الأزمة الأوكرانية تحفز تحالفات جديدة في أوروبا

الأزمة الأوكرانية تحفز تحالفات جديدة في أوروبا

واشنطن – اتخذت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا قبل أكثر من شهر موقفا جماعيا ضد موسكو إظهارا للوحدة في المواقف، لكن بين طيات هذا الموقف كانت هناك بعض الاتجاهات لتغليب المصالح الذاتية أحيانا على الموقف الجماعي.

ويقول الباحث سومانترا ميترا إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ذكر في خطاب ألقاه أمام الاتحاد الأوروبي والذي خص فيه ألمانيا بعدم فهم ما يجري في أوكرانيا وانتقد المجر على وجه الخصوص لحيادها “أريد أن أتوقف هنا وأن أكون صادقا. عليكم أن تقرروا بأنفسكم من أنتم نهائيا وبشكل حاسم”.

وذكر ميترا، الباحث في مركز ناشونال إنتريست، أن زيلينسكي أشار إلى النصب التذكاري “أحذية على ضفاف نهر الدانوب” للهولوكوست، واستهدف بكلماته رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، حيث أبدى غضبه بشكل واضح من تحفظ المجر وحيادها، قائلا “انظروا إلى تلك الأحذية، وسترون كيف يمكن أن تحدث عمليات القتل الجماعي مرة أخرى في عالم اليوم. وهذا ما تفعله روسيا الآن”.

وفي ظل العرض السطحي للوحدة عبر الأورو – أطلسي، لا تزال هناك اختلافات حادة في الداخل. ودائما ما تكون فرضية زمن الحرب صعبة، ولكن حتى الآن وتحت خطر التعميم، تظهر ثلاث مجموعات فرعية متميزة بين دول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ودوافعها مهمة للتحليل، بدلا من فكرة مبسطة مفادها أن هناك بعض الوحدة “الغربية” الواسعة. ويقول ميترا إنه يمكن أن يُطلق على تلك المجموعات على التوالي: قوى الوضع الراهن والموازنون والتبشيريون.

الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة اتخذت منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا قبل أكثر من شهر موقفا جماعيا ضد موسكو إظهارا للوحدة في المواقف

وتعد فرنسا وألمانيا والمجر، برأي ميترا، أمثلة نموذجية على قوى الوضع الراهن في هذا السياق، مشيرا إلى أن الدافع الرئيسي لسلطات الوضع الراهن هو منع الحرب من الانتشار، فضلا عن التوصل إلى تسوية واستعادة التجارة، والدافع الأساسي للتبشيريين هو دحر روسيا، والدافع الأساسي للموازنين هو ضمان تحول الغزو الروسي إلى مستنقع، دون الانزلاق إلى صراع أوسع.

وعلى الرغم من أن المجر وفرنسا وألمانيا غالبا ما تقع على طرفي نقيض في ما يتعلق بأسئلة محددة حول الاتجاه المستقبلي للاتحاد الأوروبي، إلا أن اصطفافها بشأن روسيا واضح. وأيدت الحكومة المجرية بقوة قرار حلف شمال الأطلسي بعدم إقامة منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، وقالت أيضا إنها سوف تعترض على إرسال بعثة سلام إلى أوكرانيا.

وأوضح وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو أن إقامة منطقة حظر جوي تعني الحرب، تماما كما أن إرسال قوات إلى أوكرانيا لحفظ السلام من شأنه أيضا أن يخاطر بالحرب. وقال سيارتو إن “مصلحة المجر واضحة (..) المجر تريد البقاء خارج هذه الحرب، وسنلتزم بالموقف المشترك لحلف شمال الأطلسي ونرفض المقترحات التي تخاطر إما بحرب جوية أو حرب ممتدة على الأرض”، مضيفا أن الحرب يجب أن تظل محلية وألا تنتشر خارج أوكرانيا.

وعلى أية حال، فقد انحازت المجر إلى ألمانيا وفرنسا. واستبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل قاطع أي تدخل لحلف شمال الأطلسي، أو منطقة حظر جوي، وغرد على تويتر قائلا “إنه في حين تدعم فرنسا بحذر إرسال أسلحة دفاعية وفتاكة، فإنها تريد من الناتو تجنب أن يصبح شريكا في الحرب”.

ورفض المستشار الألماني أولاف شولتس مؤخرا فرض عقوبات على الطاقة الروسية (التي يطلق عليها الأوكرانيون اسم أموال الدماء)، قائلا إن من شأنها أن تؤدي إلى ركود أوروبي.

ومن المثير للاهتمام أن هذا يدل أيضا على اختلاف متزايد بين المجر وبولندا، وهما حكومتان محافظتان يمينيتان اسميا (يحتقرهما الليبراليون الغربيون) وتجدان نفسيهما على الجانبين المعاكسين للقضية الروسية.

وتتحرك بولندا والمجر نحو الانقسام في المجلس الأوروبي، حيث تضغط وارسو لفرض عقوبات على واردات الغاز والنفط والفحم الروسية وإرسال بعثة إنسانية لحلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، وتمنع المجر العقوبات (إلى جانب ألمانيا) على واردات الطاقة وتسعى لتجنب أي تورط للناتو.

ويرى ميترا أن هذه المجموعة من الدول، التي تتألف من بولندا ودول البلطيق وفنلندا، هي ما يمكن تسميتها بمجموعة التبشيريين. ويقول إنها متطرفة في مطالبها حول تحقيق التوازن مع روسيا، كما أنها في طليعة الدول المطالبة بألا يحتاج الناتو إلى حدود، والتوسع في مشاركة الحلف خارج المنطقة.

العرب