الجنيه المصري.. كيف بدأت رحلته ولماذا تهاوت قيمته عبر السنين؟

الجنيه المصري.. كيف بدأت رحلته ولماذا تهاوت قيمته عبر السنين؟

ولد الجنيه الورقي المصري عملاقا فتيا منافسا لأشهر وأقوى العملات حول العالم، ولكنه بعد رحلة عمر طويلة امتدت لأكثر من 123 عاما تراجع بشدة فاقدا بريقه وقوته.

وبينما كان الجنيه المصري في عنفوانه يفوق الجنيه الإسترليني ويعادل 5 دولارات أميركية، فقد ظلت قيمته في تراجع حتى تجاوز سعر صرف الدولار 18 جنيها مصريا، فكيف بدأت رحلة الجنيه المصري وكيف تهاوت قيمته عبر السنين؟

بداية الرحلة

في 25 يونيو/حزيران عام 1898 أصدر الخديوي عباس حلمي الثاني “دكريتو” (مرسوما) بمنح رفائيل سوارس حق امتياز إنشاء البنك الأهلي المصري، ومنح البنك الحق في إصدار أوراق مالية لمدة 50 عاما يتم قبولها لدفع الأموال الأميرية، مع أحقية صرف هذه الأوراق بالذهب عند الطلب.

ونص قانون البنك الأهلي على أن يكون غطاء أوراق النقد على أساس النصف من الذهب والنصف الآخر من أوراق مالية تحددها الحكومة المصرية.

وفي 5 يناير/كانون الثاني 1899 كان ميلاد الجنيه المصري الأول، وتم تثبيت سعر صرف الجنيه الورقي المصري مقابل الذهب بحيث كانت قيمة الجنيه الواحد تساوي 7.43 غرامات من الذهب، ولم تكن النقود الورقية إلزامية ولكنها كانت قابلة للتغيير بالذهب عند الطلب.

ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، صدر الأمر العالي من حاكم مصر في الثاني من أغسطس/آب 1914 بوقف صرف هذه النقود بالذهب واعتمادها النقد الرسمي القانوني لمصر، وربطها بالجنيه الإسترليني وكان سعر الصرف القانوني للجنيه الإنجليزي 97.5 قرشا مصريا (الجنيه المصري يساوي 100 قرش).

عرش العملات

ظل الجنيه المصري منذ يومه الأول ولأكثر من 60 عاما من أعلى عملات العالم قيمة، وكان يتفوق على عملات الدول الكبرى بما فيها الجنيه الإسترليني والدولار الأميركي، وإن كانت قيمته قد تفاوتت عبر السنين نتيجة الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية الكبرى التي شهدها العالم في النصف الأول من القرن الـ20.

وكان لارتباط الجنيه المصري رسميا بالعملة الإنجليزية حتى عام 1947 واضطرارا لعدة سنوات بعد ذلك، دور في بعض التراجع الذي شهدته قيمة الجنيه خلال هذه الفترة، وإن ظل يحتفظ بمكانته أمام عملات العالم المختلفة وأهمها الدولار.

وتُظهر تقارير أسعار صرف العملات الواردة في نشرة الاحتياطي الفدرالي الأميركي منذ عشرينيات القرن الماضي أن الجنيه المصري كان أعلى العملات قيمة أمام الدولار الأميركي من بين 39 عملة مختلفة كانت ترد في التقرير بشكل دوري.

محطات تاريخية

ويمكن تقسيم المراحل التاريخية التي مر بها سعر صرف الجنيه المصري منذ اعتماده نقدا رسميا للدولة إلى عدة محطات كالتالي:
التفوق منذ بداية القرن الـ20 وحتى عام 1939 كان الجنيه المصري يساوي 5 دولارات تقريبا ولم تشهد هذه الفترة تراجعا في سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار إلا لسنوات ثلاث بدأت في عام 1931 بعد تخفيض قيمة الجنيه الإسترليني وتبعه في ذلك باقي العملات المرتبطة به.

وانخفض سعر صرف الجنيه المصري عام 1931 ليساوي 4.6 دولارات ثم انخفض إلى 3.6 دولارات عام 1932، قبل أن يبدأ في الارتفاع مجددا عام 1933 بعد قرار الولايات المتحدة خفض الدولار الأميركي إلى 59.06% من قيمته المعدنية في مارس/آذار 1933

ليصبح الجنيه مساويا لـ4.34 دولارات.

وسريعا عاد الجنيه المصري بقوة في العام التالي 1934 ليتجاوز الـ5 دولارات (5.16 دولارات)، وظل خلال السنوات التالية متجاوزا حاجز الـ5 دولارات حتى بدأ في التراجع عام 1939 مع بداية الحرب العالمية الثانية.

تراجع محدود

ظل الجنيه المصري يتراجع منذ بداية عام 1939 حتى وصل في سبتمبر/أيلول شهر اندلاع الحرب العالمية الثانية إلى 4.32 دولارات، ولـ10 سنوات استقر سعر الجنيه عند 4 دولارات تقريبا، قبل أن يتراجع بنحو 30.5% في سبتمبر/أيلول 1949.

قبل ذلك التاريخ بعامين وتحديدا في يوليو/تموز 1947 فكت مصر ارتباط عملتها الرسمي بالجنيه الإسترليني، وسبق ذلك انضمامها إلى صندوق النقد الدولي، وكانت قيمة الجنيه المصري في ذلك الوقت تساوي 3.67 غرامات من الذهب الخالص، وتعادل 4.13 دولارات.

ورغم فك الارتباط مع العملة الإنجليزية ظل الجنيه المصري متأثرا بتقلبات الجنيه الإسترليني لأن غطاءه النقدي كله تقريبا كان لا يزال مكونا من سندات بريطانية، لذلك فعندما خفض الجنيه الإسترليني في سبتمبر/أيلول سنة 1949 بمقدار 30.5% من قيمته تبعه الجنيه المصري بعد ربع ساعة فقط بنفس القيمة لتنخفض قيمته إلى 2.87 دولار.

استقرار نسبي

ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الدولار الأميركي يساوي حوالي 0.35 جنيها تقريبا، وهو السعر الذي استمر حتى عام 1961، قبل أن ينخفض الجنيه قليلا ليصبح سعر الدولار 0.4 جنيه عام 1962 ثم 0.43 جنيه منذ عام 1963 إلى عام 1972، وفق البيانات المتاحة في قاعدة بيانات البنك الدولي عن العملة المصرية

استقرار نسبي

ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الدولار الأميركي يساوي حوالي 0.35 جنيها تقريبا، وهو السعر الذي استمر حتى عام 1961، قبل أن ينخفض الجنيه قليلا ليصبح سعر الدولار 0.4 جنيه عام 1962 ثم 0.43 جنيه منذ عام 1963 إلى عام 1972، وفق البيانات المتاحة في قاعدة بيانات البنك الدولي عن العملة المصرية.

وفي 21 مارس/آذار 2022 استيقظ المصريون على حلقة جديدة من مسلسل تراجع الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، في إطار ما قالت السلطات إنها محاولة لتجاوز التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا.

وقفز متوسط سعر صرف الدولار الأميركي داخل البنوك المصرية ليصل إلى 18.26 جنيها للبيع و18.17 جنيها للشراء، ثم ارتفع إلى 18.55 للبيع و18.45 للشراء في اليوم التالي قبل أن يتراجع إلى 18.42 للبيع و18.32 جنيها للشراء بنهاية يوم أمس الأربعاء 23 مارس/آذار.

الجزيرة