الدوحة – أجرى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأحد مباحثات في مكتبه بالديوان الأميري، مع نائب المستشار الألماني والوزير الاتحادي للشؤون الاقتصادية وحماية المناخ روبرت هابيك، تتصدر جدول أعمالها إمدادات الغاز، في وقت تبحث فيه برلين عن بديل للإمدادات الروسية في أعقاب غزو موسكو لأوكرانيا.
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية القطرية “قنا” فقد تناولت المباحثات العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتنميتها في مختلف المجالات، لاسيما في مجال الطاقة، إلى جانب مناقشة آخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية.
وتأتي زيارة الدوحة في إطار تكثيف برلين خطواتها حيال مصدري الغاز الذين تأمل أن يحلوا مكان موسكو من ناحية الإمداد بالغاز، خاصة وأن ألمانيا تعد إحدى أكثر الدول المرتهنة لمصادر الطاقة الروسية، حيث إنها تستورد أكثر من نصف حاجياتها من الغاز وثلث نفطها من روسيا، وقد كانت برلين ولا تزال من أشد المعارضين للمطالب الأميركية بوقف الاستيراد من موسكو، ما لم تتوفر البدائل الفعلية لسد احتياجاتها.
ولئن لم يصدر عن الدوحة أي بيان يؤكد قبولها إمداد برلين بالغاز الطبيعي المسال، فإن الوزير الألماني قال عقب لقائه مع أمير قطر إنه تم الاتفاق “بشكل رائع” على الدخول في شراكة طويلة المدى في الطاقة.
وأضاف الوزير الألماني “اكتسب اليوم (الأحد) زخما قويا”، وأشار إلى أن دعم الأمير كان قويا على نحو هائل وبشكل أقوى مما كان متوقعا.
وأشار هابيك إلى أن ممثلي الشركات الذين جاؤوا معه إلى قطر، سيشاركون الآن بشكل عميق في المفاوضات التعاقدية مع الجانب القطري.
وقال إن الشراكة المتفق عليها مع قطر لا تشمل توريدات الغاز الطبيعي المسال فحسب، ولكنها تشمل أيضا توسيع نطاق الطاقات المتجددة وكذلك إجراءات كفاءة الطاقة، لافتا إلى أنه يمكن لشركات ألمانية تقديم الكثير في هذه المجالات.
ويبدو أن تصريحات الوزير الألماني متفائلة، حيث من المتوقع أن تصطدم بعثرات عدة أبرزها أن الصادرات القطرية من الغاز تذهب معظمها إلى آسيا في إطار عقود طويلة الأجل، ولا يمكن للدوحة أن تتنصل منها، هذا فضلا عن أن الدوحة لا تملك فائضا يخول لها تعويض الغاز الروسي.
وكان الوزير الألماني التقى قبل ذلك بنظيره القطري الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، وقال إنه يعتزم فتح مجالات أمام الاقتصاد الألماني في قطر، مثل التوسع في الطاقات المتجددة وكفاءة الموارد.
وكشف هابيك أنه يعتبر نفسه في قطر بمثابة “فاتح الباب” أمام صفقات ألمانية هناك. وأضاف أنه يرى فرصا أيضا بالنسبة إلى شركات ألمانية في قطر في مجال التقنية الطبية.
ولفت هابيك إلى أنه ناقش مع الوزير أيضا مسألة معايير العمل والسلامة المهنية، مشيرا إلى أن ذلك يعد أمرا “ضروريا للغاية” من أجل الاستثمارات، وقال “يعد ذلك من المنظور الاقتصادي قيمة مضافة وليس عبئا”، لافتا إلى أن وزير الاقتصاد القطري تفهم ذلك وأيده أيضا.
وفي ذات الوقت تعهد هابيك بطرح المخاوف بشأن حقوق الإنسان على جدول المباحثات، وذلك في محاولة للضغط على قطر التي تستضيف كأس العالم لكرة القدم هذا العام، وتواجه اتهامات متكررة باستغلال العمال المهاجرين.
ومن المقرر أن يغادر هابيك قطر في وقت لاحق من الأحد، متجها إلى الإمارات حيث يلتقي مع عدد من المسؤولين الاثنين.
ومن المتوقع أن تتركز المحادثات على الهيدروجين “الأخضر”، والذي ينتج عن استخدام الطاقة المتجددة بدلا من الوقود الأحفوري التقليدي.
وعلى العموم، فتح الغزو الروسي لأوكرانيا آفاقا دبلوماسية وتجارية لقطر المصدرة للغاز، للتوسع في مبيعات الطاقة إلى الغرب وتعزيز تحالفها مع واشنطن، وسط توتر بين الولايات المتحدة ودول خليجية أخرى.
وسعت الدوحة إلى اتخاذ موقف محايد إلى حد كبير إزاء الصراع، لكن أثناء محاولتها تجنب الانحياز إلى أحد الجانبين، أشارت إلى أنها يمكن أن تقدم مساعدة سياسية واقتصادية للشركاء الغربيين.
وعلى النقيض، قاومت السعودية والإمارات الضغوط الغربية لزيادة سريعة بشأن المعروض من الخام لاحتواء قفزة في أسعار الخام، حيث إن الأسعار الحالية تخدم مشاريعهما الطموحة، كما أنهما تبديان حرصا على عدم الانخراط في الصراع الجاري بين الغرب وروسيا، ومتمسكتان بالبقاء على مسافة واحدة من الجميع.
وفي المقابل ليس بمقدور قطر، التي تحرص على تقديم نفسها على أنها حليف وثيق للغرب، توفير الإمدادات المطلوبة، وبالتالي فمن غير المرجح أن تكون لهذه الزيارة تأثيرها.
وقبل جولته الخليجية ذكر هابيك أنه لم يتم حتى الآن تأمين إمدادات الغاز في ألمانيا بالكامل لفصل الشتاء المقبل.
وقال الوزير السبت في تصريحات لمحطة “دويتشلاند فونك” الألمانية الإذاعية “يعني هذا أنه إذا لم نحصل على المزيد من الغاز بحلول الشتاء المقبل، وتقلصت الإمدادات من روسيا، أو انقطعت، فلن يكون لدينا ما يكفي من الغاز لإبقاء جميع المنازل دافئة وتشغيل جميع الصناعات”.
وعلاوة على ذلك، أشار هابيك إلى أن “الغاز يُستخدم بشكل أساسي في الصناعة، في بداية سلسلة التوريد، ثم يكون هناك أو يمكن أن يكون هناك نوع من تأثير الدومينو”. وعن الاعتماد على مورد واحد مثل روسيا، قال هابيك “كان هذا ببساطة غباء”.
وتعرضت برلين لانتقادات لمعارضتها حظرا فوريا على النفط والغاز الروسيين من أجل تجفيف التدفقات المالية لموسكو. وتعتبر برلين أن مقاطعة كهذه ستزعزع الاقتصاد والمجتمع الألماني بسبب الارتفاع المتوقع في أسعار الطاقة وخطر الشح.
وأوضح هابيك أن الحل للخروج من معضلة “العاطفة والعقل” يكمن في “تأمين الإمدادات، ثم المضي قدما” بقطع الواردات الروسية، لكن البعد الأخلاقي في تجارة الهيدروكربونات “غير موجود”، حسبما قال الوزير عبر “أي.آر.دي”.
العرب