أسهم الخلاف الشيعي ـ الشيعي في تعمّق الأزمة السياسية التي يشهدها العراق منذ نحو 6 أشهر، وتأخر تشكيل الحكومة واختيار رئيس وزراء ورئيس جمهورية، ملقية بظلالها السلبية على القوى السياسية الكردية، التي لم تتوصل إلى اتفاقٍ يُفضي لتسمية مرشحٍ وحيد لمنصب الرئاسة، فيما يُنذر الوضع السياسي المتأزم بإعادة الانتخابات التشريعية وحل مجلس النواب الحالي.
وأكد النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، أن حل البرلمان هو أحد السيناريوهات المطروحة في حال استمر الانسداد السياسي، إلا أن هذا السيناريو «الأخطر» لم يطرح بشكل جدي بين قيادات تحالف «إنقاذ الوطن» الذي باستطاعته تنفيذه.
الانسداد السياسي يضع الكتل بين قوسي التوافق وحلّ البرلمان
وقال: «كانت هناك مبادرات كثيرة سابقاً، بدءاً من مبادرة مسعود بارزاني، وزيارة الصدر، ثم مبادرة الإطار التنسيقي، وانتهاءً بمبادرة الحكيم التي تشير إلى اختيار رئيس الوزراء من الأغلبية الشيعية ورئيس الجمهورية من الأغلبية الكردية ورئيس مجلس النواب الذي تم اختياره من أغلبية سنية». حسب القناة الرسمية.
وأضاف أن «تحالف إنقاذ الوطن الذي يضم تحالف السيادة والكتلة الصدرية والحزب الديمقراطي الكردستاني، سيكون رأيهم موحداً حول أي مبادرة تطلق، وبالتأكيد الكل يعمل لحلحلة الانسداد والتعطيل السياسي، فلا يمكن استمرار هذا الانسداد، ويجب الخروج منه بأي شكل من الأشكال وبسيناريوهات متعددة، أحدها الذهاب إلى التوافق أو الذهاب مرة أخرى إلى إعادة الانتخابات المبكرة، وكل هذا جائز، وأن الحوارات السياسية الجدية ما تزال بطيئة جداً».
وتابع: «لا يمكن استمرار الرئاسات الحالية بهذا الشكل؛ أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، وأن رئيس الجمهورية يمارس عمله وفق قرار المحكمة الاتحادية من الناحية التنظيمية فقط، فليس لديه كامل الصلاحيات، كما أن الحكومة ليست لديها كامل الصلاحيات إلا بحكم تصريف الأعمال اليومية».
وأكمل: «إذا استمر الانسداد السياسي، فقد يناقش تحالف «إنقاذ الوطن» الذي يملك الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، السيناريو الأخطر، وهو حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة مع صعوبتها، نظراً لعدم توفر قانون لذلك أو من سيتولى الإشراف عليها، خاصة أن الحكومة لا تملك كامل الصلاحية».
وبين أن «حل البرلمان هو أحد السيناريوهات المطروحة في حال استمر الانسداد السياسي لوقت طويل، وأن تحالف إنقاذ الوطن يمكنه حل البرلمان، فإنه يحتاج إلى 165 صوتاً، فيما يمتلك تحالف «إنقاذ الوطن» 170 مقعداً داخل البرلمان، ولكن هذا السيناريو لم يطرح بشكل جدي بين قيادات تحالف إنقاذ الوطن، وإن طرح من بعض السياسيين من تحالف السيادة والحزب الديمقراطي، وقد يطرح حتى من بعض السياسيين في الكتلة الصدرية، ولكن على مستوى قيادات تحالف إنقاذ الوطن لم يتم مناقشته واختياره بشكل جدي كسيناريو مقبل في حالة استمرار الانسداد السياسي».
وذكر أن «المسألة لا تتعلق بالاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، ففي عام 2018 حدث الإشكال نفسه؛ فقد حصل خلاف بين الديمقراطي والاتحاد الوطني، وذهبنا إلى مجلس النواب، وتم اختيار برهم صالح»، موضحاً أن «الخلاف الرئيسي هو خلاف داخل البيت الشيعي، فإذا حصلت حلحلة داخل البيت الشيعي فسيتم الذهاب مرة أخرى إلى مجلس النواب بمرشحين، ومن سيفوز سيكون رئيس الجمهورية، وهذا جدلاً، فلا يوجد اليوم توافق بين الحزبين الكرديين ولن يحصل، لأن الاتحاد الوطني سيمضي مع الإطار فيما يختاره».
وأشار إلى أن «مسألة المناصب السيادية ليست محاصصة، خاصة منصب الوزير والمناصب الأخرى، فهي استحقاقات انتخابية، وهي مناصب سياسية باستحقاق كامل ومطلق، وأن المحاصصة الحقيقية عندما يتم توزيع المناصب داخل الوزارات من وكيل وزير إلى رئيس القسم للحزب نفسه صاحب الوزارة، فهنا تكمن المحاصصة، لذلك يجب أن يكون التشخيص دقيقاً، وأن المسألة الأخرى نحن والاتحاد الوطني في البداية وقبل اختيار هوشيار زيباري ليكون مرشحنا، كان يمكن بعد تنازل برهم صالح أن يكون هناك نوع من التوافق، لكن إصرارهم على برهم صالح ومن ثم اختيارنا لهوشيار زيباري، فأي توافق مع الاتحاد الديمقراطي قد فات ومضى».
وأوضح أن «نصاب الثلثين هو ضامن رئيسي في الدستور، والبعض يتحدث بأن هناك طرفاً آخر وضع نصاب الثلثين، بل إن نصاب الثلثين هو ضمان للمكونات بأنه لا ينفرد المكون الأكبر بمنصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، ومن ثم يضع رئيس البرلمان سنياً وكردياً، لأنه موال وتابع للكتلة الكبرى والمكون الأكبر، ولكن وجود نصاب الثلثين في اختيار رئيس الجمهورية يمنع أي طرف أو مكون معين بأن ينفرد بالسلطة في العراق، وإن الثقة بين المكونات والأحزاب السياسية لم تصل إلى مرحلة النضوج لكي نعتمد على الأغلبية المطلقة، وإن الأخوة في المكون الأكبر يملكون 183 نائباً في البرلمان، ولو كان حسب هذا النظام لتمكنوا من تنصيب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وأيضاً رئيس الوزراء دون العودة حتى إلى الكرد والسنة».
وفي الأثناء، قدم رئيس حركة «وعي» صلاح العرباوي، 4 سيناريوهات بشأن الأزمة السياسية الراهنة. ورجّح أن يتم الإبقاء على الحكومة الحالية، باعتبارها الأكثر انسجاماً مع الظرف الحالي والحل الأكثر واقعية، كما لفت إلى إمكانية الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وتضمّنت المقترحات إجراء «انتخابات مبكرة، وذلك يستوجب حل مجلس النواب، وهذا ممكن بصعوبة إلا أنه يصطدم بـ(عدم تعديل قانون الانتخابات كما أشارت المحكمة، وعدم جاهزية المفوضية، وإحجام الشعب عن المشاركة)»، مشيراً إلى «حكومة توافقية جديدة، بغض النظر عن شكل التوافق ومظهره، هذا ممكن، إلا أنه يصطدم برغبة الصدر في أخذ الحصة الشيعية كاملة وإقصاء خصومه، وهي عودة للمربع الأول وضياع المسؤولية».
ومن جملة السيناريوهات المطروحة، حسب إيضاح للعرباوي، «حكومة أغلبية وطنية، الأغلبيات ثلاث: أغلبية المالكي 2010- سياسية، وأغلبية الحكيم 2014- وطنية فيها الشيعة نصف زائد واحد، أغلبية الصدر2021- وطنية، أغلبية الزعامات الثلاثة.
وعن حكومة الأغلبية الوطنية، قال العرباوي إنها «صعبة ولكنها ليست مستحيلة، تصطدم بالثلث الإطاري، وتوضح المسؤولية من جهة، لكنها تخلق اضطراباً من جهة أخرى».
وآخر الحلول المقترحة، حسب العرباوي، هو «إبقاء الحكومة التوافقية القديمة، ومعنى ذلك إبقاء معادلة حكم 2018 قائمة (الفتح -سائرون) وإبقاء الرئاسات الحالية (الحلبوسي، صالح، الكاظمي) مع إجراء تعديلات وزارية وفقاً للحجوم الانتخابية الجديدة».
واعتبر أن «السيناريو الأخير هو أكثر الحلول واقعية وانسجاماً مع الظرف الحالي، وعيوبه هي ذات عيوب الحكومات التوافقية السابقة».
ويتزامن ذلك مع بدء خروج تظاهرات احتجاجية في العاصمة الاتحادية بغداد، وعدد من مدن البلاد الأخرى، تطالب بتشكيل الحكومة وتوفير الخدمات.
نشاط الحراك الاحتجاجي مرّة أخرى، يُنذر بـ»ربيع عراقي» قد يطيح بالنظام السياسي الحالي، حسب الوزير الأسبق، رئيس حركة «إنجاز»، باقر الزبيدي.
وأضاف في بيان صحافي، أن «حراكاً شعبياً مميزاً بدأ في بغداد والحلة وكربلاء والسليمانية ومحافظات أخرى؛ للمطالبة في الإسراع بتشكيل الحكومة ومكافحة الفساد ومعالجة نظام الخدمات المعطل في المحافظات بعد مرور أكثر من 6 أشهر على نهاية الانتخابات، ومازال الاستعصاء قائماً بشأن اختيار رئيس الجمهورية، وهو المدخل الموضوعي لتفكيك عقدة الأزمة الحالية».
وأضاف الزبيدي أن «على القوى السياسية المسؤولة عن تشكيل الحكومة أن تعي خطورة هذا الحراك الذي لن يتوقف عند حدود هذه المطالبات، وقد يتعداها إلى تعطيل الحياة اليومية للمجتمع والدولة عبر الإقامة في الشارع واستمرار التظاهر والذهاب إلى مطلب (الشعب يريد إسقاط النظام) فنكون أمام ربيع عراقي جديد».
وفي الشمال، وجه لاهور شيخ جنكي، الرئيس المشترك (المجمّد) لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، رسالة إلى حزبه وحركة «التغيير»، حثّهم فيها على اللجوء إلى العاصمة الاتحادية بغداد لحل الخلافات.
وأوضح جنكي في إيضاحٍ له: «لقد تخليت منذ فترة طويلة عن الأصدقاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني لأنهم حسموا قرارهم التضحية بالشعب من أجل حزبهم، لكن رسالتي موجهة إلى حزبي (الاتحاد الوطني الكردستاني)، وحركة التغيير».
وأضاف: «في الوقت الحالي، أنتم تخضعون لاختبار صعب، إذا كنتم بعد قرار المحكمة الاتحادية ورسالة وزارة النفط العراقية إلى حكومة إقليم كردستان، تصرون مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني على تكرار تجربة النفط في حقول الغاز، تأكدوا من أنني سأكون أول من يواجهكم، ولن أسمح أبداً بتسليم النفس الأخير لشعبي إلى أعداء شعبي تحت عنوان الاستقلال الاقتصادي للإقليم».
وتابع: «الآن بعد أن علمنا جميعاً أن مفتاح إنقاذ شعبنا من كل المشاكل التي واجهناها هو بغداد فقط، لكننا نرى أن حكام هذا الإقليم يزورون العاصمة المجاورة بين فترة وأخرى، لكنهم ليسوا مستعدين لزيارة بغداد مرة واحدة وإلى الأبد، حيث يعرفون جيداً أن الحل موجود فقط هناك».
وأشار إلى أنه «لقد وصلت لليأس منذ فترة طويلة مع الأصدقاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني، لأنهم صادقون في السياسة، وقرروا التضحية بالشعب من أجل حزبهم، لكنني أوجه الرسالة لحزبي الاتحاد الوطني وكذلك لحركة التغيير، لأنهما شريكان في هذه الحكومة الحالية لإقليم كردستان».
القدس العربي