مع التحولات السياسية وارتفاع التضخم.. هل يقبل أردوغان رفع الفائدة مجدداً لحماية الليرة؟

مع التحولات السياسية وارتفاع التضخم.. هل يقبل أردوغان رفع الفائدة مجدداً لحماية الليرة؟

مع وصول التضخم في تركيا إلى أعلى مستوياته منذ 20 عاماً، والأعلى منذ عقود في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، واتجاه أغلب البنوك المركزية في العالم إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، عادت التساؤلات مجدداً وبقوة حول مدى إمكانية قبول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفع أسعار الفائدة بعد خفضها نسبياً العام الماضي من خلال معركة شرسة كلفته تغيير وزراء ورؤساء للبنك المركزي وانتقادات سياسية واقتصادية داخلية وخارجية وانخفاض كبير في قيمة العملة التركية.

ويخشى اقتصاديون من أن تؤدي الاضطرابات السياسية العالمية المتزايدة والارتفاع المتزايد في نسب التضخم في تركيا والعالم إلى موجة جديدة من الاضطراب في أسعار صرف الليرة التركية التي وصلت العام الماضي إلى قرابة 18 ليرة مقابل الدولار الواحد قبل أن تستقر عند 14.5 العام الجاري، وهو ما يدفع للاعتقاد بصواب توجه البنك المركزي التركي نحو رفع أسعار الفائدة لضمان استمرار استقرار سعر الصرف المستمر منذ أشهر.
لكن قرار رفع الفائدة في تركيا لا يحمل طابع اقتصادي فقط، وإنما يحمل في طياته محددات سياسية حساسة كانت على الدوام سبباً في خلافات حادة بين المستويان السياسي والاقتصادي بالبلاد وهو ما دفع أردوغان لتغيير وزيري اقتصاد وثلاثة رؤساء للبنك المركزي بسبب مخالفتهم توجهاته بضرورة خفض أسعار الفائدة في الوقت الذي كانوا يؤمنون فيه بأن المعادلات الاقتصادية تفرض عليهم رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم والحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة التركية.

يُخشى من أن تؤدي الاضطرابات السياسية العالمية المتزايدة والارتفاع المتزايد في نسب التضخم في تركيا والعالم إلى موجة جديدة من الاضطراب في أسعار صرف الليرة التركية

كما أن قرار رفع أسعار الفائدة لن يكون سهلاً على الرئيس التركي الذي أكد في عشرات الخطابات العام الماضي على حرمة الفائدة في الدين الإسلامي وعلى إيمانه بأن خفض أسعار الفائدة سوف يؤدي بدوره إلى خفض التضخم وهو ما لم يحصل حتى الآن على الرغم من مرور قرابة 6 أشهر على خفض أسعار الفائدة.
لكن الاقتصاد الذي يعتبر أكبر تحدي يواجه الرئيس التركي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية “المصيرية” المقررة يونيو/حزيران من العام المقبل قد يدفع أردوغان للمفاضلة بين الاستمرار في خطته السابقة والالتزام بوعوده بخفض أسعار الفائدة للحفاظ على معدلات نمو مرتفعة، وما بين السماح برفع أسعار الفائدة على أمل خفض نسب التضخم والحفاظ على استقرار سعر الصرف الليرة وهو ما قد يساهم في خفض التضخم وأسعار السلع الأساسية.
وحتى نهاية العام الماضي، خفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة 4 مرات على التوالي بواقع 100 و100 و200 و100 نقطة أساس لينخفض سعر الفائدة من 19 إلى 14 بالمئة، وعلى الرغم من أن الهدف كان إيصال الرقم إلى خانة الآحاد إلا أن الانهيار الكبير في أسعار صرف الليرة دفع البنك المركزي للتروي وإبقاء سعر الفائدة ثابت عند 14 بالمئة في اجتماعاته الشهرية منذ بداية العام الجاري.
ويُصر أردوغان على تنفيذ خطة اقتصادية جديدة مبنية على أسس خفض الفائدة وإعطاء الأولوية للإقراض والإنتاج الذي يؤمن بانه سيؤدي إلى خفض الفائدة وزيادة التشغيل ورفع حجم الصادرات، لكنه توقف منذ بداية العام الجاري عن الحديث عن هذه الخطة، ولا يعرف إن كانت الضغوط والتحولات الداخلية والخارجية سوف تدفعه لإعادة النظر في هذه الخطة وبالتالي السماح برفع أسعار الفائدة أم لا.
والخميس، أظهرت بيانات رسمية أن معدل التضخم السنوي في تركيا قفز إلى 69.97 بالمئة في أبريل/نيسان وهو ما يتجاوز التوقعات ويشكل أعلى مستوى للتضخم في عقدين. وقال معهد الإحصاء التركي إن أسعار المستهلكين ارتفعت 7.25 بالمئة على أساس شهري.

وأظهرت البيانات أن الارتفاع في أسعار المستهلكين كان بقيادة قفزة 105.9 بالمئة في قطاع النقل، والذي يشمل أسعار الطاقة، وقفزة 89.1 بالمئة في أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية. وعلى أساس شهري، كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية هو الأكبر إذ زادت 13.38 بالمئة، فيما صعدت أسعار المنازل 7.43 بالمئة. وتراجعت الليرة 0.9 بالمئة إلى 14.85 مقابل الدولار بعد صدور البيانات.
وقبل أيام، قال محافظ البنك المركزي التركي شهاب قاوجي أوغلو، إن البنك رفع توقعاته لنسب التضخم نهاية العام الجاري من 23.2 إلى 42.8 بالمئة، موضحاً أن نسب التضخم في تركيا ستبدأ بالتراجع اعتبارا من مايو/ أيار القادم، وأنه من المنتظر أن تنخفض إلى ما دون التوقعات نهاية العام الجاري.

الاقتصاد  يعتبر أكبر تحدي يواجه أردوغان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية “المصيرية” المقررة في يونيو 2023

وفيما يخص نسب الفائدة، قال قاوجي أوغلو إن البنك المركزي التركي حافظ على النسبة عند 14 بالمئة خلال الفترة الممتدة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/ نيسان الجاري. وتابع قائلا: “تشير منحنيات الأسعار الآجلة التي نبني عليها توقعاتنا، إلى أن أسعار النفط الخام ستظل في الفترة المقبلة أعلى بكثير من توقعات تقرير التضخم لشهر يناير الفائت”، وتابع: “قمنا بتحديث توقعاتنا بشأن أسعار المواد الغذائية لعامي 2022 و2023، وذلك نظرا إلى المخاطر الجيوسياسية والتأثيرات التراكمية للزيادات المستمرة في أسعار الغذاء العالمية والجفاف الزراعي”.
وتقول الحكومة إن التضخم سينخفض في إطار برنامجها الاقتصادي الجديد الذي يعطي الأولوية لأسعار الفائدة المنخفضة لتعزيز الإنتاج والصادرات بهدف تحقيق فائض في الحساب الجاري. والخميس، قال وزير التجارة التركي محمد موش، إن صادرات بلاده سجلت أعلى رقم شهري على الإطلاق في أبريل/ نيسان الماضي، بزيادتها 24.6 بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من 2021، وبلغت 23.4 مليار دولار.
وأوضح موش أنه “رغم التطورات السلبية الأخيرة في الاقتصاد العالمي، فإن تركيا واصلت أداءها القوي في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، وحق قت نجاحات كبيرة في الصادرات”، لافتاً إلى أن “ارتفاع أسعار الطاقة عالميا جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، أثر على تركيا أيضا وخلق ضغوطا تصاعدية في أسعار الواردات”، مشيراً إلى أن “التطورات المذكورة لم تؤثر فقط على تركيا، بل أثرت على الدول الأوروبية بشكل أعمق”.