مخاوف في تونس من تواصل أزمة المواد الغذائية وغلاء الأسعار

مخاوف في تونس من تواصل أزمة المواد الغذائية وغلاء الأسعار

بات التونسيون يشعرون بثقل الأزمة الاقتصادية مع مرور الوقت، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا التي وضعت تونس في موقف صعب حيث سينخفض إجمالي وارداتها من القمح بأكثر من 15 في المئة، ليتزامن مع أزمة ارتفاع الأسعار وحرب الدولة على الاحتكار، وهو وضع قد يزداد تعقيدا خلال شهر رمضان حيث يتزايد الاستهلاك.

تونس – تشهد تونس نقصا كبيرا في المواد الغذائية الأساسية على غرار الخبز والطحين والأرز والزيت النباتي، حيث بات الحصول على هذه المواد أمرا صعبا، في وقت تستعد فيه البلاد لاستقبال شهر رمضان الذي يعرف بزيادة الاستهلاك، ما ساهم في تصاعد مخاوف المواطنين من فقدان تلك المواد، مع تواصل غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، وهو ما طرح بشدّة مدى قدرة الحكومة على إيجاد الحلول المناسبة لتجاوز الأزمة.

وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد حربا على محتكري المواد الغذائية والأساسية كالطحين والسكر إثر تواصل فقدانها لأسابيع في الأسواق المحلية.

وقال قيس سعيّد في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية الأربعاء إنها “حرب دون هوادة ضد المحتكرين المجرمين في إطار القانون”، وحدد في كلمة له “ساعة الصفر” لهذه الحرب.

وأضاف في اجتماع مع وزير الداخلية توفيق شرف الدين وقيادات أمنية في الوزارة أن عمليات “الاحتكار بفعل فاعل، وهي سعي لضرب السلم الاجتماعي والأمن في المجتمع”.

وسبق أن أكد الرئيس التونسي أنه يعمل على إعداد مشروع مرسوم رئاسي لمواجهة الاحتكار في المواد الغذائية ومسالك توزيعها والتي يعتبرها “مسالك التجويع” ويتضمن عقوبات تصل إلى السجن.

ورغم الانتقادات الموجهة إلى وزارة التجارة واتهامها بالعجز عن تزويد السوق بالسلع وتوفير مستلزمات المواطنين، إلا أن مسؤولي الوزارة يؤكّدون من مناسبة إلى أخرى على توفّر المواد.

ويتذمر المواطنون من عدم توفر العديد من المواد الأساسية المدعومة، وخصوصاً الخبز والطحين والزيت النباتي والأرز، منتقدين عجز الحكومة عن توفير هذه المواد الأساسية للفئات الضعيفة من جهة، وعجزها عن السيطرة على المضاربات والاحتكار.

ويتعمد بعض التجار مخالفة التسعيرة الحكومية والرفع العشوائي في أسعار هذه المواد، وهو ما سيكون له تأثير في المدى المنظور على الفئات الفقيرة.

ويقف التونسيون في طوابير أمام المحلات التجارية الكبرى والمخابز في مختلف جهات البلاد، في مشهد غير مألوف منذ سنوات.

رضا الشكندالي: على تونس أن تطلب ضمانات من واشنطن والاتحاد الأوروبي

وسجلت محلات المواد الغذائية نقصا كبيرا في مواد السميد (الطحين) والزيت النباتي (المدعوم)، كما ارتفعت أسعار البيض، ما أزعج المواطنين وعمّق مخاوفهم على قوتهم اليومي.

وعلقت بعض المحلات التجارية لافتات تدعو فيها الزبائن إلى شراء هذه المواد بكميات محدودة.

وتكشف الأجهزة الأمنية بشكل يومي عن عمليات ضبط للآلاف من الأطنان من المواد الغذائية المدعمة في مخازن أو أثناء تهريبها إلى دول الجوار. وهددت الحكومة بفرض عقوبات قاسية على المخالفين.

ومطلع الأسبوع الحالي أعلنت الوزارة مصادرة أكثر من 900 طن من الطحين والأرز والسكر وغيرها من المواد كانت مخزنة بطرق غير قانونية ومعدة للمضاربة.

ويرى خبراء الاقتصاد أن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية سترمي بظلالها على مستوى الأمن الغذائي في تونس، نظرا إلى تراجع نسبة توريد مادة القمح التي تنتجها كل من روسيا وأوكرانيا، واعتبر هؤلاء أنه يمكن تجاوز هذه الأزمة عبر حلّ سياسي ودبلوماسي بتوفير ضمانات أوروبية وأميركية لتونس التي تعيش على وقع الديون الخارجية.

وأفاد أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي أن “الحلّ لا يمكن أن يكون إلا سياسيّا، وهو طلب السلطات التونسية ضمانات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، باعتبار أن التزوّد بالحبوب الآن بات أمرا شبه مستحيل، وهو ما سيخلق ضغوطات لدى الدول باعتبار التصنيف السيادي والثقة في الاستخلاص”.

وأضاف الشكندالي في تصريح لـ”العرب” أنه “لا بّد من جهود دبلوماسية لتسهيل هذه الأمور، لأن هذه الدول هي منتجة للحبوب بعد روسيا وأوكرانيا، فضلا عن ضرورة وجود قدرة على سداد الديون”.

ودعا الشكندالي إلى تكاثف مختلف الجهود في هذه الفترة، لأن “الخطر الداهم الآن هو تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وعدم التوصّل إلى اتفاق مع الجهات المانحة على غرار صندوق النقد الدولي”.

واستطرد “لا بّد من خطاب سياسي مطمئن، مع وجود مخاوف حقيقية من تفاقم الأزمة في شهر رمضان”.

ويرى مراقبون أن الحرب الروسية – الأوكرانية ستنعكس على إمدادات القمح والحبوب بصفة عامة في السوق العالمية.

وقال المحلل السياسي منذر ثابت في تصريح لـ”العرب” إن “هناك أزمة مركبة في علاقة بندرة الغذاء بالسوق التونسية وتعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، فضلا عن الحرب الروسية – الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع مشطّ في الأسعار العالمية”.

وأضاف “هناك جزء في هذه الأزمة موروث، وهو الاحتكار والمضاربة اللذين أديا إلى ارتفاع الأسعار، والحكومة مضطرّة إلى إعادة الصياغات في ذلك، وهي مناسبة لعقلنة الاستهلاك في علاقة بالخبز”.

ويرى ثابت أن “الحلول العاجلة لتجاوز الأزمة هي المراهنة على العلاقات الثنائية خاصة مع الاتحاد الأوروبي والدول العربية عبر اللجوء إلى الاقتراض واستخدام الطرق الدبلوماسية من أجل الحصول على تمويل خاص للمواد الغذائية”.

وأضاف “المفروض أن يلعب المجتمع المدني دوره في هذه الأزمة، وهناك معارك وطنية لا تخضع للون السياسي، ومسألة الغذاء هي معركة مجتمع من أجل الحياة، علاوة على اتخاذ إجراءات قانونية في علاقة بأسعار الحبوب”.

وأردف “بعد جائحة كورونا، أكدت الحرب الروسية – الأوكرانية، أن القطاع الزراعي مهمّ جدا، ومسألة الغذاء هي مسألة استراتيجية وسلاح حقيقي”.

وسجّلت أسعار القمح مستويات قياسية في جلسات التداول في السوق الأوروبية، وقد بلغ سعر القمح مستوى غير مسبوق بـ344 يورو (384 دولاراً) للطن الواحد.

منذر ثابت: يجب المراهنة على العلاقات الثنائية عبر اللجوء إلى الاقتراض

وتستورد تونس أكثر من 60 في المئة من استهلاكها من القمح من كل من روسيا وأوكرانيا، علماً أن تونس تعاني بدورها من إشكالات التزود منذ الخريف الماضي بسبب التأخر في توفير السيولة اللازمة لتسديد مستحقات دفعات من وارداتها من القمح بالعملة الصعبة، ما أدى إلى رسوّ عدد من البواخر المحملة بالقمح بالموانئ التونسية من دون تفريغ شحناتها في أكثر من مناسبة.

وتصاعدت المخاوف في الفترة الماضية من اعتزام الحكومة إصلاح منظومة دعم هذه المنتجات واعتماد الأسعار الحقيقية، باعتبار أن موازنة الدولة لم تعد تتحمل دعم هذه المواد التي يقر المسؤولون بأن نسبة كبيرة منها تذهب إلى الطبقات الميسورة.

وتسجل تونس منذ العام الماضي منحى تصاعديا لأسعار العديد من المواد، ما رفع نسبة التضخم عند الاستهلاك إلى مستوى 6.6 في المئة في ديسمبر 2021.

وعزا المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) هذا التطور في نسبة التضخم إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة المواد الغذائية (من 6.9 في المئة إلى 7.6 في المئة).

وارتفع معدّل نسبة التضخم لسنة 2021 إلى 5.7 في المئة، بعد أن كان في مستوى 5.6 في المئة سنة 2020.

كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.6 في المئة بسبب ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 23.3 في المئة، وأسعار زيت الزيتون بنسبة 21.8 في المئة، وأسعار البيض بنسبة 15.5 في المئة.

وزادت أسعار الغلال الطازجة بنسبة 16.7 في المئة، وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 10.8 في المئة، وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 9 في المئة.

العرب