هل تضع الحرب الروسية – الأوكرانية نهاية للسيطرة الغربية

هل تضع الحرب الروسية – الأوكرانية نهاية للسيطرة الغربية

واشنطن – بعد يومين من إرسال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقواته إلى أوكرانيا، نشرت وكالة الأنباء الروسية الحكومية ريا نوفوستي مقالا يفترض أن النصر الروسي حتمي، ويحتفي بعصر جديد يمثل نهاية للسيطرة الغربية، وينهي الارتباط بين الولايات المتحدة والقارة الأوروبية ويعيد روسيا إلى “مكانها وفضائها” المستحق في العالم.

ومع احتدام القتال في أوكرانيا بدا أن إعلان قيام “عالم روسي موحد” يضم إلى جانب روسيا أوكرانيا وبيلاروس لم يحن بعد. كما سحبت وكالة ريا نوفوستي مقالها الاحتفالي بسرعة.

ومع ذلك، يرى مارك شامبيون أحد كبار خبراء الشؤون الدولية في وكالة بلومبرغ للأنباء أن كاتب مقال ريا نوفوستي محق في أمر واحد فقط وهو أن الحرب ستؤدي إلى قيام نظام عالمي جديد، لكنه لن يكون النظام الذي يأمله بوتين.

ومن إستونيا إلى ألمانيا وبريطانيا تغيرت الآن مقاييس الدفاع عن أوروبا. ولم تعد فكرة نشوب حرب واسعة مع روسيا مستبعدة، وبالتالي تعيد الدول الأوروبية النظر في نفقاتها وما يمكن أن تشتريه وما تحتاجه لخوض القتال. وبدلا من أن تؤدي حرب أوكرانيا إلى تعميق انقسام الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، أدت إلى تماسك التحالف.

غزو أوكرانيا كانت له تأثيراته على كل أوروبا، بعد أن ثبت أن بعد المسافة لا يقدم حماية كبيرة في عصر الصواريخ الهايبرسونيك

وبدلا من انكماش الحلف إلى ما كان عليه قبل توسيعه في التسعينات كما كان بوتين يطلب قبل غزو أوكرانيا، نشر الحلف المزيد من القوات على حدوده الشرقية بالقرب من روسيا. وأرسل الناتو مؤخرا 3000 جندي إضافي والعديد من الدبابات والمروحيات والطائرات المقاتلة في دول شرق أوروبا الأعضاء لمنع الكرملين من التفكير في توسيع نطاق المعركة في أوكرانيا ليشمل دولا أعضاء في الناتو.

ويقول الجنرال ريتشارد بارونس القائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية “بغض النظر عن شكل نهاية الحرب، ومقدار التشاؤم الذي تثيره، سيقول المؤرخون إن هجوم بوتين على أوكرانيا منح أوروبا الوقت الذي تحتاجه لكي تتعافى وتتمكن من التصدي لروسيا الآن، وللصين في ما بعد”.

وأضاف بارونس أن “أوكرانيا تدفع ثمنا باهظا لكي تشتري لنا هذا الوقت”، والسؤال الكبير الآن بالنسبة إلى أوروبا هو ما الذي ستفعله بهذا الوقت.

وتعهدت ألمانيا بإنفاق 100 مليار يورو (110 مليارات دولار) إضافية على الدفاع، وهو المثال الأشد وضوحا على تزايد النزعة العسكرية في أوروبا، وهو ما ستكون له تداعياته على توازن القوى داخل أوروبا بالإضافة إلى توازن القوة مع روسيا.

كما زادت دول أوروبا الأخرى بما في ذلك دول البلطيق الصغيرة الثلاث ميزانياتها العسكرية، وهو ما يمثل جرس إنذار بالنسبة إلى بوتين.

كما طالبت دول البلطيق الثلاث، إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، حلف الناتو بإقامة قواعد عسكرية دائمة له على أراضيها، إلى جانب أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى، حتى لو لم تحصل على كل ما تطلب. هذه المطالب بالتأكيد ليست نتيجة للاستقرار في أوروبا وإنما اعتراف بفقدان الاستقرار.

وتقول هيونا هيل كبيرة مديري إدارة الشؤون الأوروبية والروسية في مجلس الأمن القومي الأميركي سابقا إن “غزو بوتين لأوكرانيا هو محاولة لانتزاع الأراضي في مرحلة ما بعد الإمبراطورية والاستعمار… فإذا سمحنا بحدوث هذا، فإننا نضع بهذا سابقة للمستقبل”.

وفي الوقت نفسه يرى شامبيون في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أنه يمكن إنفاق هذه المليارات الإضافية التي تم تخصيصها للأغراض العسكرية بشكل فعال أو غير فعال. ومع تلاشي حالة الصدمة الأولية التي سببتها الحرب والإلهام الذي أثارته المقاومة الأوكرانية، قد تتلاشى وحدة وتصميم حلف الناتو أيضا. وقد يتمكن بوتين من تحقيق بعض أهدافه، في حين أن هناك مؤشرات على أنه قد يختار عزلة روسيا والاضطراب الدائم في أوكرانيا وأوروبا، بدلا من الاعتراف بخطأه. فهزيمته يمكن أن تثير الشكوك حول بقائه السياسي.

ويقول ديفيد شلاباك كبير باحثي الدفاع في مؤسسة راند كورب الأميركية للأبحاث “مازال الأمر سباقا، إنه سباق حفزونا فيه على بدء الجري، لكن مازالت هناك مسابقة لم يتحرك أي طرف فيها للفوز أو للخسارة. مازالت هناك الكثير من الأوراق المطلوب اللعب بها على جانب الناتو لكي نحقق الفوز”.

ويقول ميشيل مازار المساعد الخاص السابق لرئاسة هيئة الأركان المشتركة الأميركية إن الجيش الروسي مازال يتعرض للقصف، ومخزونه من الصواريخ الموجهة ينفد. لذلك وبعيدا عن أي تصعيد كارثي للصراع الحالي، فإن أي حرب روسية مع حلف الناتو في المستقبل أصبحت أقل احتمالا مما كان عليه الحال قبل بدء الحرب في أوكرانيا يوم الرابع والعشرين من فبراير.

بالطبع سيحتاج الجنرالات الروس إلى ثلاث أو خمس سنوات لاستيعاب الدروس وإعادة تجميع وتسليح الجيش، لكنهم سيعانون من تأثيرات العقوبات الدولية على بلادهم والتي ستحد من قدرة روسيا على الحصول على التكنولوجيا والتمويل من الخارج. وفي الوقت نفسه سيعيد حلف الناتو تسليح نفسه.

ويقول مازار إن هذا هو ما يثير القلق بشأن تغيير نظام الأمن في أوروبا. فالاستقرار بين القوتين يعتمد على الوصول إلى شكل من أشكال الاتفاق المشترك على بقاء الأمر الواقع. وهذا هو ما حدث مع الاتحاد السوفيتي بعد ستينات القرن الماضي، لكنه لم يحدث مع روسيا تحت حكم بوتين. ومهما كانت حكمة قرار توسيع حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة، فإن الوصول إلى اتفاق من هذا النوع الآن أصبح مستحيلا.

ويضيف مازار أنه بعد حرب أوكرانيا “لن يتم التعامل مع نظام الحكم الروسي باعتباره شريكا جيوسياسيا للغرب… فنحن الآن عالقون في مواجهة مفتوحة مع قوة عظمى خطيرة تضمحل وتشعر بالمهانة وتتبنى نزعة وطنية شديدة التطرف”.

وفي الوقت نفسه فإن غزو بوتين لأوكرانيا كانت له تأثيراته على مختلف أنحاء أوروبا، بعد أن أدرك الجميع أن بعد المسافات لا يقدم حماية كبيرة في عصر الصواريخ الهايبرسونيك أي الأسرع من الصوت خمس مرات على الأقل، والحروب السيبرانية والاقتصادية، بحسب الجنرال البريطاني المتقاعد بارونس الذي يشغل حاليا منصب الرئيس المشارك للمؤسسة العالمية لحلول الدفاع والأمن. وأضاف “الأمر لا يحتاج إلى أكثر من 90 دقيقة لتجد صواريخ كروز فوق لندن”.

العرب