البرهان في القاهرة لحل مشكلات أمن البحر الأحمر

البرهان في القاهرة لحل مشكلات أمن البحر الأحمر

القاهرة – قالت مصادر مصرية إن أمن البحر الأحمر كان ضمن جدول أعمال القمة التي عقدها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان في القاهرة الأربعاء، بعد أن أثارت الخرطوم لغطا دوليا وإقليميا بشأن إمكانية السماح بتدشين قواعد عسكرية على سواحلها، ما فتح المجال أمام تكهنات بوجود قواعد روسية يمكن أن تكون لها تداعيات على أمن الإقليم.

وأصدرت مصر والسودان بيانا مشتركا لزيارة البرهان للقاهرة الأربعاء، أكد أهمية الروابط الأخوية المتينة والأزلية ووحدة المصير المشترك بين البلدين.

وعقدت جلسة مباحثات منفردة أعقبتها جلسة موسعة ضمت وفدي البلدين، واستعرض الجانبان العلاقات الثنائية والإعراب عن الارتياح لمستوى التنسيق بينهما، وأهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية وزيادة التبادل التجاري، بما يرقى إلى مستوى الزخم القائم في العلاقات السياسية وتعميق التعاون على الصعيدين الأمني والعسكري.

وجاءت زيارة البرهان ضمن تحركات إقليمية وعربية قام بها مؤخرا قادته إلى جنوب السودان والسعودية وقبلهما الإمارات، مؤكدا استمرار “التعاون الاستخباراتي والأمني والسياسي لدرء أي عمل إرهابي وتأمين ملاحة البحر الأحمر”.

وبدا واضحا أنه يريد إنهاء تقاطعات سلبية تسبب فيها نائبه محمد حمدان دقلو “حميدتي”، عقب زيارته لروسيا التي تزامنت مع تدخلها العسكري في أوكرانيا، ولفت وقتها إلى أن بلاده “ليست لديها مشكلة مع روسيا أو أي دولة أخرى في ما يتعلق بإقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر، شرط ألا تشكل تهديدا للأمن القومي”.

وترى دوائر سياسية أن وجود قواعد عسكرية روسية على البحر الأحمر الذي يحظى بأهمية استراتيجية لتأمين الملاحة البحرية في قناة السويس، يشكل تهديدا مباشرا للأمن المصري في حال تصاعد الصراع بين روسيا والولايات المتحدة، ويبعثر وجود موسكو الأمني في السودان أوراق بعض الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

علي يوسف الشريف: البرهان درج على التشاور مع السيسي بشأن شؤونه الداخلية

وأشارت مصادر أمنية مصرية لـ”العرب” إلى أن القاهرة لديها مخاوف من تحول العمليات الإرهابية التي تقوم بها ميليشيات الحوثي ضد الإمارات والسعودية إلى تهديد لاحق للملاحة في البحر الأحمر، وتحدث صراعا واسعا إقليميا ضاريا.

وأضافت المصادر ذاتها أن القاهرة تسعى للحفاظ على حالة من التهدئة في البحر الأحمر ولا تريد الزج به في صراعات، تماشيا مع التطورات الحالية على مستوى الملف النووي مع إيران، وما يتمخض عن توقيع اتفاق جديد مع طهران، بجانب اضطراب العلاقة بين موسكو والدول الغربية.

وقالت المصادر إن لقاء السيسي والبرهان تطرق إلى ملفات متباينة، بينها توسيع دوائر التنسيق بين الدول المطلة على البحر الأحمر والحفاظ على أمن قناة السويس كخط ملاحة عالمي، وعدم وجود تهديدات تؤثر على قدرتها على تأمين باب المندب.

واستبق البرهان زيارته للقاهرة بإصدار مرسوم دستوري قضى بأن يكون وزير الدفاع مختصا بتنفيذ قانون المناطق البحرية والجرف، على أن تؤول جميع السلطات الخاصة بتنفيذ القانون لوزير الدفاع بدلا من المفوضية القومية للحدود.

وهي خطوة استهدفت طمأنة الشركاء الإقليميين وأن يكون الجيش مسؤولا مباشرا عن أمن الحدود وأي تدخلات من قوات عسكرية نظامية أو غير نظامية أخرى.

وجعل المرسوم الصادر الاثنين الماضي كل ما يتعلق بالموانئ والمرافئ ومياه الخلجان والبحار الملامسة لحدود السودان والجزر السودانية في البحار وما يتعلق بمصالح السودان البحرية، تحت ولاية وزارة الدفاع.

ويعني ذلك أن الجيش هو المتحكم حصريا في المصالح الحيوية والاستراتيجية في المناطق البحرية والجرف القاري، بما فيها علاقات السودان مع الدول الأخرى في الحدود البحرية – الإقليمية.

ويلزم القانون السفن الأجنبية التي تمر في البحر الأحمر بمراعاة القوانين السودانية والدولية، وللجيش الحق في منع السفن الأجنبية من المرور في مساحات محددة من بحره الإقليمي إذا رأى أن المنع ضروريا لأمنه.

ويخضع مرور السفن الحربية في المياه الإقليمية لإذن مسبق، وللقيادة العسكرية السودانية الحق في اتخاذ جميع التدابير التي تراها ضرورية إزاء السفن المخالفة.

هبة البشبيشي: السودان يدرك أن موازين القوى لن تسمح بوجود روسي

وشددت أستاذة العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة هبة البشبيشي على أن القاهرة ملتزمة بتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، من دون أن يمثل ذلك انحيازا لأي من إيران أو إسرائيل، وتستهدف الحفاظ على تحالفها بعيدا عن التوترات الإقليمية بالقرب من حدودها البحرية.

وذكرت في تصريح لـ”العرب” أن الوجود الروسي لا يشكل مصدر قلق مباشر للقاهرة، غير أن الأزمة تكمن في النتائج المترتبة على حضور قواعد عسكرية أجنبية في تلك المنطقة، ويدرك السودان أن موازين القوى لن تسمح بوجود روسي مباشر.

وتؤكد زيارة البرهان للقاهرة استمرار العلاقة الوثيقة بين مصر والسودان بشأن التعاون في الملفات الإقليمة، مثل سد النهضة واستعادة أوراق الضغط على أديس أبابا، لعقد جولة مباحثات ثلاثية قبل الملء الثالث المتوقع في موسم الأمطار المقبل بين شهري يونيو وأغسطس، وأن الدولتين تبحثان عن حلول للوصول إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا بعد أن فشلت كافة الجهود السابقة.

وكشف البرهان في تصريحات إعلامية مؤخرا أنه سيتم استئناف المشاورات بعد انقطاع دام قرابة عام، وقال “نأمل أن تتكلل المشاورات بالنجاح وأن نتوصل إلى توافق يرضي جميع الأطراف”.

ويرى متابعون أن القاهرة والخرطوم لديهما رغبة مشتركة في استعادة زخم التعاون المشترك في قضايا إقليمية عديدة تهمهما، سواء أكان ذلك على مستوى الحدود المباشرة أو في ما يتعلق بضمان عدم وجود عراقيل لحركة التجارة في ظل توترات مختلفة.

وتقتضي هذه الأوضاع تنشيط حركة الصادرات والواردات بعد احتجاجات سودانية تسببت في وقف التجارة في “شريان الشمال”، وزيادة التنسيق في ملف الحدود بين مصر والسودان وليبيا ومنع تسلل حركات قد تسبب خطرا على أمن الدول الثلاث.

وأكد منسق المبادرة الشعبية لتعزيز العلاقات المصرية – السودانية السفير علي يوسف الشريف أن زيارة البرهان للقاهرة تطرقت إلى الحديث عن أزمة السودان وامتداداتها الخارجية، في ظل مخاوف مصر من تأثير الانسداد السياسي على أمنها القومي.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن البرهان درج على التشاور مع السيسي حول جملة من القرارات التي بصدد اتخاذها لإيجاد حل سياسي والخروج من الوضع الراهن، وهناك قناعة لديه بأن استمرار الصراع الداخلي يشكل تهديدا للسودان ووحدته.

وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر برتيس خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن الاثنين الماضي، إن السلطات السودانية أبلغته بأن الجيش يدرس الآن بعض إجراءات بناء الثقة، لتهيئة مناخ الحوار بشأن التسوية السياسية.

وأعلنت قوى الحرية والتغيير– المجلس المركزي الأربعاء ترحيبها باعتزام السلطات السودانية على اتخاذ إجراءات تهيئة المناخ للحوار، وعلى رأسها إلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف العنف ضد المتظاهرين السلميين.

العرب