سياسة التعويضات: المأزق الأمريكي مع الشباب الفلسطيني الثائر

سياسة التعويضات: المأزق الأمريكي مع الشباب الفلسطيني الثائر

536

أكبر مشكلة تواجه الإدارة الأمريكية مع الشباب الفلسطيني الثائر من أجل الانتصار للأقصى وللوطن الفلسطيني المغتصب أن موجته الاحتجاجية الراهنة جاءت لتفرض مسارًا بديلًا لما هو متفق عليه أمريكيًا وإسرائيليًا من ناحية بخصوص مستقبل عملية التسوية والتفاوض الإسرائيلي- الفلسطيني، وأنها جاءت من ناحية أخرى في الوقت غير المناسب حيث تتجه الإدارة الأمريكية إلى تقديم حزمة إرضاءات للكيان الصهيوني تعويضًا عن انخراطها في الاتفاق النووي مع إيران.

أولاً– صدمة كيري مع شباب فلسطين

تصور الأمريكيون خطأ أن مساء احتواء القضية الفلسطينية قد أتى بثماره بعد الانصراف العربي والعالمي عن تلك القضية أمام التطورات الأعنف والأفدح التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، كما أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تعلم الدرس جيدًا منذ فشل مبادرته الشهيرة لتفعيل حل الدولتين أمام تشدد رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو في التمسك بسياسة التوسع الاستيطاني والتهويدي في القدس والضفة الغربية المحتلتين، فمنذ ذلك الحين، وهو وإدارته، يتجنبون ما أخذ يُعرف، وفقًا لمفرداتهم، بـ “مستنقع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني”، وكم كانت الإدارة الأمريكية سعيدة وهي ترى إقليم الشرق الأوسط آخذ في الانحدار إلى مستنقع أعمق وهو “الحرب الإرهابية” التي جعلت من “الإرهاب التكفيري” عدوًا بديلًا لـ “إسرائيل” عند معظم الدول العربية، ومنافسًا حتى لـ “العدو الإيراني”الذي يسعى بنيامين نتنياهو إلى فرضه كعدو بديل منذ إطلاق وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” في أوج الحرب “الإسرائيلية” على لبنان صيف 2006.

ظهور العداوات البديلة والأعداء الجدد أعفى كيري، كما أعفى الإدارة الأمريكية ورئيسها باراك أوباما من عبء التورط في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي يسبب إرباكات لعلاقات واشنطن مع الدول العربية، ويسبب توترات في علاقات الإدارة الأمريكية مع الكونجرس واللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة. فقد استنفد الملف النووي الإيراني قدرًا من الوقت كان يمكن أن يكون ضاغطًا على الإدارة الأمريكية بسبب فشلها في تفعيل خيار حل الدولتين، كما استنزفت الحرب ضد “داعش” والإرهاب التكفيري الكثير من الجهود والموارد وشغلت الرأي العام بعيدًا عن ضغوط السياسات العدوانية “الإسرائيلية” في الأراضي العربية المحتلة في فلسطين، وتصور كيري أن الأعباء أخذت تتراجع في ظل تراجع أولوية القضية الفلسطينية بالنسبة للدول العربية أمام الخطرين العاجلين الأولى بالاهتمام: خطر الإرهاب والخطر الإيراني، لكن شباب فلسطين أفسد على كيري وإدارة أوباما كل التوقعات، ونجح في أن يعيد فرض أولوية القضية الفلسطينية على الجميع.

استنزفت الحرب ضد “داعش” الكثير من الجهود والموارد وشغلت الرأي العام بعيدًا عن ضغوط السياسات العدوانية “الإسرائيلية” في الأراضي العربية المحتلة

بهذا المعنى نستطيع أن ندرك “صدمة كيري” في توقعاته الخاطئة بأن الملف الفلسطيني قد دخل “ثلاجة التاريخ”أمام المخاطر الجديدة التي تواجه دول المنطقة. فقد اضطر كيري أمام إدراكه الجديد بالمأزق “الإسرائيلي” إلى أن يعود إلى المنطقة من أجل التهدئة، وبالتحديد من أجل إعادة إدخال القضية الفلسطينية مجددًا إلى “ثلاجة التاريخ”. فزيارته الأخيرة التي بدأت الأسبوع الفائت هي زيارة اضطرارية تمامًا وخارج كل حسابات أجندة الأولويات الأمريكية وخاصة ما تواجهه من تعقيدات الأزمة السورية.

جاء كيري ليزور الكيان الصهيوني والأردن ورام اللـه كي ينزع فتيل اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تلوح مؤشراتها في أفق الصراع الأساسي بالمنطقة، وحرص قبيل مجيئه على تأكيد وقوفه إلى جانب “إسرائيل” محملًا الفلسطينيين مسئولية التصعيد الأمني في الأراضي المحتلة. فقد كشفت تصريحات كيري التي نقلتها القناة العاشرة “الإسرائيلية” (18/10/2015) حقيقة التوجهات الأمريكية لاحتواء الاحتجاجات الفلسطينية عبر تحميل الفلسطينيين مسؤولية التصعيد، حيث خاطب نتنياهو بقوله “أن للإسرائيليين الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد العنف في البلدة القديمة، وفي القدس وفي كل مكان، ويجب على الفلسطينيين وقف التحريض، وعلى رئيس السلطة الفلسطينية (محمود عباس) إدانة العنف بصوت عالٍ وواضح”.

هكذا، الفلسطينيون دائمًا متهمون، وهكذا “إسرائيل” دائمًا ضحية العنف إن لم يكن “الإرهاب” الفلسطيني، وأن لـ “إسرائيل” الحق في الدفاع عن النفس في كل مكان، أما أن يعترف ولو لمرة واحدة، بأن “إسرائيل” دولة احتلال واغتصاب للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وبحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والحصول على استقلاله الوطني، وأنه في سبيل الحصول على حقوقه المشروعة له أن يدافع عن نفسه بكل الوسائل، وأن يخوض حرب تحرير مشروعة، فهذه كلها أمور خارج القاموس الأمريكي وخارج العقل الأمريكي بل والضمير الأمريكي الذي لم ينشَّأ على احترام حقوق الشعوب المضطهدة ودعم حركات التحرر الوطنية.

لذلك فإن لقاءات كيري مع كل من نتنياهو والملك الأردني ورئيس السلطة الفلسطينية تركزت على مسألة واحدة محددة هي وضع آلية للتهدئة بخصوص المسجد الأقصى، انطلاقًا من إدراك خاطئ بأن الاحتجاجات الفلسطينية الحالية هي احتجاجات على الانتهاكات “الإسرائيلية” بالمسجد الأقصى فقط وليست لها علاقة ألبتة بسقوط مشروع أوسلو وسلامه الكاذب عند جيل جديد من الشباب الفلسطيني بات واعيًا بان كل حديث عن سلام مع الكيان الصهيوني هو حديث كاذب وأن ما سُمي بـ “عملية السلام” لم تستهدف أبدًا تحقيق سلام عادل للشعب الفلسطيني بقدر ما استهدفت نزع روح الصمود والمقاومة عند الشعب الفلسطيني وغرس الاستسلام بديلًا عنهما، وتمكين الكيان الصهيوني من فرض “سلام الأمر الواقع” الذي يحقق كل متطلبات الأمن “الإسرائيلي” وكل ما يحمي ويثبت الوجود الفلسطيني، وكل ما يحقق النصر للمشروع الصهيوني وتمدده إلى خارج فلسطين في الجوار العربي ليلتقي مع المشروع الأمريكي لإعادة ترسيم الخرائط السياسية وإعادة تقسيم وتجزئة الدول العربية وتدمير الكيانات والقوى العربية الكبرى كي يتسنى للكيان الصهيوني أن يسيطر ويتسيّد ويفرض نفسه كقوة إقليمية كبرى مهيمنة على نحو ما كان يأمل ديفيد بن جوريون الرئيس الأسبق للحكومة “الإسرائيلية” الذي سبق أن أكد أن بقاء “إسرائيل” لن يتحقق بما تمتلكه من قنابل ذرية وما لديها من قدرات عسكرية متفوقة فقط ولكنه يتحقق بالأساس بتفكيك وتدمير ثلاث دول عربية هي بالتحديد: مصر والعراق وسوريا.

نتنياهو: “إذا أردنا أن يحل السلام علينا أن نوقف الإرهاب، ولوقف الإرهاب علينا أن نوقف التحريض”

لذلك كان منطقيًا أن تتوافق رؤية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع سقف المطالب “الإسرائيلية” المصرة على بسط السيطرة “الإسرائيلية” الكاملة والوحيدة على المسجد الأقصى وإبعاد الفلسطينيين عنه، وعدم التطرق من قريب أو من بعيد إلى مشروع حل الدولتين ووقف الاستيطان “الإسرائيلي”، فهو، أي كيري، يرى حسب تفسيرات لصحيفة “هاآرتس” أن حل التهدئة الذي جاء من أجله يكمن في “توضيح التفاهمات حول الأقصى بين بنيامين نتنياهو وملك الأردن عبد اللـه بن الحسين كما اتفق عليها الجانبان في أكتوبر من عام 2014” أي العودة إلى ما بات يُعرف بـ “اتفاق الوضع القائم” بشرط أن يتم ترقية التفاهمات “الإسرائيلية” والأردنية تلك إلى “تفاهمات مكتوبة” مع جهاز متفق عليه بين الجانبين يوكل إليه حل القضايا الخلافية والشكاوي والحؤول دون تطورها إلى تصعيد في الأقصى، وكشفت الصحيفة أن الاتصالات التي أجراها كيري مع “الإسرائيليين” والأردنيين كشفت أنهما معنيان بالانخراط في مسار يرفع أي “التباس حول حقيقية ما يجري في الحرم”.

هذه التفاهمات يراها نتيناهو محكومة بموقف “إسرائيلي” محدد يرى أنه “ليست هناك أي نية لدى الحكومة “الإسرائيلية” لتغيير الوضع القائم في القدس” بمعنى أن “إسرائيل” هي “الجهة الوحيدة” التي “تحمي المسجد الأقصى وغيره من المقدسات الإسلامية وليس الأردن”.

ولمزيد من التوضيح قال نتنياهو إنه “إذا أرادت الأسرة الدولية حقًا وقف العنف وسفك الدماء، فإنني أؤمن أن عليها أن تعلن أن “إسرائيل” تحافظ على الوضع القائم في الحرم القدسي، وأن على الأسرة الدولية أن تدعم حق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس، وأن تحمل محمود عباس مسؤولية “كلماته الخطيرة”، وفي لقاء له مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في برلين قال أيضًا “إذا أردنا أن يحل السلام علينا أن نوقف الإرهاب، ولوقف الإرهاب علينا أن نوقف التحريض”. والمعنى بالتحريض هنا هو الرئيس الفلسطيني ولذلك حرص جون كيري عقب لقائه مع أبو مازن أن يردد اتهامات نتنياهو للرئيس الفلسطيني حيث طالب كيري أبو مازن بوقف ما أسماه “التحريض بشكل فوري” ومنع وصول الشبان الفلسطينيين إلى نقاط التماس مع الجيش “الإسرائيلي”.

كيري شاهد كغيره مشاهد الخزي والعار لجنود الاحتلال “الإسرائيلي” أمام الشباب الفلسطيني الثائر بعد أن امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالسخرية من الصور التي انتشرت لجنود الاختلال وهم يفرون ذعرًا ورعبًا أمام منفذ عملية إطلاق النار في بئر السبع، لذلك هو حريص على منع أي اقتراب بين الشباب الثائر وجنود الاحتلال لأن النتيجة واضحة بل وفاضحة للجيش الذي لا يقهر، وهي نتيجة دامغة تؤكد الواقع كما هو وليس كما يريده الأمريكيون و”الإسرائيليون” واقع أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الأرض وأنه يدافع عن أرضه التي اغتصبت منه أما جنود الاحتلال فهم جنود الباطل الذي لا يعرف حقًا، وهي الحقيقة التي يريد كيري أن يطمسها بزيارته الاضطرارية لفلسطين المحتلة، زيارة الإنقاذ للسمعة “الإسرائيلية” المتهاوية.

لكن الأمر كان مختلفًا بالنسبة لرئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي حاول أن يتجاوز عار الهروب الذي بات أبرز معالم المواجهة الحالية إلى حملة تصعيدية في لغته الخطابية أمام تزايد الهبّة الشعبية الفلسطينية حيث بلغ خطابه التصعيدي مستوى هستيريا، كان من تجلياته، يوم الإثنين (26/10/2015)، استخدام تعابير «داعشية» من قبيل «سنحيا للأبد بالسيف»، وإطلاق تهديدات وهمية، من بينها الحديث عن تطوير تطبيق على الهواتف الخلوية لمستوطنيه تسمح بقمع الفلسطينيين بـ «كبسة زر»، والتلويح بإجراءات عقابية جديدة إضافية ضد المقدسيين.

ولم يتأخر الردّ الفلسطيني، في ذات اليوم، على تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية، إذ نفّذ شابان فلسطينيان عمليتي طعن جديدتين ضد جنود الاحتلال، الذين قاموا بإطلاق النار عليهما، مما أدى إلى استشهادهما، فيما استشهد فتى في المواجهات المستمرة في مختلف الأراضي المحتلة، مما رفع عدد شهداء الهبّة الشعبية منذ مطلع أكتوبر الحالي إلى 62، فضلًا عن مئات المصابين، بحسب حصيلة أولية.

واستشهد فلسطيني متأثراُ بجراحه التي أصيب بها برصاص الجيش الإسرائيلي في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة بعدما حاول طعن جندي إسرائيلي، بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي. كما استشهد فلسطيني آخر بالقرب من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة بعدما طعن إسرائيليا. واستشهد فتى فلسطيني في السابعة عشر من العمر بالرصاص في مواجهات مع جنود إسرائيليين في بيت عينون قرب الخليل في جنوب الضفة الغربية المحتلة، وفق ما أفادت الشرطة ومسعفون فلسطينيون.

بات العالم كله يدرك أن دولة الكيان الصهيونية “دولة قاتلة” حتى للأطفال، وأنها امتهنت القتل العمد المباشر دون محاكمة أو تحقيق أمام أعين كل العالم

وقبل ذلك، كانت وزارة الصحة في السلطة الفلسطينية تقدّم حصيلة أولية لشهداء الهبّة الشعبية ومصابيها منذ مطلع شهر أكتوبر الحالي، مشيرة إلى أن عدد الشهداء برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الشهر الجاري بلغ 59 شهيدًا، فيما بلغ عدد الشهداء الأطفال 14 شهيدًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما نسبته 23.7 في المائة من إجمالي عدد الشهداء.

ثانياً- عودة إلى سياسة التعويضات

في ظل كل هذا التأزم تواجه الإدارة الأمريكية أزمة مصداقية خطابها السياسي. فالعالم كله بات يدرك أن دولة الكيان الصهيونية “دولة قاتلة” حتى للأطفال، وأنها امتهنت القتل العمد المباشر دون محاكمة أو تحقيق أمام أعين كل العالم، وكان الأولى بالإدارة الأمريكية أن تتخذ موقفًا أخلاقيًا ضد هذه السياسة الإسرائيلية، لكن الإدارة الأمريكية تجد نفسها مضطرة أمام ضغوط الأغلبية الجمهورية في الكونجرس وأمام الرأي العام الأمريكي بسبب إصرارها على إتمام صفقة الاتفاق النووي مع إيران إلى تعويض إسرائيل واسترضائها على الرغم من كل الإهانات التي وجهها نتنياهو للرئيس الأمريكي من داخل الكونجرس نفسه،عندما قام بأكبر عملية تحريض ضد أوباما وإدارته لدفع الكونجرس لرفض الاتفاق النووي مع إيران.

لذلك فإن الولايات المتحدة التي كانت قد أعدت سلسلة من اللقاءات على مستوى عالٍ مع مسئولين إسرائيليين ضمن ما عُرف بالإعداد لاتفاقيات اليوم التالي للتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران لتقدم تعويضات سخية لإسرائيل لم تستطع أن تتراجع عن هذه الاتفاقات أمام ضغوط الكونجرس واللوبي الصهيوني، وفعلًا وصل موشى يعلون وزير الحرب الصهيوني إلى واشنطن يوم الاثنين (26/10/2015) في أول جولة جدية لمناقشة التعويضات التي تريدها إسرائيل من الإدارة الأمريكية بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران.

وواضح أن القضايا المدرجة على طاولة الحوار بين يعلون ونظيره الأمريكي آشتون كارتر لا تنحصر فقط في التعويضات، وإنما أيضًا بمجمل العلاقات العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي أثبتت صلابتها حتى في ظل أشد الخلافات والتوتر بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية. وفي هذه الأثناء أعلن رسميًا، وللمرة الأولى، أن الولايات المتحدة ستتعاون مع إسرائيل في المجال النووي للأغراض السلمية.

وذكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن يعلون سيبحث مع كارتر «قضايا إستراتيجية تتعلق بالتطورات في الشرق الأوسط، وفي تعزيز التعاون والعلاقة بين المؤسستين الأمنيتين، وأيضًا مواصلة الحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي وأذرع الأمن على دول المنطقة».

وسيزور يعلون مركز تدريب على طائرات «أف 35» التي حصلت إسرائيل على سرب منها، وكذلك منشآت عسكرية أمريكية أخرى. كما سيلتقي سوية ونظيره الأمريكي مع طلاب في جامعة الأمن القومي الأمريكي.

وقال يعلون، قبيل سفره، إن «الولايات المتحدة هي الركيزة الإستراتيجية لدولة إسرائيل ولا نملك صديقًا أكبر منها». وأضاف أن العلاقات «بين وزير الدفاع آشتون كارتر وبيني، كما بين المؤسسات الأمنية، والجيشين وأجهزة الاستخبارات في الدولتين قوية وعميقة جدًا». وأشار إلى أن التطورات في الشرق الأوسط «تشكل تحديًا لإسرائيل والولايات المتحدة، وفي محادثاتي مع وزير الدفاع كارتر، سنبحث في القدرات المطلوبة للجيش الإسرائيلي لمواجهة ما يجري حولنا، وعواقب ذلك من ناحية استمرار تفوقنا النوعي، واستمرار المساعدات الأميركية لإسرائيل في السنوات المقبلة».

وترى الأوساط الأمنية الإسرائيلية في زيارة يعلون للعاصمة الأمريكية في هذا الوقت مسألة «حاسمة»، بسبب أنها تتعلق بحجم المساعدات العسكرية والأمنية التي ستنالها إسرائيل عمومًا، وبالخصوص كتعويض عن عواقب الاتفاق النووي مع إيران. وكانت إسرائيل قد رفضت مرارًا عروضًا أمريكية بإجراء محادثات حول التعويضات عن الاتفاق النووي، بسبب القناعة التي زرعها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الدخول في مثل هذه المفاوضات يعني تسليم إسرائيل سلفًا بالاتفاق النووي.

وبعد أن انتهت أزمة الاتفاق النووي الإيراني لم يعد أمام نتنياهو وحكومته مبررًا للسير في هذا المسار للحصول على أكبر تعويضات سخية من الولايات المتحدة، مثل هذه التعويضات في هذا الوقت بالذات تكشف حقيقة الدور الأمريكي في الصراع العربي- الإسرائيلي الذي نجحت الولايات المتحدة في تقليصه إلى مجرد صراع إسرائيلي- فلسطيني.

فالقتل الإسرائيلي العمد لشباب فلسطين الثائر لا يخص الإدارة الأمريكية، وما جاء كيري من أجله هو محاولة تأمين إسرائيل ومحاصرة الهبة الشبابية والحيلولة دون تحولها إلى انتفاضة، لكن في الاتجاه الآخر يقوم زميله آشتون كارتر وزير الدفاع بالعطاء العسكري السخي للجيش الإسرائيلي كي ترضى إسرائيل وتشعر بالأمان الذي لن تحصل عليه أبدًا ما دام الشعب الفلسطيني وأجياله الصاعدة واعية بحقيقة الصراع كما يفهمه الإسرائيليون والأمريكيون بأنه صراع حول الوجود، حول الأرض لمن تكون لأصحابها أم للمغتصبين، وهذا هو السؤال الذي يحرص الأمريكيون على تجنب إجابته.

المركز العربي للبحوث والدراسات