شكلت مشاركة الحرس الثوري الإيراني في معرض دفاعي بحري احتضنته العاصمة القطرية الدوحة إحراجا لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي لطالما تعاطت بسلبية حيال المعطيات الاستخبارية الواردة إليها من بعض الحلفاء عن علاقة متقدمة للدولة الخليجية بهذه القوة العسكرية المصنفة على لائحة الإرهاب الأميركية.
واضطرت الإدارة الأميركية بعد مرور ثلاثة أيام على فعاليات معرض ديمدكس إلى الخروج والتعبير عن تحفظها على مشاركة الحرس الثوري، وجاء الموقف الأميركي على إثر قيام وسائل إعلام غربية بتسليط الضوء على هذه المشاركة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في بيان “نرفض وجود إيران في معرض للدفاع البحري نظرا لأن إيران وحدها هي التي تهدد الأمن والاستقرار البحري في أنحاء منطقة الخليج”.
وشهد معرض ديمدكس الذي انطلق الاثنين واختتمت فعالياته الأربعاء، حضور عدد من قادة الحرس الثوري الذين احتسوا الشاي وتناولوا التمر وعرضوا نماذج لصواريخ ومسيرات إيرانية في جناح خصص في المعرض لإيران، وللمفارقة أن بجانب هذا الجناح كانت شركات أميركية كبرى تعرض هي الأخرى أحدث نماذجها من الأسلحة والمعدات الدفاعية.
ويرى مراقبون أن الرفض الأميركي المتأخر يبدو محاولة لرفع الحرج الذي تسببت به الدوحة، وكانت الإدارة الأميركية حرصت خلال الفترة الأخيرة على تضخيم صورة قطر وتسويقها على أنها الحليف الموثوق به في المنطقة، في وقت تشهد فيه العلاقة بين الولايات المتحدة من جهة والسعودية والإمارات من جهة ثانية برودا.
نيد برايس: نرفض وجود إيران في معرض الدوحة للدفاع البحري
وكانت إدارة بايدن أعلنت في وقت سابق من الشهر الجاري عن تصنيف قطر حليفا استراتيجيا من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وقبلها منحتها مهمة إدارة مصالح الولايات المتحدة في أفغانستان.
ويقول المراقبون إن مشاركة قادة من الحرس الثوري في المعرض الدفاعي في الدوحة أربكت إدارة بايدن التي سبق وأن مكنت قطر من هامش مهم من الحركة لاسيما في التعاطي مع إيران وذلك لتسهيل عملها كوسيط بينهما، لكن ليس إلى درجة استقبال قيادات من الحرس الثوري، المصنف إرهابيا، على أراضيها.
وفي محاولة لاحتواء الانتقادات الموجهة ولتخفيف الحرج، قال مسؤول قطري في بيان الخميس إنه لم يتم توجيه دعوة للحرس الثوري الإيراني. وأضاف المسؤول أن “المشاركة في المعرض والجناح كانت من خلال وزارة الدفاع الإيرانية ولم توجه دعوات للحرس الثوري الإيراني”.
واعتبر المراقبون أن محاولة الدوحة التملص من مسؤوليتها عن حضور قادة في الحرس الثوري هي بمثابة “عذر أقبح من ذنب”، وأن لا أحد يمكن أن يصدق الرواية القطرية بعدم علمها ومباركتها لهذه المشاركة.
وأشار هؤلاء إلى أن ردود فعل الدوحة تعكس شعورا بأنها استعجلت في استضافة قادة من الحرس الثوري على أراضيها، وأنها كانت تعتقد أن مثل هذه الخطوة قد تكون جيدة مع الأنباء الواردة عن إمكانية إقدام واشنطن على رفع هذه المنظمة عن قائمة الإرهاب، ضمن آخر القضايا التي يجري بحثها في محادثات غير مباشرة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015.
ولطالما أثارت علاقة الدوحة بالحرس الثوري الإيراني جدلا واسعا، وكانت وسائل إعلام أميركية أفادت في يوليو الماضي عن قيام وزارة الخارجية الأميركية بفتح تحقيق في معطيات تفيد بتمويل قطر لهذه القوة التي استطاعت أن تتوسع في السنوات الأخيرة عبر تشكيل ميليشيات في عدد من دول الشرق الأوسط.
ونقلت صحيفة “واشنطن إكزامينر” حينها عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية القول “نحن نبحث في هذه المزاعم”.
وكانت أثيرت مسألة تمويل قطر لأنشطة الحرس الثوري أول مرة خلال اجتماع حصل في البيت الأبيض في يونيو الماضي بين الرئيس الأميركي بايدن ونظيره الإسرائيلي السابق رؤوفين ريفلين.
ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” في حينها عن مسؤول دبلوماسي إسرائيلي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، القول إن “ريفلين زود البيت الأبيض بمعلومات استخبارية تتعلق بالتمويل الذي قدمته قطر للحرس الثوري الإيراني”.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن المسؤول أشار إلى أن “هذه المعلومات أقلقت المسؤولين الأميركيين الذين حضروا الاجتماع”.
وأكد موقع القسم الإيراني في “إذاعة صوت أميركا” أن إسرائيل قدمت بالفعل معلومات استخبارية لإدارة بايدن حول تمويل قطر للحرس الثوري، وذلك نقلا عن مسؤول دبلوماسي مطلع على الاجتماع. ولم تكن هذه المعطيات الأولى عن علاقة قطر بالحرس الثوري، فسبق وأن تحدث الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد عن قيام الدوحة بدفع فدية مالية لمجموعة متطرفة في سوريا مقابل الإفراج عن العشرات من عناصر هذه القوة المنتشرة في هذا البلد.
وقال نجاد في تصريحات صحافية “إن أمير قطر السابق (الأمير الوالد) الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني دفع 57 مليون دولار للإفراج عن 57 رجلا في الحرس الثوري، أسروا على يد جماعة مسلحة في سوريا”، بواقع مليون دولار عن كل رهينة.
وبحسب الرئيس الإيراني الأسبق الذي أدلى بتصريحاته من ميناء دير بمحافظة بوشهر جنوب إيران في مايو الماضي، فإن هذه الواقعة جدت في العام 2012 أي بعد أشهر قليلة من تفجر الأزمة السورية التي تحولت لاحقا إلى صراع مسلح.
وإلى اليوم لم تظهر أي مستجدات بشأن التحقيق الذي فتحته الخارجية الأميركية حول دعم قطر للحرس الثوري، ويرى متابعون أن هذا الأمر ليس بمستغرب فإدارة بايدن تتعاطى بازدواجية شديدة ليس فقط مع الخصوم بل والحلفاء أيضا فمن جهة تضغط على المملكة العربية السعودية في ملفات داخلية، وفي المقابل تغض الطرف عن قطر وسلوكياتها لاسيما في علاقة بارتباطاتها المشبوهة بعدد من القوى والتنظيمات المصنفة إرهابية.
صحيفة العرب