معركة الأقصى: استيطان المقدّسات الفلسطينية!

معركة الأقصى: استيطان المقدّسات الفلسطينية!

أدت المواجهات الأخيرة بين المصلّين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى إلى إصابة أكثر من 150 بالرصاص المطاطي والاختناق، واعتقال أكثر من 400 مصلّ، عدد كبير منهم من الداخل الفلسطيني (مناطق 48). اقتحمت الشرطة الإسرائيلية ساحات المسجد مرتين، وأفرغته من المصلين بالقوة وأغلقت جميع أبوابه (عدا باب واحد) وضعت المتاريس الحديدية عند مدخل باب العامود، قبل أن تضطر لإعادة فتح أبواب المسجد لاحقا.

جاءت هذه المواجهات على خلفيّة دعوات لتنظيمات قومية متطرّفة من المستوطنين اليهود، مع حلول عيد الفصح اليهودي، لاقتحام المسجد وذبح قرابين داخله، مع توقعات ببدء اقتحامات واسعة له، بالتزامن مع تصاعد كبير في عمليات مسلّحة ضد الإسرائيليين. بدأت السلطات الإسرائيلية (وكذلك السلطات الدينية) بتشريع وحماية عمليات اقتحام المستوطنين للأقصى منذ عام 2003، وتزايدت خلال ذلك جماعات «الهيكل» التي تنتمي لتيار الصهيونية الدينية، التي تتبنى فكرة وجوب بناء «جبل الهيكل» (أي المسجد الأقصى) للتعجيل بمجيء «المسيح المنتظر» وشهد هذا الاتجاه تكريسا مع تمثيل هذه الاتجاهات ضمن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وصار المتطرّفون اليهود يقتربون تدريجيا من اختراق هذا الحرم المقدس لدى المسلمين، حيث ذبحوا القرابين في قرية لفتة المهجرة، ثم في جبل الزيتون، ثم في القصور الأموية (في محاذاة الأقصى). في المقابل قامت سلطات تل أبيب بحظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، التي يقودها الشيخ رائد صلاح، عام 2015، ومنعت مسيرة البيارق، وهي قوافل حافلات تقل مصلين إلى الأقصى، كما حظرت مؤسسات كانت تخدم المسجد الأقصى. تحوّلت الاقتحامات اليهودية للأقصى إلى «تقليد» أسبوعي، حيث تجري على فترتين: صباحية وبعد الظهر من الأحد إلى الخميس من كل أسبوع، وقد اقتحم أكثر من 34 ألف مستوطن إسرائيلي المسجد الأقصى خلال العام الماضي، مقارنة مع قرابة 30 ألفا في العام 2018، وتنفذ الاقتحامات من خلال باب المغاربة، في الجدار الغربي للمسجد الأقصى، الذي استولت إسرائيل على مفاتيحه منذ احتلال القدس الشرقية والمسجد عام 1967.

يمكن تشبيه إسرائيل، برّمتها، ببناء استعماري استيطاني، بدأ قبل عام 1948، واشتغلت على تأسيسه وتوسيعه، منظومات اقتصادية وسياسية واجتماعية ودينية، وتبدو جماعات «الهيكل» خلاصة كبيرة لهذا المشروع. مع جماعات «الهيكل» انتقلت إسرائيل من كونها مشروعا للاستيلاء على الأرض من السكان الفلسطينيين الأصليين، إلى مشروع لاستيطان القداسة. لا يكتفي المشروع إذن بنهب الأرض بل يريد أيضا نهب روح تلك الأرض، ومعتقدات سكانها، وإحلال اليهودية مكان الإسلام والمسيحية (التي كان أهلها يحتفلون بعيد القيامة أمس). الاتفاقيات «الإبراهيمية» مع إسرائيل، بهذا المعنى، هي اتفاق على نهب روح الفلسطينيين، واستيطان مقدساتهم، بالتناظر مع استيطان أراضيهم.

القدس العربي