يرى صن تزو، الجنرال الصيني والخبير العسكري والفيلسوف (551- 496 ق. م)، في كتابه “فن الحرب”، أنه “إذا قررنا شن حرب، فلا بد أن تكون خاطفة وحاسمة، فإذا تأخر النصر، يفقد الجندي روح القتال وينهار معنوياً وتخور عزائمه، وإذا حشد الجيش لمدة طويلة لا تكفي موارد الدولة لذلك، كما أن الجند يستسيغون النصر بسرعة ويمقتون العمليات التي تطول”.
كذلك يرى تزو أن “أخذ البلاد العدوة سالمة أفضل من تدميرها، وأسر الجيش المعادي أفضل من تدميره، وذلك مرتبط بسياسات إدارة الحرب، فإحراز مئة انتصار في مئة معركة ليس الأفضل، بل إن إخضاع العدو من دون قتال أفضل ما يكون”.
وبعد نحو أكثر من ثلاثة أشهر على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، لا يبدو أن روسيا استطاعت أن تحسم المعارك، بل إنها لم تحقق حتى اليوم نتائج حاسمة. مما يدفع زعماء غربيين إلى التخوف من أن يدفع اليأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استعمال السلاح النووي.
ويعتقد مسؤولون أميركيون وغربيون أن الرئيس بوتين قد يعلن الحرب رسمياً على أوكرانيا يوم 9 مايو (أيار)، مما سيسمح بالتعبئة الكاملة لقوات الاحتياط الروسية أثناء محاولتها التقدم بشرق وجنوب أوكرانيا. وتحيي روسيا يوم “9 مايو” ذكرى هزيمتها للنازيين عام 1945، وتطلق عليه “يوم النصر”. وطالما اعتقد المسؤولون الغربيون أن بوتين سيستفيد من الأهمية الرمزية والقيمة الدعائية لذلك اليوم للإعلان إما عن إنجاز عسكري في أوكرانيا، أو تصعيد كبير في الأعمال العدائية، أو كليهما.
وبدأ المسؤولون في التفكير في سيناريو واحد، هو إعلان بوتين رسمياً الحرب على أوكرانيا في 9 مايو. وكانت صحيفة “اندبندنت” البريطانية نقلت أواخر شهر أبريل (نيسان) الماضي عن مسؤولين بالمملكة المتحدة قولهم إنهم يخشون أن يعلن الرئيس الروسي حرباً شاملة ويوسع عملياته العسكرية في أوكرانيا في يوم النصر الروسي الموافق التاسع من مايو. وأوضحت في تقرير لها أن مسؤولين بريطانيين حذروا من أن بوتين قد يحول ما تسميه روسيا “العملية العسكرية الخاصة” الجارية في أوكرانيا حالياً إلى إعلان حرب شاملة رسمياً، من أجل تهدئة “الغضب” الذي يشعر به الجيش الروسي بشأن إخفاقات هجومه على كييف.
“اليأس” أو التحدي الحقيقي
كان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، حذر في أبريل من أن فشل روسيا في تحقيق انتصار عسكري في أوكرانيا قد يدفع ببوتين لإصدار أمر باستخدام سلاح نووي تكتيكي أو منخفض القوة، بحسب ما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”. وأضاف بيرنز في كلمة ألقاها في معهد “جورجيا” للتكنولوجيا، “نظراً إلى إمكان إصابة الرئيس بوتين والقيادة الروسية بيأس محتمل، وإلى الانتكاسات العسكرية التي يواجهونها حتى الآن، لا يمكن لأي منا التعامل باستخفاف مع التهديد الذي يمثله اللجوء المحتمل إلى أسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة نووية منخفضة القوة”.
وسبق للرئيس بوتين أن أصدر أوامر بزيادة مستوى التأهب للقوات النووية الروسية، ووجه تهديدات نووية مبطنة باستهداف أوكرانيا أو من يساعدها من الدول الغربية بعيد بدء الحرب في 24 فبراير (شباط)، لكن الولايات المتحدة لم تر “أدلة عملية” كثيرة على عمليات نشر فعلية لهذه الأسلحة من شأنها التسبب بمزيد من القلق، بحسب بيرنز.
وأطلق الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تحذيرات مماثلة، حيث قال إن على “جميع دول العالم أن تكون مستعدة لاحتمال أن يستخدم الرئيس الروسي، أسلحة نووية تكتيكية في حربه على أوكرانيا”. وأشار إلى أن الروس يمكن أن يستخدموا الأسلحة الكيماوية لأنه “بالنسبة إليهم فإن حياة الناس لا شيء، ولهذا السبب، يجب ألا نخاف، ولن نخاف، بل سنكون مستعدين”. وأثار قادة أوكرانيون وغربيون مخاوف من أن “اليأس” قد يدفع ببوتين إلى استخدام ما يعرف بـ”السلاح النووي التكتيكي”، أو السلاح النووي المحدود التأثير.
تصعيد لخفض التصعيد
يقول الرئيس الروسي، في 27 أبريل الماضي، “إذا غامر أحد بالتدخل من الخارج وشكل تهديدات غير مقبولة ذات طبيعة استراتيجية لروسيا، فيجب أن يعلم بأن ضرباتنا المضادة للانتقام ستتم بسرعة البرق”، مضيفاً أنه “سيكون لنا رد قاسٍ على كل من يفكر في التدخل في ما يجري في أوكرانيا، أو يشكل تهديداً استراتيجياً لنا”، فيما يعد تهديداً مباشراً للغرب. وتتميز العقيدة العسكرية الروسية بمبدأ يسمى التصعيد من أجل خفض التصعيد، وقد يشمل شن ضربة أولى بسلاح نووي منخفض القوة لاستعادة المبادرة إذا سارت الأمور على نحو سيئ في صراع تقليدي مع الغرب.
وحتى الآن، يصر المسؤولون الروس على أن الصراع في أوكرانيا كان مجرد “عملية عسكرية خاصة بهدف نزع النازية”. ويبدو لافتاً إشارة معظم مسؤولي الدول التي تشارك في الحرب الأوكرانية، إلى الحرب العالمية الثالثة، أو إلى استخدام الأسلحة النووية، وقد يكون ذلك إما من باب التهديد بها كخيار رادع للطرف الآخر، وإما تخوفاً من استهدافهم بهذه الأسلحة، وتسليط الضوء على خطورتها. ولكن من الناحية التقنية، هناك الكثير من العناصر التي تحتاج إليها هذه الدول، إذا ما أرادت أو قررت استخدام قدراتها النووية. ومن هذه العناصر، وسائل إطلاق الرؤوس النووية، ووسائل الاستعلام الدقيقة والكافية لتكوين المعطيات المطلوبة لتنفيذ استهداف نووي ملائم وناجح ومضمون.
وفي تحليل نشر عبر المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني “تشاتام هاوس”، في مارس (آذار) الماضي، حول مدى احتمال استخدام روسيا الأسلحة النووية تقول الدكتورة باتريشيا لويس، مديرة برنامج الأمن الدولي، إن بوتين صور قراره بشأن القوات النووية على أنه رد فعل دفاعي على فرض العقوبات الاقتصادية على بلاده، لكن في خارج روسيا ينظر إلى القرار بشكل عام على أنه طريق أمام روسيا لاستخدام أسلحتها النووية في هجوم مفاجئ.
وتضيف لويس أن من المفترض إذا ما قررت روسيا استخدام الأسلحة النووية أن تفعل ذلك في هجومها على أوكرانيا، وليس بمهاجمة أي دولة عضو في “الناتو”، وإلا سيؤدي ذلك إلى رد واسع النطاق من جانب الحلف. وفي مثل هذا الهجوم من المرجح استخدام أسلحة نووية قصيرة المدى يعتقد أنه يوجد منها أكثر من ألف قطعة، حيث سيتم نقلها من المخزون وتوصيلها بالصواريخ أو وضعها في قاذفات قنابل، وكقذائف مدفعية.
وشاهد بوتين أخيراً تدريباً ركز على استعداد القيادة والتحكم، والأطقم القتالية، والسفن الحربية، وحاملات الصواريخ الاستراتيجية، وكذلك فعالية الأسلحة الاستراتيجية النووية وغير النووية. وأوضحت لويس أن أي تحرك لتجهيز ونشر الأسلحة النووية الروسية سوف يكون مرصوداً ومراقباً من جانب الأقمار الاصطناعية للولايات المتحدة وغيرها، والتي يمكنها الرصد في كل الأجواء على الرغم من وجود سحب أو ظلام دامس. واعتماداً على المعلومات الاستخباراتية والتحليلات الأخرى، وفي ظل فشل كل المحاولات الدبلوماسية لإقناع روسيا بالعدول عن تصرفها، قد تقرر دول “الناتو” التدخل لمنع إطلاق تلك الأسلحة بمختلف الوسائل.
توضح لويس أن هناك مخاطر هائلة مرتبطة بهذا القرار، إذ إن أي هجوم قد يعجل بهجوم أسوأ للغاية من جانب روسيا، ومن الممكن تصنيفه على أنه عدوان من “الناتو” وليس دفاعاً وقائياً. ومع ذلك، فإن عدم القيام بذلك سوف يترك أوكرانيا وغيرها من الدول عرضة لتفجيرات الأسلحة مع إمكانية مقتل مئات الآلاف بحسب الهدف.
ما السلاح النووي “التكتيكي”؟
تمتلك روسيا الكثير من الأسلحة النووية التكتيكية، وهي أقل قوة من القنبلة التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما خلال الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن عدد الأسلحة النووية الروسية انخفض بشكل حاد منذ نهاية الحرب الباردة، فإن روسيا تحتفظ بمخزون من آلاف الرؤوس الحربية، مع نشر أكثر من 1500 منها على صواريخ وقاذفات قادرة على الوصول إلى أي منطقة في الأراضي الأميركية.
بشكل عام، يمثل السلاح النووي جهازاً متفجراً يقوم بإطلاق شحنة تدميرية هائلة قادرة على “فصل نواة الذرة” من شدتها، وتترك مخلفات نووية مشعة في مكان التفجير يمكن أن تستمر في الإضرار بالكائنات الحية لعقود. وبالإضافة إلى الحجم الهائل للانفجار، وكون سلاح نووي متوسط قادراً على أن “يمحو أجزاء من مدينة أو مدينة بأكملها في ثوانٍ”، فإن التداعيات الإشعاعية الطويلة الأمد، التي تنتشر لكيلومترات عدة وتبقى في التربة والمياه لعقود، هي أثر آخر لا يقل تدميراً عن الانفجار.
على سبيل المثال، تستطيع قنبلة B61 الأميركية إطلاق من 0.3 إلى 50 كيلوطناً من الطاقة المتفجرة، مقارنة مع قنبلة هيروشيما التي أرسلت 15 كيلوطناً. ووفقاً لموقع “مبادرة التهديد النووي NTI”، فإن الأسلحة النووية التكتيكية (غير الاستراتيجية) تعني عادة الأسلحة القصيرة المدى، بما في ذلك الصواريخ الأرضية التي يقل مداها عن 500 كم (نحو 300 ميل)، والأسلحة التي تطلق من الجو والبحر، التي يقل مداها عن 600 كم (نحو 400 ميل).
ويضيف الموقع، “في بعض النواحي، تعتبر الأسلحة النووية العابرة للحدود أخطر من الأسلحة الاستراتيجية، إذ إن صغر حجمها، وسهولة استخداماتها المتطورة يجعلان من وجود الأسلحة النووية العابرة للحدود في الترسانات الوطنية خطراً على الأمن العالمي. كما أن التصور الجديد لقابلية استخدام الأسلحة النووية في كل من روسيا والولايات المتحدة، وإن كان لأسباب مختلفة، يمكن أن يخلق سابقة خطيرة للبلدان الأخرى.
وبدأت الولايات المتحدة في تطوير رؤوس حربية نووية خفيفة الوزن عام 1950. واحد من أول هذه الرؤوس كان الرأس الحربي W-54، الذي تراوحت قوته المتفجرة من 0.1 إلى كيلوطن. وكيلوطن هي قوة تفجير تساوي 1000 طن من TNT. وبحسب موقع “بريتانيكا” استطاع الأميركيون إطلاق الرأس الحربي W-54 من قاذفة صواريخ قصيرة المدى يمكن لجندي واحد إطلاقها، خلال الستينيات، وتعاونت البحرية الأميركية ومشاة البحرية على تطوير جهاز نووي تكتيكي يسمى ذخيرة الهدم الذري الخاصة (SADM)، ويعمل بفكرة مشابهة للقنبلة W-54 لكنها تطلق من طائرة.
وتمتلك روسيا نحو 4500 رأس حربي نووي كبير في ترسانتها، كما تمتلك نحو 2000 سلاح نووي تكتيكي محفوظة في مرافق تخزين في جميع أنحاء البلاد، تم تطويرها لاستخدامها ضد القوات والمنشآت في منطقة صغيرة أو في اشتباك محدود. ويقول موقع Scientific American إنه يمكن وضع مثل هذه القنابل على الصواريخ القصيرة المدى التي تستخدمها روسيا حالياً لقصف أوكرانيا، مثل صاروخها الباليستي “إسكندر” الذي يبلغ مداه نحو 500 كيلومتر.
وبجعل الأسلحة النووية أصغر حجماً واستهدافها أكثر دقة، يصبح استخدامها أكثر قابلية للتصديق، بحسب الموقع الذي يقول إن من المفارقة أنه في حين يجعل وجود هذه الأسلحة الردع النووي أكثر مصداقية، فإنه يجعل الأسلحة أيضاً أكثر إغراء لاستخدامها كضربة أولية، بدلاً من مجرد الانتقام. ويمكن للسلاح النووي التكتيكي أن يطلق نحو 0.3 كيلوطن من الطاقة التدميرية، مقابل 15 كيلوطناً أطلقتها قنبلة هيروشيما. ويتابع التقرير، “مع ذلك، لا ينبغي لأحد أن يتخيل أن من المنطقي استخدام سلاح نووي تكتيكي، لأن من شأنه أن يحدث أضراراً تتجاوز بكثير الضرر الذي تلحقه المتفجرات التقليدية”.