على عادته في اجتراح تصريحات غريبة، قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بوصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«العبقري»، واقترح أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية، بدورها، باتباع هذا الأسلوب العبقري مع جارتها المكسيك، وعلى عادته أيضا، في محاولة الالتفاف على أقوال واجهت استنكارا كبيرا، من دون التراجع عنها فعلا، علّق ترامب مجددا على الموضوع بالقول إن بوتين ذكي لأن «قادتنا أغبياء».
إصرار ترامب على أقواله، ليس ناتجا عن عناد أو مكايدة لخصمه بايدن، وليس غلطة سياسية يمكنه الالتفاف عليها بإعلان التعاطف، الكاذب على الأغلب، مع الأوكرانيين، فإعجاب الرئيس الأمريكي السابق بأساليب بوتين في السياسة الخارجية والداخلية معلوم، كما كانت محاولات بوتين لدعم ترامب، عبر محاولات التأثير على الأصوات الانتخابية معروفة أيضا.
يتجاوز الأمر شخصية ترامب نفسه، أو المسؤولين السابقين المقربين منه (مثل وزير خارجيته مايك بومبيو أطلق بدوره على بوتين أوصاف «رجل الدولة الذي يستحق الاحترام»، و«الموهوب» و«الداهية»)، وهو يتعلّق أكثر باتجاه متعاظم ضمن اليمين الأمريكي نحو التقارب مع الاتجاهات السياسية الدكتاتورية في العالم (والنازيّة أيضا، فقد حظي هتلر بمديح ترامب).
لقد أطلق انتخاب ترامب موجة انبعاث كبرى لليمين القومي المتطرّف والعنصريّ والدينيّ في أنحاء العالم، ومن جهته الأخرى، تحوّل النظام الروسيّ بقيادة بوتين، إلى داعم كبير لتلك الاتجاهات، بحيث تشكّل طيف سياسيّ متواطئ يغذي بعضه بعضا، يمتدّ من الصين وروسيا والهند وكوريا الشمالية وإيران، مرورا بأحزاب اليمين العنصري في أوروبا، التي تلقى بعضها دعما ماليا، وليس سياسيا فقط، من موسكو، ودخلت في هذا السياق حكومات تتبع الاتحاد الأوروبي، كحكومة فيكتور أوربان في هنغاريا، وصولا إلى رئيس البرازيل الحالي جايير بولسونارو.
باستثناء إيران، التي تشتبك في مواقع عديدة مع إسرائيل، فقد كانت تل أبيب، خلال فترة حكم بنيامين نتنياهو، بؤرة كبيرة للقاء الاتجاهات اليمينية المتطرّفة في العالم، وقد حافظ حلف ترامب – بوتين، على العلاقات الحميمة مع إسرائيل، وقد شهدت تلك الفترة ضغطا هائلا على الفلسطينيين، تمثّلت أهم عناصرها باعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبهجمة «صفقة القرن» السيئة الصيت، وبرعاية مشروع «الاتفاقات الإبراهيمية»، في مقابل إقفال الأبواب السياسية أمام الفلسطينيين، ومنع الأموال عنهم، ودعم الاستيطان المكثّف، والعمل على إلغاء حقوقهم، بما فيها حقوق اللاجئين بالعودة.
هذه أمثلة عن «عبقرية» ترامب، فماذا عن بوتين؟
يعدد مقال لمحلل سياسي روسيّ، يدعى ألكسندر نازاروف، ما حصل في العالم بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، فيلاحظ أن سويسرا المحايدة انضمت للعقوبات على موسكو، وأن فنلندا، المحايدة أيضا، تدرس طلب الانضمام للناتو.
تحرق أوروبا، حسب المقال، جسور العلاقة مع روسيا. لقد أغلقت سماءها أمام الطيران الروسي، وجمد الغرب الأصول الروسية، وعزل بنوكها عن نظام «سويفت»، وتوقفت شركات الشحن الغربية عن نقل البضائع الروسية. لا تهدف العقوبات، كما يستنتج المقال، لخنق الاقتصاد الروسي، بل “لتدميره تماما”. تبعات ذلك على روسيا “كارثية تماما”.
الخلاصة العجيبة التي يخلص إليها المقال، تشبه توصيف ترامب لـ«عبقرية» بوتين، مستنتجا أن ما يفعله الرئيس الروسي سيكون «انتصار 1000 عام»، متوقعا نشوب حرب نووية، ينتصر فيها بوتين، لأن ترسانة روسيا النووية «أكبر وأحدث من الترسانة الأمريكية»!
من الصعب، ضمن هذا السياق، معرفة من هو أكثر عبقرية: ترامب أم بوتين؟
القدس العربي