لا تفوّت أنقرة ولندن فرصة التخلص من أي خلاف يعكر صفو العلاقات بينهما، وكان آخرها قرار الحكومة البريطانية رفع كل إجراءات الحظر التي كانت مفروضة على صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية نحو تركيا، وهو الحظر الذي فُرض سنة 2019 ردا على العملية العسكرية التركية “نبع السلام” في الشمال السوري.
ويأتي القرار البريطاني الأخير في وقت يصل فيه التنسيق العسكري والأمني مع تركيا إلى مستويات غير مسبوقة، مدفوعا بالترتيبات المتعلقة بالحرب الروسية في أوكرانيا، ولا يكاد يمر شهر من دون إجراء اتصال رفيع المستوى بين البلدين.
وكان قرار الحظر العقبة الوحيدة أمام تعاون عسكري أقوى بين البلدين، سيمنح لجيشي البلاد دفعة قوية؛ فتركيا بحاجة لتصنيع طائرات حربية قد تجعلها في غنى عن طائرات “إف 35” (F 35) الأميركية، أما بريطانيا فلا تخفي إعجابها بطائرات “بيرقدار تي بي 2”.
طموح تركي
لم تتخل تركيا عن طموحها في تصنيع طائرات مقاتلة من الجيل الخامس تستغني بها عن الانتظار الطويل للحصول على طائرات “إف 35” الأميركية، وقد يتحقق هذا الطموح من البوابة البريطانية التي تتوفر على شركات قادرة على تصنيع محركات الطائرات المقاتلة
وفي عام 2017، وقّعت رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك تيريزا ماي اتفاقية عسكرية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قيمتها 120 مليون دولار، بغرض تطوير مقاتلات تركية.
وتنص الاتفاقية على أن تتولى شركة “رولزرويس” البريطانية مهمة تطوير محركات المقاتلة التركية “تي إف-إكس إم إم يو” (TF-X MMU)، التي من المتوقع أن تدخل الخدمة سنة 2025 لتكون أول طائرة من الجيل الخامس تركية الصنع بالكامل، ولها مواصفات شبيهة بالطائرة “إف 35” الأميركية.
وبالفعل تم تأسيس شركة بين “رولزرويس” البريطانية والشركة التركية “كيل” تحت اسم الشركة التركية لمحركات الطيران (TAEC).
إلا أن تقارير عدة تحدثت في سنة 2019 عن وجود خلافات بين الجانبين التركي والبريطاني بشأن تقاسم حقوق الملكية الفكرية لبعض مكونات المحركات التي سيتم تصنيعها، قبل أن يتم الإعلان عن حل هذه الخلافات.
ويحيط عملية تصنيع محركات الطائرات الكثير من السرية والتكتم، إلا أن بعض التقارير تحدّثت عن أن المحرك الذي سيتم تصنيعه من الشركة التركية لمحركات الطيران ستكون له قدرات هائلة؛ من بينها الاستهلاك الأقل للوقود، والطيران على ارتفاع 40 ألف قدم، وبسرعة 2222 كيلومترا في الساعة.
إغراء بيرقدار
في تقريرها الدفاعي السنوي لعام 2021، وصفت الحكومة البريطانية تركيا “بأنها حليف مهم ومحوري في حلف الناتو”. وهذا التوصيف تعبر عنه شواهد كثيرة في واقع العلاقات العسكرية التركية البريطانية.
ولا يمل المسؤولون العسكريون البريطانيون من تكرار الإشادة والإعجاب بالطائرات المسيّرة التركية، مما دفع وزارة الدفاع البريطانية إلى الإعلان عن خطة لتصنيع طائرات مسيّرة منخفضة الكلفة مثل طائرات “بيرقدار” التركية.
وحسب صحيفة غارديان البريطانية، فإن المسؤولين العسكريين البريطانيين وصلوا لهذه القناعة بعد أن شاهدوا النجاحات التي حققتها بيرقدار في معركة قره باغ بأذربيجان.
وسبق لوزير الدفاع البريطاني بن والاس أن أثنى على الطائرات المسيرة التركية، وعدها نموذجا للتفوق في هذا المجال، مؤكدا أن المعطيات التي لديه تظهر أن هذه الطائرات قادرة على تدمير مئات المدرعات وكذلك المنظومات الدفاعية الجوية.
وتعد الكُلفة أهم نقطة تغري الجيش البريطاني لتصنيع طائرات مشابهة لبيرقدار، وذلك أن كلفتها تتراوح بين مليون ومليوني دولار. في المقابل، فإن الطائرات المسيرة التي تتوفر عليها بريطانيا وتعد الأحدث في العالم تبلغ قيمتها 20 مليون دولار، ويتم تصنيعها في الولايات المتحدة. ورغم القدرات التكنولوجية والقتالية العالية للطائرات المسيرة المتوفرة في بريطانيا فإن كلفتها تجعل من فقدان أي منها في أي معركة خسارة كبيرة.
وقالت صحيفة غارديان -المقربة من دوائر صنع القرار في بريطانيا- في مقال مطوّل إن طائرة بيرقدار تعد “العامل الحاسم في تغيير قواعد اللعبة” في الحرب الدائرة حاليا بأوكرانيا، وتنقل على لسان أكثر من مسؤول وخبير عسكري أن هذا النموذج من الطائرات بات مغريا داخل بريطانيا وخارجها
صفقات ضخمة
منذ سنة 2013، بلغ حجم الصفقات العسكرية بين بريطانيا وتركيا نحو 1.8 مليار دولار، وتباطأ حجم تصدير المعدات العسكرية البريطانية إلى تركيا خلال محاولة الانقلاب في أنقرة سنة 2016، إذ أصدرت بريطانيا ترخيصا واحدا لتصدير المعدات العسكرية إلى تركيا.
وعادت العلاقات العسكرية إلى سابق عهدها سنة 2017، واشترك البلدان في كثير من المشاريع، بما فيها تصنيع طائرات “إف 35” الأميركية التي تسهم بريطانيا في تصنيع بعض معدات هذه الطائرات وكذلك تفعل تركيا.
وتعد تركيا شريكا أساسيا في مشروع الطائرة العسكرية “إيه 400 إم” (A400M) لنقل الجنود، وتشرف بريطانيا على تصنيع أجنحة هذه الطائرات، وحصلت منها تركيا على 7 قطع خلال الفترة بين 2014 و2017.
الجزيرة