أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في 4 أبريل الجاري، أن طهران لن تعود إلى المفاوضات في فيينا إلا لإتمام الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، مشيراً إلى أن الكرة الآن في الملعب الأمريكي، في إشارة إلى أن طهران لن تتفاوض مع واشنطن على أي قضايا جديدة بخلاف تلك التي تم الاتفاق عليها في السابق.
وفي المقابل، عبّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 7 أبريل، عن عدم تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق في فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني رغم كل الجهود المبذولة، منوهاً إلى الاستعداد للتعامل مع سيناريوهات أخرى حال فشلت الدبلوماسية مع إيران، وذلك بالتنسيق مع نظرائه الأوروبيين.
القضايا العالقة:
شهدت المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى في فيينا بعض التقدم في الآونة الأخيرة، إلا أن ثمة مؤشرات تُدلل على استمرار الملفات الخلافية بين واشنطن وطهران، والتي تتمثل في التالي:
1- شطب الحرس الثوري من قوائم الإرهاب: مثّل المطلب الإيراني الخاص برفع الحرس الثوري من قوائم المنظمات الإرهابية لدى واشنطن العقبة الأبرز في مسار فيينا التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة مؤخراً، والذي دفع باتجاه تعطيل المفاوضات، بعد العودة المفاجئة لكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إلى طهران، في 7 مارس الماضي.
وتتمسك طهران بهذا الشرط، ويعتبره بعض مسؤوليها شرطاً لإتمام الاتفاق النووي، حسبما أشار مستشار كبير للمرشد الإيراني علي خامنئي، كمال خرازي، في 27 مارس الماضي.
وسعت واشنطن، في البداية، للتجاوب مع المطلب الإيراني عبر الموافقة على رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب مقابل تقديم طهران تعهدات علنية بشأن عدم التصعيد الإقليمي مستقبلاً، وهو ما رفضته طهران.
وقدمت الولايات المتحدة عرضاً بديلاً تمثل في حذف الحرس الثوري من قوائم الإرهاب، مع الإبقاء على فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري، ضمن هذه القوائم، وهو ما رفضته إيران كذلك، كما أن حوالي 80 نائباً من الكونجرس الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وجهوا رسالة للبيت الأبيض للتحذير من الإقدام على هذه خطوة.
ونظراً لما سبق، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي مع نظيره الإسرائيلي يائير لبيد، في القدس، في أواخر مارس 2022 بأن الحرس الثوري منظمة إرهابية، وهو ما يعني استمرار الخلاف بين واشنطن وطهران حول هذا الملف.
2- نطاق تخفيف العقوبات: تجدد إيران تأكيدها الرفع الكامل للعقوبات الأمريكية المفروضة عليها، سواء تلك التي تم فرضها في عهدي الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب، أو تلك التي فرضت في عهد الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، والتي كان آخرها في 30 مارس على مزودي برنامج الصواريخ الإيرانية.
ومن وجهة نظر طهران، فإن العقوبات التي ينبغي أن ترفع عنها تشمل تلك المتعلقة بالبرنامجين النووي والصاروخي وكذلك التي تتعلق بالدور الإقليمي ودعم الميليشيات في المنطقة، أو حتى المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، بل أن طهران ذهبت إلى المطالبة بأن ترفع واشنطن جزءاً من تلك العقوبات كبادرة حسن نية من جانبها لإظهار جديتها في هذا الشأن، وهو ما أكده أمير عبد اللهيان خلال اجتماع لجنة تنسيق العلاقات الاقتصادية الخارجية في 10 أبريل الجاري.
وتؤكد واشنطن، في المقابل، استحالة تحقيق ذلك، نظراً لارتباط بعض العقوبات بمسائل أخرى غير المدرجة في الاتفاق النووي الموقع في 2015، وفق ما أكده متحدث الخارجية الأمريكي، نيد برايس، في 5 أبريل الجاري، كما أن رفض نواب الكونجرس الأمريكي لمقاربة بايدن في التعامل مع إيران والتي يرونها غير حاسمة، سيجعل تحقيق هذا المطلب أمراً شديد الصعوبة.
3- مسألة الضمانات: تؤكد طهران على ضرورة أن تقدم واشنطن ضمانات قانونية بعدم الانسحاب مستقبلاً من الاتفاق النووي مرة أخرى، بالإضافة إلى عدم تفعيل آلية الزناد، أو ما يعرف باسم “سناب باك”، والتي يتم بموجبها إعادة فرض العقوبات عليها مرة ثانية.
وتتمثل الضمانات التي تطالب بها إيران لعدم انسحاب واشنطن مستقبلاً من الاتفاق في موافقة الكونجرس الأمريكي، وهو أمر غير مُرجح في ضوء تعهد نواب من الكونجرس بإلغاء أي اتفاق يتم توقيعه من جانب إدارة بايدن مع إيران حال جاء رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض في الانتخابات القادمة.
كما طالبت إيران بضمانات تجارية تسمح باستمرار عمل الشركات الأجنبية، التي تنوي العمل والاستثمار في إيران لفترة تتراوح بين 4 إلى 6 أعوام، من خلال أوامر قانونية تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية، وترسلها الوزارة إلى جميع الشركات.
ولاقى هذا الأمر رفضاً من جانب واشنطن، حيث أكد بلينكن أنه إذا كان من الممكن ضمان ذلك في حالة وجود بايدن في البيت الأبيض، فإنه لا يمكن ضمان ذلك في عهد الرؤساء الأمريكيين التالين له.
أدوات الضغط الإيرانية:
لم تكتف طهران بالتشدد في المفاوضات، ولكنها مالت إلى تبني سياسات تصعيدية للضغط على واشنطن، وهو ما يتضح في التالي:
1- التصعيد النووي: توظف إيران تصعيدها النووي للضغط على واشنطن والغرب للانصياع لمطالبها السابقة، حيث تعمدت رفع مستوى تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة إلى مستوى 60%، والذي أنتجت منه نحو 33 كيلوجراماً، كما أعلن في مارس الماضي، علماً بأن ذلك المستوى من التخصيب يقترب من مستوى الـ 90% اللازم لصنع القنبلة الذرية.
كما تواصل إيران عرقلة جهود الرقابة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خلال الإصرار على الاحتفاظ بتسجيلات كاميرات المراقبة الخاصة بالمنشآت النووية وعدم تسليمها إلى الوكالة حتى توقيع الاتفاق المُحتمل في فيينا، وهو ما جدد التأكيد عليه رئيس البعثة الدائمة الإيرانية لدى المنظمات الدولية في فيينا، محمد رضا غائبي، في 8 أبريل الجاري.
هذا بجانب إعلان طهران عن عزمها مواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، حتى بعد التوصل إلى اتفاق في محادثات فيينا، وهو بخلاف النسبة التي نص عليها الاتفاق الذي تم إبرامه في 2015 وهي 3.67%.
2- تهديد الاستقرار الإقليمي: أكد المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، في مارس الماضي، أنه “لن نتخلى عن نفوذنا الإقليمي ولا عن قدراتنا الدفاعية أبداً”، في دلالة على إصرار إيران على رفضها طرح أي ملفات أخرى على طاولة التفاوض في فيينا بخلاف الملف النووي، لاسيما البرنامج الصاروخي الباليستي والدور الإقليمي لإيران في المنطقة، واللذين اعتبرهما الحرس الثوري الإيراني في بيان له في الأول من أبريل الجاري؛ خطوطاً حمراء لا يمكن التنازل عنهما، وذلك على الرغم من مطالبة طهران بإزالة الحرس الثوري من قوائم الإرهاب، وهو موضوع لا يتصل بالمفاوضات النووية كذلك.
وشهدت الفترة الأخيرة تصعيداً من جانب طهران، حيث قامت بقصف صاروخي على عاصمة إقليم كردستان العراق أربيل في مطلع مارس، فضلاً عن تكثيف جماعة الحوثيين المدعومين من إيران استهدافها مواقع اقتصادية ومدنية في المملكة السعودية في نفس الشهر، بالإضافة إلى إصابة 4 جنود أمريكيين بجروح طفيفة في هجوم صاروخي على قاعدة في شرق سوريا تتمركز فيها قوات أمريكية في 9 أبريل.
تداعيات مُحتملة:
تتمثل السيناريوهات المحتملة للاتفاق النووي في ضوء المطالب الإيرانية السابق ذكرها، وتصعيدها النووي والإقليمي في التالي:
1- انهيار المفاوضات: يستند هذا الأمر على أساس إصرار إيران بالتمسك بمطالبها في مقابل رفض واشنطن تنفيذ تلك المطالب التي ترى أنها مبالغ فيها، بل وطرحها شروطاً جديدة ترى طهران أنها خارج إطار الاتفاق النووي، كما صرّح وزير الخارجية الإيراني، في 11 أبريل الجاري.
هذا إلى جانب إعراب بلينكن عن عدم تفاؤله بشأن التوصل إلى اتفاق في فيينا، بل والتهديد باللجوء إلى الحلول غير الدبلوماسية في التعامل مع إيران، في إشارة إلى فرض مزيد من العقوبات أو استخدام الأداة العسكرية، بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين.
2- نجاح المفاوضات: يقوم هذا الافتراض أن لدى الطرفين الأمريكي والإيراني الرغبة في إحياء الاتفاق النووي، وأن تبني كل منهما نهجاً متشدداً حيال الآخر ليس إلا وسيلة لتعزيز الموقف في المفاوضات والحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات من الطرف الآخر.
وفي سياق ذلك، أعلن المرشد الإيراني، وهو صاحب الكلمة الفصل فيما يتعلق بالمفاوضات النووية، في 13 أبريل الجاري، عن دعمه حكومة إبراهيم رئيسي في المفاوضات في فيينا، مشيراً إلى إنها تسير على ما يرام، وهو ما يُعد ضوءاً أخضر للفريق المفاوض بإمكانية عقد الصفقة المُحتملة.
3- الاتفاق الجزئي: يزكي هذا الاحتمال عدد من المعطيات على رأسها رغبة وسعي الطرفين الأمريكي والإيراني في التوصل إلى تفاهمات بالرغم من استمرار القضايا الخلافية في المفاوضات. ويعتمد هذا الاحتمال على أساس الاتفاق على صيغة تقتضي أن تقدم كل من واشنطن وطهران تنازلات متبادلة، مثل الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، مقابل وقف تخصيب اليورانيوم، غير أن المشكلة الأساسية أن مثل هذا الخيار قد يخفف الضغوط الاقتصادية عن إيران التي تفرضها العقوبات، ومن ثم تنتفي الحوافز لديها لإبرام اتفاق جديد.
وفي الختام، يبدو الغموض سيد الموقف فيما يتعلق بالمفاوضات في فيينا، خاصة مع تبني إيران سياسات تصعيدية، سواء في الملف النووي، أو تدخلاتها الإقليمية، وإن كان من الملاحظ أن الحرص الأمريكي على إبرام الاتفاق، وتجاهل استفزازات إيران قد يكون مؤشراً على استمرار فرص إحياء الاتفاق النووي.
مركز المستقبل