أدى فشل هيئة الأمم المتحدة في حل عدد كبير من الأزمات العالمية وآخرها قضية أوكرانيا إلى التساؤل دائما عن الأسباب. ورغم ذلك، لا يمكن إنكار الجهود الدبلوماسية المستمرة التي تبذلها الأمم المتحدة بأجهزتها المختلفة. وفي حقيقة الأمر؛ فإنه يمكن اعتبار تضارب مصالح القوى الكبرى في العالم، ومواجهة الأمم المتحدة لعدد هائل من الأزمات التي يصعب حلها في كثير من الأحيان من بين أهم أسباب عجز المنظمة الدولية عن القيام بما هو منتظر منها.
ولذلك يرى الخبير السياسي رفيق دوساني، مدير مركز سياسة آسيا والمحيط الهادئ بمؤسسة راند الأمريكية في تقرير نشرته صحيفة ساوث تشاينا مورننغ بوست أنه ينبغي ألا يكون فشل الأمم المتحدة في التصرف إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا مثار دهشة أي أحد. إذ إن ذلك يبدو مجرد أحدث مظهر لاتجاه سائد منذ عقدين لعدم الفعالية المتزايد للمؤسسات العالمية متعددة الأطراف في مواجهة التحديات الدبلوماسية، والأمنية، والاجتماعية الاقتصادية.
ويقول دوساني إنه يبدو أن هناك قوتين منافستين تقومان بدور تلك المؤسسات العالمية. فهناك أولا زيادة في استخدام ترتيبات غير رسمية، مثل الحوار الأمني الرباعي المعروف أيضا باسم (كواد). وثانيا، هناك انتشار لاستخدام الترتيبات الإقليمية.
ويشير دوساني إلى أن الاتجاهين أضعفا المؤسسات متعددة الأطراف ويمكن أن يمثلا عودة لعقود مواجهات الحرب الباردة وإثارة التساؤلات حول إمكانية بقاء المؤسسات متعددة الأطراف على المدى الطويل.
وجدير بالذكر أن النهج متعدد الأطراف كشف بعد انتهاء الحرب الباردة عن نقاط قوته في العالم الأكثر اتحادا الذي ظهر آنذاك.
ومن بين النجاحات المهمة منذ عام 1992 الدور المحوري لمجلس الأمن في حسم الصراعات في البوسنة والهرسك بعد حرب البوسنة 1995-1992 وصراع كوسوفو في الفترة 1999-1998؛ ودور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تنفيذ الإطار المتفق عليه في تشرين الأول/ أكتوبر 1994 والخاص بكوريا الشمالية؛ وإنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995؛ ومواجهة منظمة الصحة العالمية للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) عام 2003.
ويقول دوساني إن ضعف النهج متعدد الأطراف بدأ مع الخلافات حول العراق عام 2002 في مجلس الأمن الدولي. فقد أدى فشل الولايات المتحدة في إقناع فرنسا وروسيا – وهما من الأعضاء الدائمين- بالموافقة على غزو العراق، إلى تشكيل تحالف الراغبين لهذا الغرض. وفي عام 2013، فشلت الولايات المتحدة مرة أخرى في الحصول على موافقة مجلس الأمن على تدخل عسكري في سوريا، ومرة أخرى شكلت تحالف راغبين لهذا الغرض.
ويوضح دوساني أن الأمثلة السابقة تظهر اتجاها معتادا من محاولة فاشلة لاتباع النهج متعدد الأطراف إلى تشكيل تحالف عالمي غير رسمي. وفي حالات أخرى، ظهر النهج الإقليمي كبديل مفضل. ومثل هذا التفكير كان وراء “المحادثات السداسية” بشأن نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية عام 2003.
وفي عام 2009، عندما ظهر على السطح من جديد خلاف كامن حول الحقوق البحرية في بحر الصين الجنوبي، أدى فشل اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بقانون البحار في حسم القضية إلى التحول إلى إجراء مفاوضات في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، التي تتفاوض منذ ذلك الوقت على مدونة سلوك بشأن القضية مع الصين.
ويشير دوساني إلى أن الأمثلة السابقة توضح أنه رغم كل شيء هناك بدائل. ولكن بالنسبة لبعض أنواع الخدمات العامة مثل المساعدات الغذائية، ودعم اللاجئين، والرعاية الصحية، وتغير المناخ، تعتبر البدائل للمؤسسات متعددة الأطراف محدودة. وفي مثل هذه الحالات، أي تحول عن النهج متعدد الأطراف يؤثر عادة عكسيا على النتائج.
وعلى سبيل المثال تعلن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كل عام عن فجوات أكبر في التمويل. فبرامجها بالنسبة للاجئين من اليمن تم فقط تمويلها بنسبة 12% هذا العام، مما أدى لإغلاق عدة برامج مساعدات. وتم تمويل 30% فقط من برامج اللاجئين من أفغانستان. ومع تقلص برامج المفوضية لم تظهر أي بدائل قابلة للتطبيق.
ويقول دوساني إنه رغم ما بدا من أسباب لتدهور النهج متعدد الأطراف، ربما تكمن المشاكل في النهج نفسه. فكثير من مؤسساته في حاجة إلى إصلاح، وهذه الإصلاحات سياسية في الغالب يصعب تحقيقها، مما يؤدي إلى ظهور بدائل إقليمية أو غير رسمية يمكنها الاتفاق واتخاذ إجراء سريع.
وحول ما إذا كان التدهور سوف يستمر، أوضح دوساني أنه نظرا لأنه يبدو أن القوتين الكبيرتين الآن، الولايات المتحدة والصين تتبنيان آراء مختلفة فإنه من الصعب التنبؤ بالنتيجة. ويبدو أن الولايات المتحدة أقل اهتماما بالنهج متعدد الأطراف هذه الأيام. فقد سارع دونالد ترامب في التحول عن النهج متعدد الأطراف الذي بدأ مع جورج دبليو بوش عام 2001. من ناحية أخرى، تقوم الصين بتوسيع نطاق التزامها بالمؤسسات الرسمية والعالمية، التي تتوافق مع أعرافها وأهدافها، وقامت أيضا بتأسيس مبادرة كبيرة متعددة الأطراف خاصة بها، هي مبادرة الحزام والطريق.
وفي ختام تقريره يرى دوساني أنه إذا حدث فشل النهج متعدد الأطراف، فإنه يمكن أن يزيد من التحديات المهمة حول كيفية معالجة القضايا العالمية العامة. ومن الصعب القول ما إذا كان بديله سيكون نهجا إقليميا قائما على أساس قواعد، أو “تحالفات راغبين” عالمية، غير رسمي. وأكد أن أي تغير سيكون أمرا غير مرحب به.
(د ب أ)