عندما نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” نبأ عن التقدم في محادثات وقف النار بين روسيا وأوكرانيا، وصلت أخبار مزعجة عن إصابة مباشرة للمسرح في ماريوبول حيث اختبأ مئات النساء والأطفال.
يقال بأن الظلمة تكون أشد قبل بلوج الفجر، ولكن أشعة الشمس في أوكرانيا تتلبث قبل بدء المرحلة. فالجيش الروسي، الذي تكبد خسائر في الأرواح والمعدات، يواصل ضرب الأوكرانيين شمالاً وشرقاً وجنوباً. وكانت معظم الإصابات في الأيام الأخيرة لأهداف مدنية – يبدو أن بنك الأهداف العسكرية التي جلبتها القوات الروسية قد أفرغ، ولم يبق سوى تفريغ مخزن السلاح على المنازل وقاعات المسارح.
الجوع يطل برأسه أوكرانيا، وهناك لم ينسوا بعد فظائع الـ “فلودومور” – الجوع الجماعي الذي حل بأوكرانيا في بداية الثلاثينيات عقب سياسة اقتصادية تعسفية للحكومة السوفياتية.
يواصل المواطنون الفرار للنجاة بأرواحهم؛ فبالنسبة لهم، يبدو الحديث عن وقف النار في هذه اللحظة خدعة ووهماً أو مصدر عذاب للروح. فهل يوجد ما هو حقيقي عن نجاح مخطط لوقف النار تقدم به رئيس الوزراء نفتالي بينيت، الذي يحاول التوسط بين موسكو وكييف؟
ميخائيلو فودولياك، رئيس طاقم المفاوضات الأوكراني كتب في “تويتر” خاصته، أن المخطط الذي نشر في “فايننشال تايمز” لا يعرض إلا الموقف الروسي في هذا الشأن، بينما للأوكرانيين ملاحظات واعتراضات عديدة عليه. لا شك أن هناك عدة اقتراحات في هذه اللحظة، تتشابه إلى هذا الحد أو ذاك، وتتضمن وعداً رسمياً لأوكرانيا بألا تنضم إلى الناتو، ضمانات أمنية غربية لأوكرانيا، وربما اعتراف أوكراني بسيادة روسيا في القرم، وبالطبع وقف النار وانسحاب القوات الروسية.
لا شك بأن معظم هذه البنود كان يمكن تحقيقها حتى دون حرب وحشية خلفت حتى الآن آلاف المدنيين والجنود القتلى وأرضاً محروقة في مدن أوكرانيا.
كما يمكن الافتراض بأن مثل هذا المخطط أو واحد آخر يشبهه مع تعديلات كهذه أو تلك، سيكون مقبولاً على الطرف الأوكراني. ولكن المسألة هي: هل يبدو أن موسكو، التي اتخذت لنفسها هدف التخلص من حكومة زيلنيسكي وجعل أوكرانيا دولة تسير في فلكها مثل بيلاروسيا، ستكتفي بذلك؟ الدبلوماسية الروسية فقدت مصداقيتها قبل وقت طويل من الحرب الحالية، ولكل حديث عن وقف النار ومخطط كهذا أو ذاك ينبغي التعاطي معه بضمان محدود.
ربما غيرت موسكو، بسبب خسائرها وإخفاقاتها في الميدان، خريطة الطريق لتغيير عسكري وسياسي في أوكرانيا. في المدى القصير، إذا ما قبلت روسيا على نفسها مثل هذا المخطط، فستعترف بفشل “العملية العسكرية الخاصة” التي اتخذتها في أوكرانيا. لا سبيل لعرضها كانتصار في الداخل الروسي. ولكن إذا استمرت المحادثات لزمن طويل وأخذت المدن الأوكرانية تشطب عن الخريطة وانهار الاقتصاد وغادر بضعة ملايين آخرين بلادهم، فإن فسيكون الضرر أشد بكثير لهذه الدولة، وستصبح رغم أنفها دولة فاشلة.
في مثل هذه الحالة، سيأتي وقف النار بشروط روسيا بعد أن تكون قد قصفت السكان وجعلت أوكرانيا شقيقة توأم لسوريا في الحرب الأهلية، وهذا يفرغ كل مشروع حل وسط من محتواه.
القدس العربي