عقب أشهر من التحذيرات المتفاوتة التي أطلقتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حذر مجلس الأمن القومي الإسرائيلي بشكل واضح ومحدد من أن إيران قد تسعى لمهاجمة إسرائيليين على الأراضي التركية، وهو ما يعيد إلى الواجهة نشاط المخابرات الإيرانية الذي تصاعد في السنوات الأخيرة على الأراضي التركية ويفتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول مدى استعداد طهران للمخاطرة بعلاقاتها مع أنقرة في حال استهدافها بالفعل إسرائيليين على الأراضي التركية.
وقبل أيام، اتهمت طهران إسرائيل بالتورط في مقتل العقيد في الحرس الثوري حسن صياد خدائي، الذي لاقى حتفه عندما أطلق شخصان على متن دراجة نارية النار عليه في أثناء قيادته لسيارته، وتعهدت بالانتقام.والأحد قال قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي إن خدائي قضى “على يد أشقى الأشقياء، أي الصهاينة، وإن شاء الله سوف نثأر لدماء الشهيد”، وفق ما أورد الموقع الإلكتروني الرسمي للحرس “سباه نيوز”، الإثنين.
ومع تصاعد دعوات الانتقام الإيرانية، حذرت إسرائيل مواطنيها، الاثنين، من السفر إلى تركيا، وقال مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في بيان إن طهران قد تسعى لإلحاق الأذى بالإسرائيليين في تركيا ووصفها بأنها “دولة شديدة الخطورة“، حيث تعتبر تركيا وجهة سياحية للإسرائيليين الذين زادت أعدادهم في الأسابيع الأخيرة مع مساعي التقارب المتسارعة في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
وفي السنوات الأخيرة برز نشاط المخابرات الإيرانية على الأراضي التركية بشكل لافت بعدما نفذت مجموعات إجرامية وأمنية مختلفة قالت تركيا إنها مرتبطة بالمخابرات الإيرانية عمليات أمنية مختلفة على أراضيها كانت في معظمها تستهدف معارضين وعسكريين إيرانيين لاجئين في تركيا، كما جرى الحديث مؤخراً عن إفشال مخططات لمجموعات مرتبطة بالمخابرات الإيرانية لاستهداف إسرائيليين في تركيا أيضاً.
إفشال محاولة اغتيال إسرائيلي
بداية فبراير/شباط الماضي، كشفت مصادر إعلامية تركية عن أن المخابرات التركية أحبطت خطة إيرانية سرية لاغتيال رجل أعمال تركي-إسرائيلي على الأراضي التركية وذلك باعتقال 8 أشخاص من خلية يقودها إيرانيون يعتقد أنهم على ارتباط بالمخابرات الإيرانية.
وأوضحت صحيفة صباح المقربة من حزب العدالة والتنمية والحاكم في تقرير لها آنذاك، أن مخطط الاغتيال كان يستهدف رجل الأعمال يائير كلر وهو مواطن يحمل الجنسيتين التركية والإسرائيلية، ويعيش في إسطنبول، ويعمل في مجال الصناعات الدفاعية عالمياً، في حين لم تؤكد مصادر رسمية تركية هذه الأنباء التي عادة ما تكتفي الحكومة بتسريبها من خلال وسائل الإعلام غير الرسمية المقربة منها.
وأوضحت الصحيفة أن إحباط محاولة الاغتيال تم في عملية، جرى خلالها توقيف 8 أشخاص يعملون لصالح المخابرات الإيرانية وذلك عقب شهور من التعقب والمتابعة التحليلية المفصلة للشبكة التي راقبت بشكل مفصل مقر عمل رجل الأعمال التركي ومنزله في منطقة بيشكتاش بإسطنبول والتقطت له صورا ترصد تحركاته تمهيداً للانتقال إلى مرحلة تنفيذ مخطط الاغتيال، فيما تحدثت مصادر عن أن المخابرات التركية تعاونت مع الموساد الإسرائيلي لإحباط العملية.
وحسب الصحيفة فإن المخابرات الإيرانية أرادت باغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي الانتقام لمهندس الطاقة النووية الإيراني محسن فخري زاده، الذي اغتاله الموساد باستخدام تقنيات الذكاء الصناعي بمدفع آلي صغير استهدفه في سيارته وأرداه قتيلاً في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث سبق وأن كشفت مصادر إسرائيلية عن إحباط عملية مشابهة للمخابرات الإيرانية لاغتيال رجال أعمال إسرائيليين في قبرص القريبة من تركيا.
استهداف معارضين
في السنوات الأخيرة، كثفت المخابرات الإيرانية من أنشطتها على الأراضي التركية لا سيما في عمليات ملاحقة واغتيال معارضين إيرانيين، فيما نجحت المخابرات التركية في إحباط العديد من العمليات واعتقال عملاء للمخابرات الإيرانية وهو ما كاد أن يتسبب بأزمة دبلوماسية كبيرة بين طهران وأنقرة.
وتقول مصادر تركية إن المخابرات الإيرانية تستغل وجود مئات آلاف الإيرانيين الذين يعيشون في تركيا إلى جانب السياح الذين يعبرون بشكل دائم إلى المحافظات الشرقية، إلى جانب استغلال الموقع الجغرافي القريب وإمكانية اختراق الحدود الطويلة بين البلدين، يضاف إلى ذلك العمل من خلال الشبكات الإجرامية والمافيا.
والعام الماضي، نفذت المخابرات التركية عملية أمنية واسعة ضد شبكة مخدرات تابعة لزعيم مافيا مرتبط بالمخابرات الإيرانية متهمة بالمسؤولية عن اختطاف ناشط أحوازي معارض للسلطات الإيرانية من إسطنبول ونقله إلى إيران، وذلك بالتزامن مع توتر في العلاقات بين البلدين، حيث أعلن التلفزيون الرسمي آنذاك أن المخابرات التركية اعتقلت 11 شخصاً مرتبطين بالمخابرات الإيرانية.
والعام الماضي أيضاً، قالت صحيفة “ديلي صباح” التركية المقربة من الحكومة إن السلطات التركية اعتقلت موظف القنصلية الإيرانية في إسطنبول محمد رضا ناصر زاده، بتهمة مساعدة الرجل الذي دبر اغتيال المعارض الإيراني مسعود مولاوي فاردانجاني في عام 2019 في إسطنبول.
وقبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر، ألقى جهاز الاستخبارات والأمن التركيان القبض على 8 أشخاص، بينهم عميلان لإيران، خلال محاولتهم تهريب عسكري إيراني سابق إلى بلاده عبر ولاية “وان” شرقي تركيا، وحسب ما أعلن رسمياً فإنه تم القبض على 8 أشخاص، بينهم عميلان لإيران أحدهما يحمل الجنسية التركية خلال محاولتهم تهريب عسكري إيراني سابق “م أ” المقيم في ولاية وان التركية
صدام سياسي
على الرغم من أن مصادر تركية رسمية وغير رسمية اتهمت مراراً المخابرات الإيرانية بتنفيذ عمليات اغتيال وخطف على الأراضي التركية إلا أن أنقرة اكتفت بمحاربة هذه المجموعات دون أن يتطور الأمر إلى أزمة سياسية كبيرة بين أنقرة وطهران حيث يحافظ البلدان على سياسة تحييد الخلافات والبناء على نقاط الاتفاق.
لكن العامل الحاسم والمختلف يتمثل في أن كافة العمليات السابقة كانت تستهدف مواطنين إيرانيين ولم تتسع لتشمل مواطني أي دولة أخرى، كما أنها نفذت في أغلبها من خلال شبكات إجرامية متعددة الجنسيات يصعب اتهامها بالانتماء أو العمل بشكل مباشر لصالح المخابرات الإيرانية التي ستنفي هذه الاتهامات بكل الأحوال.
إلا أنه في حال تعلق الأمر باغتيال إسرائيليين على الأراضي التركية وهو من شأنه أن يفجر أزمة بين أنقرة وتل أبيب ويضرب سمعة الأمن والاستقرار في تركيا يتوقع أن يدفع ذلك نحو أزمة كبيرة في العلاقات بين البلدين سيكون من الصعب احتواؤها باعتبار أن ذلك سيكون بمثابة استهداف مباشرة لرعايا دولة ثالثة على الأراضي التركية، وهو ما يدفع للاعتقاد أن إيران لن تخاطر في علاقاتها مع تركيا إلا أذا تيقنت بأنها لن تتهم بالمسؤولية عن العملية وهو سيناريو يبدو غير واقعي في ظل التحذيرات الحالية ونظراً لإثبات الأمن والمخابرات التركية في السنوات الماضية قدرتهما على تتبع العمليات الأمنية التي نفذت في تركيا وفك لغزها خلال وقت قصير.
القدس العربي