اخر الدراسات العلمية تقول إن الحرارة والرطوبة ستبلغان في منطقتنا، بعد ستين عاما، سبعين درجة مئوية، درجة يستحيل على أهل شبه الجزيرة العربية السكن فيها.
البترول وتقنية التكييف غيرا الحياة مثل السحر، عن تلك التي عرفها أهلها لألفي عام. قبل البترول كانت شبه الجزيرة دائمًا أرضًا طاردة لسكانها، بسبب مناخها وجفافها. هربا من المجاعات اعتاد سكانها على الهجرات في موجات بشرية متعاقبة إلى الشام وشرق أفريقيا. وقد عرفوا كمقاتلين أشداء يعيشون على الغزو، مثل الفايكنغ في شمال أوروبا، والمغول في وسط آسيا، بل ومثل مقاتلي تنظيم القاعدة اليوم. استمرت قبائل عرب الجزيرة تهاجر مئات السنين، قبل وبعد الإسلام، كقبائل مقاتلة، وصلت إلى أوروبا وشرق آسيا. وحتى بعد ظهور الإسلام لم يبق العرب في شبه الجزيرة، ولم يسكن أحد من خلفاء الدول الإسلامية، منذ الأمويين وحتى العثمانيين، في شبه الجزيرة، جميعهم رحلوا عن شبه الجزيرة إلى بغداد ودمشق والقاهرة وغرناطة وإسطنبول، وأقاموا ممالكهم على مدى ألف وثلاثمائة عام.
ولا تزال الحياة في هذه الصحراء قاسية، وفي بعض مناطقها شبه مستحيلة، مثل الربع الخالي، بقيت خالية من السكان إلا من القليل من البدو وشركات البترول في مستوطنات صغيرة. وأكبر مدن شبه الجزيرة، الرياض، كلما تزداد سكانا تزداد عطشا، سكانها وصلوا إلى ستة ملايين، ويقدر أن يبلغ عددهم أحد عشر مليون نسمة بعد خمس سنوات فقط. والعاصمة ليست مؤهلة لتمكين مليون من الناس من الحياة على ترابها ومياهها. لكنها مثل بقية مدن شبه الجزيرة، تعيش على المياه المحلاة من مياه البحر، ولا يدفع الساكن سوى خمسة في المائة من تكلفة إنتاجها ونقلها المكلفة، وتدفع الحكومة معظم الثمن. من دون دخل مرتفع من البترول قد لا تستطيع الرياض، وبقية المدن الصحراوية، البقاء حتى قبل التاريخ الموعود، وفق نبوءة العلماء الأخيرة بارتفاع درجات الحرارة بشكل يفوق طاقة الإنسان على احتمالها في نهاية القرن.
وتضخم سكان المدن الجافة والحارة، بما يفوق طاقة مصادرها الطبيعية مشكلة عامة في العالم. فمدن مثل لاس فيغاس، وفينيكس، وسان دييغو، وكذلك لوس أنجليس، كلها تشرب من مياه يتم جلبها من نهر كلورادو وفق اتفاقية بين سبع ولايات أميركية.
والوضع أصعب على سكان شبه الجزيرة مع ارتفاع درجات الحرارة عاما بعد عام، وزيادة كبيرة في العواصف الترابية، حيث تمتلئ مراكز الطوارئ في المستشفيات من الذين يعانون من الربو وغيره من الأمراض التنفسية. وهم ضحية لتجار الأدوية الذين يبيعون أجهزة وأدوية التنفس بأسعار خرافية.
طبعًا، لا توجد خيارات لأهل هذه الصحراء سوى البحث عن حلول للعيش على ترابها، كما يعيش أهالي القطب المتجمد، وكما كان يعيش العرب قديما. حاليا، أتابع أخبار المدينة النموذجية التي تبنيها أبوظبي ضمن مشروع «مصدر» في سبيل البحث عن حلول مستقبلية. الفكرة بناء مدينة بلا ثاني أكسيد الكربون، من دون سيارات، من دون عوادم، التي تعتبر من مسببات ارتفاع الحرارة في مدن المنطقة. وكذلك تهمني أخبار العلوم والشركات التي تبحث عن حلول للمياه والري، واستنبات زراعات مطورة تحتاج لقليل من المياه. العلماء يتنبأون بأن ارتفاع الحرارة والرطوبة القاتل سيبدأ بعد ستين عاما، لكننا نعرف ونشعر كيف أن الحياة اليوم صعبة مع تناقص المياه وتزايد الحرارة. وليس لنا من حلول سوى الانخراط في العلوم والتركيز على دراسات تعنى بالبيئة المحلية. وفي كاليفورنيا تدرس جامعات كيفية هندسة المدن الحارة وفق النظام الهندسي العربي القديم، حيث الأزقة الضيقة، وبناء خدمات بأقل قدر من وجود السيارات. ربما تقرر كليات الهندسة هنا البحث عن حلول تناسبنا.
نقلاً عن “الشرق الأوسط”