ويخشى الرئيس التركي من أن يؤثر استمرار الأزمة على حظوظه وحظوظ حزبه في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقرر إجراؤها في العام 2023، ويرى بأن سياسة تصفير المشاكل مع دول الإقليم ولاسيما مع دول الخليج العربي من شأنها أن تساعده في تجاوز هذه الفترة بسلام.

صحيفة العرب