هل تهدف القيادة الروسية السيطرة على العاصمة كييف وأقصاء القيادة الأوكرانية؟

هل تهدف القيادة الروسية السيطرة على العاصمة كييف وأقصاء القيادة الأوكرانية؟

وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 21 شباط/فبراير، على مراسيم تعترف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، اللتين أعلنا استقلالهما من طرف واحد عن كييف في عام 2014. وفي وقت مبكر من صباح يوم 24 شباط/فبراير، شنت روسيا عملية عسكرية لنزع سلاح أوكرانيا وتطهيرها. وقال بوتين في خطاب تلفزيوني إلى مواطنيه، إن الظروف «تتطلب إجراءات حاسمة وفورية» كما طلبت جمهوريات دونباس المساعدة. وحسب الزعيم الروسي، فإن المسؤولية الكاملة عن إراقة الدماء تقع على ضمير النظام الحاكم في أوكرانيا.
وتؤكد القيادة الروسية أن إطلاق العملية العسكرية كان مفروضا عليها، ولم تكن ضمن خيارات موسكو، وأنها منذ عام 2014 وضعت الرهانات على الجهود الدبلوماسية والحلول السلمية، بيد أن النظام الأوكراني رفض كل تلك المحاولات، وأشرك الغرب وحلف الناتو الذي بات يعمل على تحويل أوكرانيا إلى مصدر تهديد للأمن الوطني الروسي، ورفضت كييف تنفيذ اتفاقيات مينسك لعام 2015 التي كانت بمثابة خريطة طريق لتسوية النزاع في شرق أوكرانيا، وهددت كذلك في إنتاج الأسلحة النووية. أن روسيا تتطلع إلى أن تكون أوكرانيا جارة صديقة وشريكة في مجالات التعاون المختلفة، لا سيما وان ثمة روابط تاريخية متنوعة عميقة بين الشعبين.
ووفقاً لوزارة الدفاع الروسية، في مساء يوم 25 شباط/فبراير، عطل الجيش الروسي 211 منشأة للبنية التحتية العسكرية لأوكرانيا، بما في ذلك 17 موقعًا للقيادة ومركزًا للاتصالات، و 19 نظامًا صاروخيًا مضادًا للطائرات من طراز S-300 و О تم إطلاق النار عليه. وتم إسقاط ست طائرات مقاتلة وطائرة هليكوبتر وخمس طائرات بدون طيار. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للإدارة العسكرية الروسية، تم تدمير 67 دبابة أوكرانية ومركبات قتالية مصفحة أخرى، و16 قاذفة صواريخ متعددة، و87 وحدة من المركبات العسكرية الخاصة. وسيطرت روسيا على العديد من المناطق الأوكرانية، واقتربت من العاصمة كييف.

عقوبات وتوقعات

وسارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض جملة من العقوبات المتشددة التي طالت القطاع المالي، وحظر تصدير التقنيات المتطورة، وغيرها على أمل أن تلحق الاضرار باقتصاد روسيا وشل قدراتها بما في ذلك العسكرية، كما فرضت عقوبات على أعضاء مجلس الدوما، الذين صادقوا على قرار الرئيس بوتين بالاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، وعلى عدد من الموسيقيين والفرق الرياضية وتم فصل روسيا من مجلس أوروبا. ويجري النظر في فرض عقوبات على الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، شخصيا. ووعدت روسيا بانها سترد على كافة العقوبات بصورة متكافئة. واللافت أن العقوبات لم تطل قطاع النفط والغاز، لأن مثل هذا الإجراء سيجعل دول الاتحاد الأوروبي تدفع ثمنا باهظا، كونها تعتمد على 40 في المئة من وارداتها من الغاز على روسيا. وقالت الحكومة الروسية إن لدى البلاد القدرات والاحتياطات الكافية لإجهاض العقوبات وتخفيف تأثيرها، ونسف أهدافها.
وتوقعت موسكو مسبقا بان الغرب سيُقَّيم قرار الرئيس الروسي بإجراء عملية خاصة في دونباس على أنه عدوان روسي ضد أوكرانيا المستقلة. في الوقت نفسه، لم يؤخذ في الاعتبار أنه بحلول هذا الوقت، وصل تجمع القوات المسلحة الأوكرانية المنتشرة في دونباس إلى 150 ألف فرد عسكري (حوالي 70 في المئة من قوة الجيش الأوكراني) من دون احتساب الأفراد والكتائب القومية، إلى جانب بما لا يقل عن 450 دبابة. وواصل الجانب الأوكراني بمساعدة الآليات سوفييتية الصنع زرع في أقسام معينة من خط المواجهة الألغام UR-77 من طراز «ميتيوريت» والتي حصلت على لقب «الأفعى جوري نيش» ما يشير إلى أن القوات المسلحة من أوكرانيا كانت تستعد لهجوم واسع النطاق. وتم تنفيذ أعمال تخريبية ضد البنية التحتية المدنية لجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، وتصاعد قصف المناطق السكنية في الجمهوريتين، ما دفع رؤساءها إلى البدء في إجلاء السكان إلى الأراضي الروسية.
وفي وقت سابق، دفعت الولايات المتحدة وحلفاؤها (في المقام الأول بريطانيا العظمى وتركيا وبولندا ودول البلطيق) قيادة كييف بكل طريقة ممكنة لإجراء عملية عسكرية واسعة النطاق في دونباس. ولم يزودوا كييف بالدعم السياسي فحسب، بل قاموا أيضًا بتزويد كييف بالأسلحة والذخيرة الحديثة وأرسلوا مدربيهم. وساهمت أنقرة ولندن بكل طريقة ممكنة في إحياء القوات البحرية لأوكرانيا من أجل خلق تهديدات لشبه جزيرة القرم وأسطول البحر الأسود الروسي. ولم يتم استبعاد دخول أوكرانيا إلى الناتو، ما يعني نشر القواعد الأمريكية على أراضيها، على مقربة من العاصمة الروسية، وحاولت القيادة الروسية تخفيف حدة التوتر العسكري المتزايد مع الولايات المتحدة وحلفائها في الكتلة العسكرية السياسية لحلف الناتو. وتم اقتراح إبرام اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة بشأن ضمانات أمنية تستند إلى مبادئ توحي بأنها غير قابلة للتجزئة ومتساوية. ومع ذلك، فإن الغرب لم يسمع مخاوف الكرملين. وبدلاً من ذلك، كانت هناك تهديدات مستمرة بشأن فرض عقوبات مالية واقتصادية صارمة على روسيا. وجرت الاستفزازات العسكرية بانتظام بالقرب من الحدود الجوية والبحرية الروسية، علاوة على ذلك أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في شباط/فبراير، في مؤتمر ميونيخ للأمن، أنه سيبدأ قمة للدول المشاركة في مذكرة بودابست المؤرخة 5 كانون الأول/ديسمبر 1994 من أجل مراجعة رفض أوكرانيا للوضع النووي.

نهاية العملية

ويلف الغموض أهداف العملية العسكرية التي تخوضها القوات الروسية في مختلف أنحاء أوكرانيا، وهل ستتوقف عند حدود الجمهوريتين اللتين أعلنتا الانفصال من جانب واحد، أم أن القيادة الروسية تهدف إلى السيطرة على العاصمة كييف وأقصاء القيادة الأوكرانية، التي وصفتها «بالفاشية، التي تديرها مراكز القرار الغربية». وكانت القيادة الروسية قد حددت المهام الرئيسية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بنزع السلاح وتطهيرها من القوى القومية التي تقول إنها ذات منحى فاشي، كما يطالب الرئيس الروسي أن تعلن أوكرانيا تخليها عن خطط الانضمام للناتو والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا الاتحادية.
ولم يتضح بعد الفترة التي ستستمر فيها العملية العملية العسكرية وصرح بذلك السكرتير الصحافي لرئيس روسيا ديمتري بيسكوف، بأن القائد العام للقوات المسلحة الروسية، الرئيس فلاديمير بوتين هو الذي سيتخذ القرار بهذا الشأن، وحددت توقعات خاصة مدة العملية العسكرية بأكملها حتى الآن من 5 إلى 12 يوما. وسيعتمد وقت العملية أيضا على مدى سرعة عملية إنهاء المقاومة لتحقيق أهدافها. ومن ناحيته ربط الخبير العسكري فلاديمير كوزين استكمال العملية الخاصة في أوكرانيا، باستئناف الطيران المدني رحلاته في جنوب روسيا، وحسب توقعاته فان الحملة ستنتهي يوم 2 آذار/مارس 2022. ويمكن أن ينتهي كل شيء في وقت أقرب. وشدد على أنه وحسب تقارير وزارة الدفاع الروسية، فقد جرَتْ جميع العمليات العسكرية وفق الخطط الأصلية، ويتم حل جميع المهام الموكلة إلى الوحدات بدرجة «ممتاز». ومع ذلك على حد رأيه، هناك عوامل يمكن أن تمد الإطار الزمني لتحقيق الأهداف في أوكرانيا، والكلام يدور، عن محاولات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التأثير على الوضع. كل هذا يتوقف على ما إذا كان الغرب سيستمر أم لا في تحريض نظام كييف الحالي. واستنادا إلى المعلومات الواردة، فإن الغرب لا يزال يواصل التحريض والتوجيه وتقديم الدعم المعنوي للقوات المسلحة لأوكرانيا. وأكد كوزين «أنني لا أستبعد إمكانية استمرار توريد أنواع معينة من الأسلحة والذخيرة والمدربين للقوات المسلحة لأوكرانيا».

القدس العربي