نينوى (العراق) – يواجه المسيحيون في العراق العديد من الصعوبات في طريق عودتهم إلى منازلهم بعد الهجرة الإجبارية التي قاموا بها إثر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل في محافظة نينوى في 2014.
ووقتها خلت المدينة من المسيحيين لأول مرة في تاريخ البلاد بعد أن اجتاح التنظيم المتطرف المدينة.
والموصل، ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد، والتي خير المسلحون في داعش سكانها المسيحيين بين الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو مواجهة حد السيف، ما دفعهم جميعا للنزوح.
وترك المسيحيون في الموصل كنائسهم ومنازلهم وممتلكاتهم، إلى جانب ذكرياتهم وتاريخهم في المدينة العريقة، لعدم قدرة مؤسسات الدولة على حمايتهم من بطش التنظيم المتطرف آنذاك.
لكن العراق استعاد بدعم من التحالف الدولي، كافة أراضيه من قبضة داعش عام 2017، عقب معارك طاحنة خلفت دمارا في دور العبادة والممتلكات العامة والخاصة بمحافظة نينوى (شمال).
رعد كججي: عدم الاستقرار الأمني والسياسي وراء هجرة المسيحيين من العراق
وعادت بعض الأسر المسيحية القليلة إلى الموصل وسهل نينوى، فيما نزح معظمها إلى مناطق أكثر أمناً وخاصة إقليم كردستان (شمالي العراق).
والاستهداف الطائفي بالعراق لم يبدأ خلال حقبة داعش، بل يعود إلى عام 2003، عند سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين؛ إذ بات المسيحيون هدفا لهجمات متكررة شنتها جماعات إرهابية أبرزها تنظيم القاعدة.
وفي أكتوبر 2010، احتجز مسلحون في القاعدة العشرات من المسيحيين رهائن داخل كنيسة “سيدة النجاة” وسط بغداد، قبل إطلاق الرصاص عليهم، ما أسفر عن مقتل 60 شخصا وإصابة عشرات آخرين، في واحد من أعنف الهجمات التي طالت أتباع الديانة بالعراق.
ومنذ سقوط نظام صدام عام 2003 تنامت معدلات هجرة المسيحيين من العراق إلى دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وسط مخاوف من ىخلو البلاد من سكانها المسيحيين.
وقال أوكر زيا، مواطن مسيحي يسكن في العاصمة بغداد، إن “مسلسل الاعتداء على المسيحيين بالعراق له تاريخ طويل ممتد منذ عام 1930”.
وأضاف زيا ”الموجة الجديدة لهجرة المسيحيين بدأت عام 2003 باجتياح عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي ثم الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة عام 2006، ومن بعدها دخول تنظيم داعش إلى البلاد عام 2014″.
وتابع “عودة المسيحيين المهاجرين إلى العراق باتت صعبة للغاية، نظراً إلى معاناتهم المريرة في البلاد على مدى سنوات طويلة (..) ولا يزال العراق يعاني غياب الأمن والاستقرار وسوء الخدمات العامة”.
ووفق تقرير لمفوضية حقوق الإنسان العراقية (رسمية)، في مارس 2021، فإن 250 ألف مسيحي فحسب لا يزالون يقطنون العراق من أصل 1.5 مليون كانوا موجودين قبل 2003.
وأشار التقرير إلى أن “1315 مسيحيا قتلوا في العراق بين عامي 2003 – 2014، إضافة إلى نزوح 130 ألفا واختطاف 161 آخرين خلال فترة سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل بين عامي 2014 – 2017″.
وأجرى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان زيارة تاريخية إلى العراق في مارس 2021، استعصت على أسلافه بسبب التوترات الأمنية والاستهدافات الطائفية في البلد العربي.
وبدوره، قال رئيس الوقف المسيحي بالعراق رعد كججي إن “هناك العديد من العوامل التي ساعدت على استمرار مسلسل هجرة المسيحيين من العراق”.
وأوضح أن “عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاستهداف الطائفي وانتشار عناصر التنظيمات الإرهابية وراء هجرة المكون المسيحي من العراق”.
يوسف توما: عودة المسيحيين إلى العراق مجددا مرتبطة بدور حكومي جاد
واستبعد كججي احتمال عودة المسيحيين المهاجرين إلى البلاد، مبينا أن “معظمهم قاموا ببيع ممتلكاتهم ومن الصعب العودة مرة أخرى”.
ورجح رئيس الوقف المسيحي أن يكون عدد المسيحيين في عموم العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، لا يتجاوز 500 ألف فحسب.
وخلال السنوات القليلة الماضية، باتت كنائس المسيحيين في العراق، باستثناء إقليم كردستان، إما خاوية أو مغلقة أو مدمرة، إذ قامت السلطات بمساعدة منظمات دولية بإعادة ترميم عدد منها في عموم البلاد.
فيما قال رئيس أساقفة الكنيسة الكلدانية في كركوك والسليمانية يوسف توما إن “تناقص أعداد المسيحيين كان وراء إغلاق الكنائس في البلاد”.
وأوضح توما أن “التطرف في البلاد يعد أبرز الأسباب التي تقف وراء هجرة أبناء الديانة المسيحية من العراق”.
وأضاف “عودة المسيحيين إلى العراق مجددا مرتبطة بالعديد من الأمور أبرزها الدور الحكومي الجاد بهذا الشأن من خلال إقرار تشريعات تجرّم الاستهداف والتمييز الطائفي وسياسات تعمل على رفع الوعي المجتمعي”.
وتُشكل المسيحية في العراق ثاني أكبر الديانات من حيث عدد الأتباع بعد الإسلام، ومعظمهم من الآشوريين الأصليين، وهناك أيضاً مجموعات صغيرة من الأرمن والتركمان والأكراد والعرب.
العرب