طرابلس – تعيش مدن في ليبيا أزمة غذاء حقيقية في ظل نقص حاد في مادة الدقيق بالأسواق المحلية، مما ينبئ بأزمة متوقعة تشهدها البلاد بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية.
ورغم طمأنة السلطات الليبية المواطنين بوصول شحنات جديدة من القمح إلى ميناء طرابلس البحري ووجود مخزون يكفي من القمح، فإن أسعار الدقيق ارتفعت بشكل كبير مما تسبب في إغلاق عدد من المخابز ورفض مخابز أخرى شراء الدقيق بأسعار مرتفعة يعتبرها كثيرون “مبالغا فيها”.
وتوقف دخول الشاحنات المحملة بالدقيق إلى بعض المناطق والمدن حيث تعاني مناطق نائية من انعدام مادة الدقيق مما يعرض حياة المواطنين فيها للخطر، وسط تحذيرات من منظمات حقوقية من أزمة انعدام الأمن الغذائي وأن ليبيا رفعت الدعم عن الخبز والسلع الغذائية الأساسية منذ سنوات.
ويتخوف تجار ومستهلكون من تنامي نقص الدقيق واختفائه من الأسواق، حيث لجأ تجار ومطاحن ومخابز إلى إخفائه خوفا من انعدامه من السوق أو ارتفاعه إلى مبالغ خيالية الفترة المقبلة، وسط خشية من عدم قدرة الدولة على مواجهة الأزمة.
وتشهد ليبيا ارتفاعا ملحوظا بأسعار الدقيق وجل المنتجات المتعلقة به نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا التي تعد أحد أهم موردي الدقيق إلى البلاد، حيث تحاول الدولة البحث عن مصادر أخرى لتغطية احتياجاتها من القمح إذا استمرت هذه الحرب.
وقد قفزت أسعار الحبوب في الأسواق العالمية بعد أن فرضت دول قيودا على صادرات القمح على خلفية ارتدادات الحرب الروسية على أوكرانيا.
مخابز مغلقة
وأكد عضو مجلس إدارة الشركة الوطنية للمطاحن بالمنطقة الشرقية عبد الرحيم ثابت أن هناك مخابز في مدن مختلفة أغلقت أبوابها بعد ارتفاع سعر سلعة الدقيق وعدم وجودها في بعض المناطق، وارتفاع سعر الأيدي العاملة.
وأضاف ثابت للجزيرة نت “نحن متوقفون في شركة المطاحن عن الإنتاج منذ سنة و4 أشهر بسبب نقص المواد الخام، وعدم فتح الاعتمادات المالية المستندية أمام شركة المطاحن التابعة للدولة بفرعيها لاستيراد القمح بسعر يتناسب مع إمكانيات المواطنين، فضلا عن ضرورة تسوية الديون المرتبة على شركة المطاحن”.
ويرى أن مشكلة الدقيق إذا لم تحل في القريب العاجل فستتعرض ليبيا لأزمة غذاء حادة قد تخرج المواطنين في ثورة من أجل الحصول على الخبز باعتبار الدقيق مصدرا أساسيا لكل أسرة.
وأردف “البعض يتحجج بنقص الدقيق بسبب الحرب في أوكرانيا، وليبيا مرت من قبل بهذا النقص في القمح عندما منعت السلطات استراد القمح من أوكرانيا والدول المجاورة لها عند انفجار المحطة النووية في أوكرانيا، لكن في ذات كانت هناك مصادر بديلة حيث تم استيراد القمح وقتها من الأرجنتين وإيطاليا وفرنسا ولم تتعرض البلاد لنقص أو ارتفاع في الأسعار مثل الآن”.
وصرح ثابت بأن مصانع شركة المطاحن الوطنية التابعة للدولة قادرة على الإنتاج بكميات كبيرة للدقيق، وبجودة عالية محكومة بالمواصفات القياسية الليبية إذا توفر القمح والدعم اللازم ماليا من الحكومة.
رفض بيع الدقيق
بدوره، أكد رئيس نقابة الخبازين أبوخريص محمد أن المطاحن رفضت بيع الدقيق على السعر المحدد من وزارة الاقتصاد بسعر 230 دينارا (45 دولارا) للقنطار الواحد، وتريد بيعه بسعر 300 دينار (65 دولارا).
وتابع محمد في تصريحه للجزيرة نت “لا يوجد دقيق في السوق، والمتحكم في الوضع الحالي هم التجار وأصحاب المطاحن الذين رفعوا الأسعار بشكل كبير خلال الأيام الماضية”.
وأوضح أن هناك جهات أمنية مختلفة -من بينها جهاز الأمن الداخلي- تتحرك حاليا في هذا الملف لإيجاد حل ومعرفة أسباب الأزمة ومن المسؤول عنها، مشيرا إلى أن النقابة تنتظر نتائج هذه التحركات من الجهات الأمنية.
وأشار رئيس نقابة الخبازين إلى أن النقابة عرضت على وزارة الاقتصاد بيع رغيف الخبز بتكلفته الأساسية خلال شهر رمضان المبارك دون هامش ربح، مقابل أن تتعهد الوزارة بتوفير الدقيق للمخابز خلال هذه الفترة.
السيطرة على الإنتاج
واعتبر محمد بشير، وهو صاحب مخبز في مصراتة، أن التجار وأصحاب المطاحن الخاصة هم المتحكمون في سعر الدقيق بسبب سيطرتهم على إنتاجه، في ظل تعثر المطاحن التابعة للدولة وغياب الأجهزة الأمنية عن مراقبة الأسعار في السوق المحلي.
وقال بشير للجزيرة نت “أبلغت اليوم أصحاب المطاعم الذين يشترون مني الخبز أن سعر الخبز سيزيد بداية من يوم الغد لارتفاع سعر التكلفة بحيث ستصبح كل 3 أرغفة بدينار واحد بعدما كانت 4 أرغفة”.
وأفاد بأن مخبزه يعمل بشكل عادي بعد حجز كمية من الدقيق، مع خفض كمية الإنتاج ورفع السعر من أجل ضمان عدم حدوث عجز في الدقيق حتى نهاية شهر رمضان المبارك.
وأوضح بشير أن بعض المخابز في طرابلس وبنغازي وسبها أغلقت بسبب نقص مادة الدقيق ذي الجودة العالية، والذي وصل سعره حتى 300 دينار للقنطار الواحد.
ويرى أن الحكومة والجهات المختصة يجب أن تقوم بمسؤولياتها تجاه توفير الغذاء للمواطنين، وخاصة أن الدقيق والخبز يعد من ركائز المائدة الليبية.
المصدر : الجزيرة