عادت المفاوضات بين الشركاء الأوروبيين حول الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا للتعثّر من جديد، بعد أن وصلت أمس الاثنين إلى طريق مسدود، بسبب إصرار المجر على رفضها وعدم تجاوبها مع العروض الأخيرة التي قدمتها المفوضية، لتعويض بودابست مقابل تخلّيها عن استيراد النفط الروسي الذي يعتمد عليه اقتصادها بنسبة 95 في المائة.
وقبل استئناف المفاوضات بين الدول الأعضاء حول هذه الحزمة التي تشمل حظراً كاملاً للنفط الروسي، مع إعطاء بعض الدول مثل المجر وسلوفاكيا وبلغاريا والجمهورية التشيكية مهلة انتقالية تمتد حتى عام 2025، قال المسؤول الأوروبي عن السياسة الخارجية جوزيب بورّيل أمس، إنه ليس قادراً على ضمان التوصل إلى اتفاق «لأن المواقف متصلّبة جداً»، ليضيف: «لست معنيّاً بإلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك؛ بل العمل من أجل التوصل إلى توافق بين الدول الأعضاء، وسنبذل قصارى جهدنا لحلحلة الوضع».
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بايربوك، قد صرّحت بأن الحظر الأوروبي على استيراد النفط الروسي يجب أن يكون قابلاً للاستدامة «لأنه قد يدوم سنوات عديدة»، ما فسّره مراقبون في بروكسل بأنه دعم غير مباشر للموقف المجري الرافض لإدراج النفط ضمن الحزمة الجديدة من العقوبات.
إلى جانب ذلك، قال ناطق بلسان الحكومة الإيطالية أمس، إن النمو الاقتصادي في بلاده معرّض لانتكاسة خطرة، في حال وقف استيراد المحروقات من روسيا، وخصوصاً الغاز الذي تشكّل إيطاليا ثاني المستوردين له في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، محذراً من أن ذلك يقضي على المكاسب التي حققها الاقتصاد الإيطالي مؤخراً، في إطار جهود النهوض من تداعيات جائحة «كوفيد». وأشار الناطق إلى أن هذه التوقعات تتطابق مع التقديرات الاقتصادية الفصلية للمفوضية الأوروبية. لكن لفتت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو قبل بداية اجتماعات المجلس الأوروبي النظر؛ حيث قال: «إن إيطاليا ترغب في الموافقة سريعاً على حزمة العقوبات الجديدة ولا تضع (فيتو) عليها؛ لأن العقوبات هي الوسيلة السلمية الوحيدة التي في متناولنا لحمل بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات». وأضاف دي مايو: «من البديهي أن القواعد المرعية في الاتحاد الأوروبي بحاجة للتعديل، لتجاوز مبدأ الإجماع؛ لأن دولة واحدة -المجر في هذه الحالة- لا يمكن أن تقف حائلاً دون اتخاذ قرار».
لكن مصادر المفوضية من جهتها لا تستبعد أن تتمكّن في الأيام المقبلة من تجاوز «الفيتو» المجري على حظر النفط الروسي، والموافقة على الحزمة السادسة من العقوبات التي بدأت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد تخشى تداعياتها في الأمدين المتوسط والطويل على الصعيد الداخلي، وفي الأمد القصير على الأوضاع الاقتصادية والاستقرار السياسي والاجتماعي في بلدان الجوار الشرق أوسطية والأفريقية.
وقال مسؤول أوروبي لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن المفوضية تتفاوض مباشرة مع حكومة فكتور أوربان حول برنامج استثمارات أوروبية، لمساعدة المجر على التعويض عن اعتمادها على المحروقات الروسية. ويترافق هذا البرنامج مع مرحلة انتقالية لإنهاء استيراد النفط الروسي في بعض البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وإنشاء بنى تحتية جديدة للنقل والتكرير، ومدّ شبكة من الأنابيب مع البلدان المجاورة. وتوقع المسؤول التوصّل إلى اتفاق بين بودابست وبروكسل يسمح بالموافقة على الحزمة الجديدة، ويمكن العقوبات هذا الأسبوع أو مطالع الأسبوع المقبل على أبعد تقدير.
وكانت مصادر المفوضية قد استبعدت أن يتمكن المجلس الأوروبي لوزراء الخارجية الذي رأسه بورّيل أمس الاثنين، من تذليل عقبة «الفيتو» المجري على حظر النفط الروسي، وأعربت عن ثقتها في أن توافق بودابست قريباً على الحزمة السادسة، بفضل برنامج الاستثمارات الأوروبية الموعودة في قطاع الطاقة المجري.
وتوقعت هذه المصادر أن يتوصل الطرفان الأوروبي والمجري إلى اتفاق، بعد أن توافق المفوضية غداً الأربعاء على تعديلات خطة الطاقة الأوروبية التي تهدف إلى الحد السريع من الاعتماد على المصادر الخارجية للمحروقات، ومدّها بتمويل إضافي من الموازنة الأوروبية المخصصة لصندوق الاندماج وللسياسة الزراعية المشتركة، وتحويله إلى مشروعات الطاقة المتجددة والبنى التحتية للتوزيع.
لكن المجر تصرّ على مطالبتها بخطط محددة للاستثمار، وجدول زمني واضح وملزم، «كي لا تتبخّر الوعود مع مرور الوقت»، كما قال أمس وزير الخارجية المجري بيتر زيجارتو، قبيل افتتاح أعمال المجلس الأوروبي.
ويقول خبراء المفوضية إن تكييف البنى التحتية في المجر والدول الأخرى التي تعتمد بنسبة عالية على النفط الروسي لن تكون مكلفة جداً، إذ يكفي بناء خطوط جديدة للأنابيب في بعض الحالات، وزيادة القدرات الاستيعابية للأنابيب الموجودة في حالات أخرى.
يذكر أن رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، كانت قد اقترحت مطلع الشهر وقف استيراد النفط الروسي الخام في فترة لا تتجاوز 6 أشهر، ومشتقاته بحلول نهاية العام الجاري؛ لكنها حذّرت من أن القرار لن يكون سهلاً؛ لأن ثمّة بلداناً تعتمد على النفط الروسي بنسبة عالية، فضلاً عن أنها لا توجد لديها شبكات بديلة لضخّ النفط من مصادر أخرى، وتفتقر إلى موانٍ بحرية لشحن النفط بالسفن.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحزمة السادسة من العقوبات التي ما زالت تنتظر الضوء الأخضر من بودابست، تشمل أيضاً عقوبات ضد قيادات عسكرية روسية عالية، يعتبرها الأوروبيون مسؤولة عن «جرائم حرب» في بوتشا الواقعة على أرباض العاصمة الأوكرانية، ومنع 3 مصارف روسية جديدة من استخدام نظام «سويفت»، وإلغاء تراخيص الإرسال إلى بلدان الاتحاد لثلاث محطات تلفزيونية روسية تملكها الدولة، ويتهمها الأوروبيون بأنها وسائل في خدمة «البروباغاندا وسياسة التضليل التي يتبعها الكرملين».
صحيفة الشرق الأوسط