اعتبر كاتب عمود رئيسي في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، أن الهدف من زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى دبي لم يكن منحه شرعية بقدر ما كان منح شرعية لاتفاقات أبراهام «وللتطبيع الذي لا يعرف حدودا بين إسرائيل والإمارات».
وعلقت صحيفة لبنانية محسوبة على «حزب الله» وإيران على الزيارة فاعتبرتها «رسالة تمرد» إماراتية على موجة إعلامية أمريكية «تحاول الضغط على دمشق والأسد»، وربطته أيضا بالتقدم الحاصل في محادثات فيينا بين إيران والقوى العالمية، وبالصراع الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية حول أوكرانيا.
في المقابل رحب صحافي لبناني، يرأس صحيفة سعودية، بالزيارة قائلا إن “قدر سوريا أن تعود إلى أسرتها الطبيعية وقدر الأسرة أن تعود إلى سلوك طريق دمشق”.
تقدم التصريحات المذكورة ثلاث وجهات نظر من ثلاث جهات سياسية، تتوزع على مدار الطيف الإقليمي، لكنها تتفق على الترحيب بزيارة الأسد إلى دبي، وتقدم كل واحدة منها قراءتها الخاصة لها.
تضع القراءة الإسرائيلية الزيارة في إطار جر الأسد إلى «محور اتفاقيات أبراهام»، فيما تعتبرها القراءة الإيرانية إشارة إلى تمرد إماراتي على أمريكا، وتقرب من روسيا، كما تلمّح، بنعومة، إلى كونها تقربا من إيران، التي ستغدو في وضع سياسي ومالي وعسكري أقوى بعد توقيع الاتفاق النووي الجديد.
أما القراءة «السعودية»، فتبدو ضمن الإسناد العربي لهذا التحرك الإماراتي، لكن هذا يفسر الجملة الأولى في «تغريدة» الصحافي اللبناني (عودة دمشق لـ«الأسرة العربية»)، ولكنه لا يفسر الجملة الثانية التي تتحدث عن أن قدر «الأسرة» العربية هو «سلوك طريق دمشق»، والذي، باستثناء دلالته الدينية (التي تحيل في التقاليد الكاثوليكية إلى اهتداء شاؤول (القديس بولس) المفاجئ إلى الدين المسيحي)، لا يتناسب مع واقع الحال، لأن «سلوك طريق دمشق» على طريقة نظام الأسد، أوصل البلاد والعباد إلى كارثة كبرى لا يمكن تخيلها بحيث صار كثير من قادة الدول العربية يرهبون شعوبهم بسلوك تلك الطريق!
تتعارض هذه التفسيرات مع بعضها البعض بشكل يثير الالتباس.
تقول الصحيفة الإسرائيلية إن الإمارات تحاول لعب دور «الشرطي الطيب» (لتنفيذ أهداف «الشرطي السيء»: إسرائيل)، وإنها تعمل على «إحباط مؤامرات إيران»، عبر إخراج بشار الأسد (الذي، على حد وصفها، هو قاعدة المعسكر الذي تقيمه طهران في المنطقة) من نفوذ الإيرانيين، وتؤكد أنه «يجتهد» في الأشهر الأخيرة في تقييد نشاط إيران في أراضيه.
في المقابل قام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بزيارة إلى دمشق أمس، حيث أكد من العاصمة السورية أن «إيران وسوريا تقفان في خندق واحد»، وأن الجمهورية الإسلامية «تدعم سوريا بحكومتها وشعبها»، فيما رد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بطريقة التلميح، عن أن «مياها سارت تحت الجسور» وأن على المسؤولين السوريين العودة لاطلاع إيران على التطورات الأخيرة والتأكيد على «وقوفنا إلى جانب» إيران، وهو ما يمكن تفسيره بأن زيارة دبي كانت «سير مياه تحت الجسر»، لكن النظام ثابت على تأييده لقادة طهران!
الأغلب أن أطراف محور اتفاقيات أبراهام، و«الإسناد العربي» (السعودي والأردني) لهذا المحور، يعلمون أن «استعادة» الأسد، لن تؤدي إلى إبعاده عن إيران، وأن الصحيح أن طهران وموسكو يرحبان بشدة بفك العزلة عن الأسد ونظامه، وأن أي خطوة نحو النظام السوري سيء السمعة، والمعزول دوليا، والمعدم اقتصاديا، حتى لو كانت باتجاه إسرائيل، هو أمر يمكن الاستفادة منه والبناء عليه.
من هنا فإن الأحاديث البلاغية عن سلوك الأنظمة العربية «طريق دمشق»، وعن كون الإمارات »الشرطي الطيب» الذي يسحب الأسد من نفوذ طهران، وعن «المياه تحت الجسر»، لا تستطيع أن تخفي الواقعة العجيبة التي تجري، والتي يتم عبرها التوفيق عمليا بين أهداف طهران وإسرائيل عبر دمشق ودبي!
القدس العربي