قد لا يكون بعض الحلفاء المحتملين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من الدول الديمقراطية، لكنهم ليسوا أيضاً من الدول التعديلية، لذلك لا تستطيع واشنطن تحمّل استبعادهم.
دقّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جرس الإنذار للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، مذكّراً إيّاهم جميعاً بعددٍ من الحقائق: إن القوة الصلبة هي مسألة تستحق أن تسترعي الانتباه. وبإمكان تغيير الحدود باستخدام القوة. ولم تصبح محاولات محو الأمم في عداد الماضي. وسيحدد النزاع والمنافسة المشهد الدولي في المستقبل المنظور. وإذا أردنا منع النزاع وتحديد شكل المنافسة، فنحن بحاجة إلى شركاء.
وفي حين أثار الغزو الروسي والفظائع الناتجة عنه الاشمئزاز في جزء كبير من العالم الغربي، إلّا أن العديد من الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تبقى على الحياد. بالإضافة إلى ذلك، يحافظ بوتين على دعم الصين وبعض البلدان مثل إيران، التي ليس لديها مصلحة في قبول المعايير التي يعتقد الغرب أنها يجب أن توجّه السلوك الدولي.
وحتّى بينما يواصل بوتين حربه ضد أوكرانيا، على الولايات المتحدة أن تبدأ في التفكير في بناء تحالفات للفترة التي تلي انتهاء الحرب. فحين يقرر بوتين إنهاء هذه الحرب، لا يمكننا العودة إلى العمل وكأنّ شيئاً لم يحصل.
ولا يشكل حشد الدول الديمقراطية في أوروبا وآسيا سوى البداية. وغالباً ما يتحدث الرئيس جو بايدن عن كونه عند نقطة انعطاف في الصراع بين الديمقراطية والاستبداد. ولكن إذا قسّمنا العالم على هذا النحو فقط، فإننا نستبعد العديد من الدول التي نحتاجها لتكون جزءاً من أي تحالف عالمي قادر على التصدي لجهود روسيا والصين لفرض حكمهما على النظام الدولي. فلا يمكننا تحمُّل شطب تلك الدول التي قد لا تكون ديمقراطية إلا أنها ليست دولاً تعديلية أيضاً. وفي الكفاح ضد القوى المصممة على إقامة وضع طبيعي جديد تطغى فيه القوة على الحق، يجب أن نكون قادرين على الانضمام إلى أولئك الذين يشكلون قيمة مضافة إلى نفوذنا وأصولنا.
لنفكر في الشرق الأوسط على سبيل المثال. نظراً لأن بايدن أدرك أهمية حرمان بوتين من القدرة على تمويل حربه، فقد احتاج إلى إيجاد بدائل لـ النفط الروسي – ليس لتلبية احتياجات الأوروبيين فحسب، بل لمحاولة تقليل الازدياد الهائل في تكاليف الطاقة أيضاً. ولم تنجح جهود الإدارة الأمريكية في إقناع السعودية، الدولة الوحيدة التي لديها طاقة إنتاجية احتياطية كبيرة، بضخ المزيد من النفط. وقد يكون هناك عدد من العوامل لرفض السعودية القيام بذلك، ولكن كما أخبرني أحد كبار المسؤولين السعوديين مؤخراً: “أنتم الأمريكيون سريعون في طلب استجابتنا حين تريدون شيئاً ما، ولا تستجيبون لنا حين نناديكم”. (تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، من أجل تقديم تقييم صريح للوضع). ومضى يقول إنه في الماضي، حاول السعوديون الاستجابة لطلباتنا لأنهم رأوا الولايات المتحدة “صديقاً موثوقاً به” عندما تم تهديد أمنهم. [ولكن،] بعد تعرضهم للهجمات المتكررة من قبل الحوثيين وأسلحتهم الإيرانية الصنع التي شملت طائراتهم المسيّرة، وصواريخهم الجوالة، وقذائفهم، ورؤيتنا نتردد في المنطقة وفي ردود فعلنا، لم يعودوا يشعرون بهذا المسار.
ومن وجهة نظر أمريكية، لعبت عوامل أخرى دوراً مهماً في هذا الصدد. فمقتل الصحفي جمال خاشقجي؛ واستعداد دونالد ترامب لمنح السعوديين إعفاءً على قتله؛ وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى؛ والمسار التي أتبعه السعوديون في حربهم في اليمن، أثارت جميعها انتقادات للمملكة من قبل الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة بشكلٍ يمكن تفهمه، ودفعت هذه الأحداث إدارة بايدن إلى اتخاذ قرار بـ”إعادة ضبط” العلاقات الأمريكية مع السعودية. إلا أن الحرب التي شنها بوتين أعادت التركيز على الحقيقة التي تفرضها الاحتياجات الأمريكية. وفي الواقع، للسعودية أهمية استراتيجية في التنافس مع روسيا والصين.
هناك حاجة إلى النفط السعودي الآن وعلى مدى العقدين المقبلين، حيثيدير العالَم العملية الانتقالية من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة. والسعودية من بين دول الشرق الأوسط التي تحاول بناء مجتمعات حديثة وقادرة على الصمود، ومواجهة إيران التي تسعى إلى إدامة النزاعات في المنطقة لاستغلالها. ولا يشكل دعم طهران لروسيا مجرد صدفة. فإيران هي قوة تعديلية تسعى للهيمنة على الشرق الأوسط، وتُقَدّم سبيلاً للتقشف المفروض من أجل تطبيق إيديولوجية المقاومة المحدودة وغير المتسامحة. وما يدعوه الإيرانيون “محور المقاومة” هو في الواقع محور البؤس؛ فأبرز ما تصدّره إيران هي الطائرات بدون طيار والصواريخ والميليشيات والدول الفاشلة أو تلك التي تتجه نحو الفشل. (وتشكل لبنان وسوريا واليمن والعراق شواهد على ما ينتظر الدول التي تمارس فيها إيران نفوذها).
وقد تخدم إدامة النزاعات في الشرق الأوسط المصالح الروسية والإيرانية، لكنها لا تخدم المصالح الأمريكية. ولحسن الحظ، بدأ نمو تحالف يضم السعوديين والإماراتيين والمصريين والأردنيين والمغاربة والبحرينيين والإسرائيليين لمواجهة الخطط الإيرانية في المنطقة. وتوفر “القيادة المركزية الأمريكية” آليةً لدعم الحاجات الأمنية الخاصة بأعضاء هذا التحالف، فضلاً عن مظلةً يمكنهم من خلالها دمج أنشطتهم الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب والإنذار المبكر وأنشطة الدفاع السيبراني والصاروخي والطائرات المسيّرة – مما يجعلهم جماعياً أكثر أماناً مما لو كانوا بمفردهم. وكلما شجعنا نوع التعاون الاقتصادي والتجارة الذي تنشئه حالياً إسرائيل والإمارات، كلما بنينا أساساً أقوى للسلام الإقليمي، وكلما زاد تعزيزنا لتحالف قوي يدعم قواعد اللعبة التي نسعى إليها دولياً.
هل يعني ذلك أن علينا التخلي عن مخاوفنا بشأن حقوق الإنسان والابتعاد عن قيمنا؟ كلا، ولكن ذلك يعني أننا سنفعل ما فعلناه دائماً: تقدير أولوياتنا ومحاولة تحقيق التوازن بين القيم والمصالح. فيجب أن نمنع قواعد بوتين – التي تملي بموجبها الدول الأكثر قوة على الدول الأكثر ضعفاً المجاورة لها [ما عليها القيام به]، ويكون السكان المدنيون الهدف المختار – من تحديد مستقبلنا الدولي الجماعي. من الضروري بناء تحالف واسع النطاق من الدول التي تشاركنا هذا الهدف – وهو هدف يعكس قيمنا، وليس فقط مصالحنا.
معهد واشنطن