في الوقت الذي لا تزال فيه القوى السياسية الشيعية تعوّل على «الحوار» لإنهاء أزمة الانسداد السياسي المركّبة في العراق، غير إن المعطيات على الأرض توثّق تعصّباً في المواقف بين التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، وحلفائه من جهة، وبين «الإطار التنسيقي» الشيعي وشركائه من جهة ثانية، وسط بوادر على «انفجار» مرتقب للشارع العراقي، وتصعيد سياسي وشعبي.
ولم تتوصل قوى «الإطار التنسيقي» إلى تفاهم مع «التيار الصدري» يفضي إلى تشكيل «الكتلة الشيعية الأكبر» التي ينبثق منها رئيس الوزراء الجديد.
ويصر الصدر وحلفاؤه على تشكيل الحكومة الجديدة، وفقاً لمبدأ «الأغلبية الوطنية» مقابل تمسّك «الإطار التنسيقي» بحكومة «أغلبية» على غرار التجارب العراقية السابقة في نظام الحكم منذ 2003.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي (غير حكومي) الدكتور احسان الشمري لـ«القدس العربي»: «جميع المؤشرات ما زالت تمضي باتجاه الانغلاق وعدم وجود تقارب بين الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية».
ورغم إنه لفت إلى وجود «هامش من التقارب بين الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (برئاسة بافل طالباني)» لكنه اعتبر أن «هذا أيضاً ينتظر التقارب بين القوى الشيعية، خصوصاً إن الحزب الديمقراطي لا يستطيع أن يترك تحالف انقاذ وطن (أو التحالف الثلاثي مع التيار الصدري وتحالف السيادة السنّي) وحتى الاتحاد الوطني لا يستطيع أن يتخلى عن الإطار التنسيقي (يضم القوى السياسية الشيعية وتحالف عزم السنّي)».
ورأى الشمري إن المشهد السياسي العراقي «ماضٍ نحو المزيد من التصلّب في المواقف».
وعن إمكانية أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً سياسياً أو شعبياً، أشار الشمري إلى إن «التصعيد يمكن أن يكون باتجاهين؛ الأول، هو ذهاب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى إعلان المعارضة ومن ثم النزول إلى الشارع، خصوصاً إن التوافق مع بقية القوى السياسية (الإطار التنسيقي) يبدو بعيداً عن أجندته السياسية».
وبشأن الاتجاه الآخر للتصعيد المحتمل، حسب الشمري، هو «تحرّك الشارع العراقي الذي لم يحقق ما كان يطمح إليه من خلال الانتخابات المبكّرة (جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2021) بكونها لم تأت بممثلين لهم القدرة على التغيير».
ومضى يقول: «الأحزاب التقليدية هي من أمسكت بالانتخابات. الشارع يشعر بإحباط كبير، وهذا الأمر قد يدفعه إلى الانفجار، خصوصاً إنه يدرك إن هذه الأحزاب والقوى لا تمتلك الرغبة في التغيير».
وفي حال عودة الحراك الاحتجاجي من جديد، يرى الشمري «انخراطاً أكبر للأمم المتحدة بمشروع جديد يمكن من خلاله تحقيق عقد سياسي جديد».
وأكد إن «الحل هو الذهاب إلى عقد سياسي، وغير ذلك سيؤدي إلى استمرار أزمات الفساد وانتشار السلاح وغيرها.
وشهدت الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي، سلسلة لقاءات أجرتها الممثلة الأممية في العراق، جينين بلاسخارت، مع رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس تحالف «الفتح» المنضوي في «الإطار التنسيقي» الشيعي، هادي العامري، لبحث «الانغلاق السياسي» وسبل معالجته.
وشدد رئيس الجمهورية، على دعم مسار الحوار والتلاقي للخروج من الانسداد السياسي الراهن.
وقال مكتب صالح في بيان سابق، انه استقبل الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، لبحث مجمل التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في البلد، حيث تم التأكيد على ضرورة تعزيز الاستقرار الأمني وملاحقة فلول «الإرهاب» التي تسعى لزعزعة أمن واستقرار المواطنين في بعض المناطق والقصبات.
كما تم التأكيد، وفق البيان، على «أهمية دعم مسار الحوار والتلاقي للخروج من الانسداد السياسي الراهن، والأخذ بالاعتبار التحديات الجمّة التي تواجه البلد والتي تستدعي رصّ الصف الوطني ومعالجة المسائل العالقة بروح المسؤولية والشروع في تلبية الاستحقاقات الوطنية وبما يرقى وتطلعات العراقيين».
في السياق ذاته، أكد زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري، ضرورة إنهاء حالة الانسداد السياسي وتشكيل حكومة جديدة، فيما أشار إلى دعم مبادرة النواب المستقلين.
وقال مكتب العامري في بيان، إن الأخير «استقبل رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت في مكتبه بالعاصمة بغداد، وبحث مجمل الأوضاع السياسية وآخر التطورات في المشهد المحلي» فيما شددا على ضرورة «انهاء الانسداد السياسي وحل الأزمة الراهنة تمهيدا لتشكيل الحكومة المقبلة».
وأكد العامري «دعم الإطار الشيعي لمبادرة المستقلين التي تتضمن رؤى متقاربة بين الطرفين» مشدداً على ضرورة «إعلان تشكيل الكتلة الأكبر وضمان حق المكون الاجتماعي الأكبر».
وأوضح زعيم تحالف «الفتح» أن «الإطار منفتح مع كل من يريد تقريب وجهات النظر بهدف الوصول إلى نقطة الالتقاء والتفاهم من أجل إنهاء الانسداد الحاصل وتشكيل حكومة قادرة على تحمل مسؤولياتها في تقديم الخدمات وجميع الملفات المهمة التي تحقق مصالح الشعب العراقي».
في الموازاة، شدد رئيس تحالف «قوى الدولة الوطنية» عمار الحكيم، على احترام حق المكون الأكبر «الشيعي» في ترشيح رئيس الوزراء.
تصريحات الحكيم جاءت خلال عقده لقاءات مع شخصيات عشائرية في النجف، نهاية الأسبوع الماضي.
وأضاف: «نشدد على احترام حق المكون الاجتماعي الأكبر في ترشيح استحقاقه الحكومي المتمثل بشخص رئيس الحكومة المقبلة» مبينا أن «احترام هذا الحق للمكون الأكبر لا يعد حديثا مذهبيا بل هو حفظ لتوازنات البلد واستقرار».
كما أشار إلى «طبيعة المشهد السياسي في البلاد» داعياً «لإنهاء حالة الانسداد السياسي الحالي لتحقيق تطلعات الشعب وتمكينه من الإفادة من الوفرة المالية الحالية التي أوجدها ارتفاع أسعار النفط عالميا».
وأكد الحكيم أهمية «تحقيق الأمن الغذائي وفق السياقات القانونية، واحترام موقف القضاء من إمكانية تشريع القوانين في مرحلة تصريف الأمور اليومية» محذراً من «المساس بقرارات القضاء كونه يخاطر بالنظام السياسي برمته».
وبشأن سلبيات وإيجابيات النظام البرلماني في العراق، يقول الحكيم: «بنظرة متوازنة لهذا النظام تلحظ الحالتين، فكما يتميز النظام البرلماني بتعدد الآراء والرؤى ويعطل نضوج القرارات، فهو يشكل ضمانة لعدم أخذ العراق تحت مبدأ الرأي الواحد والقائد الضرورة، وفي ذات الوقت يضمن حضور وتمثيل المكونات في المشهد السياسي».
وأوضح إن «الأغلبية الوطنية أحد ضمانات النظام السياسي، فهي توفر البديل وتحمّل الأطراف مسؤولية إدارة الدولة» مبينا «أهمية الأغلبية الوطنية الواسعة التي تفتح الباب أمام جميع الراغبين بالمشاركة إلى أن يشاركوا في الحكومة مع حفظ تمثيل المكون الإجتماعي الأكبر، فلا يمكن للأغلبية الاجتماعية أن تتحول إلى أقلية في حكومة الأغلبية».
كما جدد الحكيم دعوته إلى «ضمان التمثيل الاجتماعي داخل المكون الأكبر. دعونا إلى منح المعارضة حقها بالحصول على المعلومة وتمكينها من المفاصل التي تدعم عملها، فنجاح الأغلبية مرهون بنجاح المعارضة في أداء واجبها ودورها في الرقابة والوصول إلى المعلومة».
القدس العربي