لفيف (غرب أوكرانيا)- قبل أيام الحرب وخلالها، ما فتئ المسؤولون الروس يكررون مصطلحات تشير إلى “النازيين الجدد” و”القوميين المتطرفين” في أوكرانيا، على أنهم خطر كبير يهدد وجود الرعايا الروس وهويتهم، بخاصة في “جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك” الانفصاليتين بإقليم دونباس (جنوب شرق البلاد) اللتين اعترفت موسكو بـ”استقلالهما” قبل أسابيع، وفي شبه جزيرة القرم المحتلة جنوبا.
ولكن عند كل تفاوض مع الجانب الأوكراني يغيب ذكر هؤلاء “النازيين المتطرفين” من قبل الجانب الروسي، في حين تحضر شروط ومطالب الحياد ونزع السلاح بشكل رئيس، فضلا عن مطالب الحق في استخدام “اللغة الروسية” بين الناطقين بها.
فمن هم “النازيون والقوميون” في أوكرانيا؟ وما حقيقة وجودهم وتأثيرهم في سلطات البلاد وهياكلها العسكرية والأمنية؟ ولماذا يغيب ذكرهم و”الخطر” الذي يشكلونه عن طاولات التفاوض؟
الحديث الروسي عن “القوميين الأوكرانيين المتطرفين” بدأ بعد أحداث الثورة البرتقالية في 2004-2005، التي كانت أول تحوّل ملموس نحو موالاة الغرب في أوكرانيا، بخاصة بعد أن منحت سلطاتها صفة “البطل” للزعيم “ستيبان بانديرا”.
بانديرا (1909-1959م) هو أحد أبرز قادة “حركة التحرر الوطني” التي ضمّت قوميين مناهضين للنفوذ البولندي في غرب أوكرانيا، قبل أن تتحول إلى مناهضة الاتحاد السوفياتي واعتباره “احتلالا”، وقبل أن تنادي باستقلال أوكرانيا.
حظر الاتحاد السوفياتي الحركة وحاربها واتهمها بالتحالف مع ألمانيا النازية ضده والخيانة، قبل أن يغتال بانديرا في ميونخ بألمانيا.
وبعد الحكم البرتقالي، في الفترة ما بين 2010 ونهاية 2013، سحب نظام الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش صفة “البطل” عن بانديرا، لتهدئة غضب موسكو، وريثة الاتحاد السوفياتي.
“نازيون” بعيون الروس
وبعد “ثورة الحرية والكرامة” في 2014 في أوكرانيا، أو ما تعدّه موسكو “انقلابا”، عادت صفة “البطل” من جديد إلى بانديرا، وسميت كثير من الشوارع باسمه؛ وأصبحت صفات “النازيين والقوميين المتطرفين” تطلق في روسيا على كل من شارك في “الثورة” أو “الانقلاب” أو دعمه، وكل من عارض “ضمّ” القرم بعده، أو قاتل الانفصاليين الموالين لروسيا في إقليم دونباس (جنوب شرقي أوكرانيا) لاحقا.
وهنا برزت أحزاب وحركات معينة أكثر من غيرها كحركة “القطاع اليميني”، وحزب الحرية (سفوبودا)، فضلا عن مجموعات عسكرية تطوعية، انضوت لاحقا ضمن الجيش الأوكراني في حرب الانفصاليين، ككتيبة “آزوف”.
وتحت عنوان محاربة هؤلاء وحماية الرعايا والأقليات، ضمّت موسكو شبه جزيرة القرم، ودعمت الانفصاليين وصولا إلى الاعتراف باستقلال جمهورياتهم، وإطلاق حرب واسعة على أوكرانيا.
النازية والتطرف
ومع أنها تعدّ فعلا أكثر الأطراف تمسكا باللغة الأوكرانية كلغة رسمية وحيدة في مؤسسات الدولة، تنفي الأحزاب والقوى والحركات القومية عن نفسها صفات النازية والتطرف والعنصرية ضد الناطقين والمنحدرين من أصول روسية وغيرها.
يقول يوري مينديوك الذي شغل منصب رئيس المكتب السياسي لحركة “القطاع اليميني”، للجزيرة نت، “كان لدينا نواب في البرلمان، وكانت لدينا كتيبة تقاتل الانفصاليين في شرق أوكرانيا، وكان من بيننا ناطقون بالروسية، الأولوية كانت ولا تزال للولاء للبلاد”، على حد قوله.
وأضاف “هذه دعاية تضليل روسية لتبرير أفعال الكرملين، جميع الأحزاب القومية خسرت الانتخابات البرلمانية في 2019، ومعظم الانتخابات المحلية لاحقا، فاختفت عن المشهد السياسي عمليا، لكن الدعاية الروسية استمرت، لأنها تحقق هدفها في داخل روسيا”، على حد قوله أيضا.
وربما يفهم في هذا الإطار أيضا ما قاله -ساخرا- نجم الرياضة والسينما الأميركي أرنولد شوارزنيجر، في مقطع مسجل قبل أيام عن أن “الرئيس الأوكراني ينحدر من أصول يهودية”، في نفي -على ما يبدو- لمزاعم وجود ظاهرة النازية والعنصرية في أوكرانيا.
وفي سياق متصل، يكاد يجمع معظم الأوكرانيين اليوم على أن وسمهم بالنازية هدفه الاستهلاك المحلي داخل روسيا، وحشد أكبر دعم شعبي ممكن للإجراءات المتخذة ضد أوكرانيا.
ميكولا شكارابان الذي عمل مديرا للاتصالات والبث الفضائي في قناة “UATV” الحكومية الأوكرانية يقول للجزيرة نت إن “روسيا خلقت هالة إعلامية حول شعبها، زاخرة بالدعايات المضللة، ولا تسمح بوصول وجهات نظر مغايرة إليه خشية انتشار الوعي، لهذا كنا محظورين -ككثيرين غيرنا- في الفضاء الإعلامي الروسي”.
وفي السياق ذاته، يقول المؤرخ أوليكساندر بالي إن تهمة الخيانة وُجّهت في أربعينيات القرن الماضي إلى أنصار بانديرا وتتار القرم، لا لأنهم تعاونوا مع النازيين، بل لأنهم ناهضوا الاتحاد السوفياتي.
ويرى قطاع واسع من الأوكرانيين أن حرب روسيا على بلادهم تستهدف القضاء على إرادتهم ومقومات بقاء دولتهم، لا على أي شيء آخر.
ويقول يوري ليفتشينكو النائب البرلماني السابق عن حزب الحرية (المتطرف كما تصفه وسائل إعلام روسية)، للجزيرة نت، إن “سلطات روسيا تحارب الإرادة الأوكرانية لا النازية، فهي تعلم أن النازية كذبة كبرى، ولهذا تسعى في حربها ومفاوضاتها لخلع مظاهر القوة عن البلاد (الحياد ونزع السلاح)، من دون خوض في الأكاذيب”، على حد قوله.
وأضاف “كل هذه الأكاذيب لا تنطلي على العالم وعلى الأوكرانيين، حتى في صفوف الناطقين والمنحدرين من أصول روسية، ستزول يوما هي وأكاذيب الأسلحة النووية والبيولوجية وغيرها”.
وحسب ليفتشينكو أيضا “في حرب روسيا علينا انتشر مصطلح روسيزم (النازية الروسية)، لأن مظاهرها تتجلى في أفعال وقرارات بوتين الذي يأمر بالقصف والقتل والتدمير، تماما كما فعل هتلر من قبل”، على حد وصفه.
المصدر : الجزيرة