أحدثت الحرب الروسية الأوكرانية صدمة كبيرة في جانب العرض في اقتصاد ما بعد كوفيد، وأطلقت العنان للتضخم ونقص الغذاء وارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية. كما أنها تهدد بقلب القواعد التي قام عليها الاقتصاد العالمي بعد العام 1991 رأساً على عقب.
حتى بينما تكتب مجلة “الإيكونوميست” عن “كارثة الغذاء المقبلة”، يعترف محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، بأنه غير قادر على إيقاف التضخم في المملكة المتحدة عند معدل 10 في المائة. كما أن مكتب الولايات المتحدة لإحصائيات العمل يسجل تضخمًا بنسبة 8.3 في المائة لشهر نيسان (أبريل). وفيما يلي، ينظر رئيس تحرير “فير أوبزيرفر”، أتول سينغ، تحت السطح وحول الزاوية لمحاولة شرح ما يمكن توقعه في الاقتصاد العالمي والعواقب الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية.
ما العواقب الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية؟
العواقب وخيمة وكارثية. لم يكن يمكن أن تأتي هذه الحرب في وقت أسوأ من هذا. لقد شهدنا أزمة مالية عالمية في العامين 2007-2008. وبعد ذلك، اتبعت البنوك المركزية سياسة نقدية فضفاضة مع التيسير الكمي. وبعد ذلك، كان على الحكومات، بطبيعة الحال، أن تكون فضفاضة مالياً لمكافحة الوباء.
والآن، تتسبب الحرب الروسية الأوكرانية في صدمة في جانب العرض، مما يعني عودة اقتصادات الطاقة، وعودة اقتصادات الغذاء، وبطبيعة الحال، عودة اقتصادات السلع.
اقتصادات الطاقة؟ بكل بساطة، ارتفعت أسعار النفط والغاز. وأصبح التضخم يمزق العالم، حتى أن البلدان الغنية نفسها تعاني.
الغذاء؟ حسنًا، قرأنا في “مجلة الإيكونوميست”، لا أقل، عن كارثة الغذاء الوشيكة -هناك 250 مليون شخص معرضون الآن لخطر المجاعة.
السلع؟ إن روسيا هي أكبر مصدّر للغاز الطبيعي، وثاني أكبر مصدّر للنفط، وثالث أكبر مصدّر للفحم. ويأتي حوالي 25 في المائة من النيكل المستخدم في صناعة البطاريات من روسيا. وفي الواقع، تأتي 50 في المائة من واردات الولايات المتحدة من اليورانيوم من روسيا، ناهيك عن النحاس والبلاديوم وغيرهما من المعادن.
لذلك، هناك صدمة حقيقية في جانب العرض ذات أبعاد هائلة. أضف إلى ذلك السفن التي لا تستطيع أن تغادر البحر الأسود، ويمكنك أن ترى أن هذا كله سينتهي بشكل سيئ للغاية.
- من سيعاني أكثر ما يكون؟
سيكون الأشخاص الذين يحتاجون إلى الغذاء أكثر من سيعاني. فالشرط الأول للعيش هو الماء ثم الطعام بطبيعة الحال. ومن المهم أن نتذكر أن روسيا وأوكرانيا توفران 28 في المائة من القمح العالمي، و29 في المائة من الشعير في العالم، والكثير من الذرة، وبالطبع 75 في المائة من زيت عباد الشمس.
تعتمد مصر في 86 في المائة من وارداتها على القمح الروسي والأوكراني، وتأتي 30 في المائة من السعرات الحرارية التي تستهلكها مصر من الخبز. وإذن، هي قضية خبز وزيت. ومع ارتفاع أسعار النفط، يحصل ارتفاع أسعار المواد الغذائية على دفعة مزدوجة لأن تكاليف الإنتاج في أماكن مثل الولايات المتحدة والهند والصين ترتفع.
تعاني الهند من صيف حار بشكل استثنائي، ولذلك، سوف تنخفض إمداداتها من المحاصيل. وعانت الصين من تأخر هطول الأمطار. ولذلك، لدينا كميات محاصيل متدنية مصحوبة بارتفاع في أسعار الغذاء والنفط لكي يحدث عاصفة كاملة.
وبطبيعة الحال، دعونا لا ننسى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء حيث يتم تخصيص 40 في المائة من ميزانية الأسرة للطعام. سوف يعاني الجميع وسيكون الضحايا الكبار هم ليبيا وتونس ومصر، بطبيعة الحال، وقد أشرت إليهم من قبل. وهناك لبنان، الذي يستطيع تخزين ما يكفي من الغذاء، بعد انفجار الميناء في العام 2020، لمدة شهر واحد فقط. هناك أوقات عصيبة للغاية تنتظرنا في الأمام. - ما نتائج العقوبات المفروضة على روسيا؟
حسنًا، النتائج الواضحة للعقوبات هي اقتصاد روسي متضرر حقًا. لقد تم استبعاد روسيا من النظام المالي العالمي. وتجد المصانع الروسية صعوبة في العثور على قطع الغيار لمواصلة العمل. وقد انسحبت العلامات التجارية الكبرى من روسيا. وغادرت مؤسسات القانون روسيا. خرجت كوكا كولا من البلد وخرج ماكدونالدز وهكذا دواليك.
الضرر الذي لحق بالاقتصاد الروسي واضح. والضرر الذي لحق بالاقتصاد الأوكراني واضح أيضًا. هناك العديد والعديد والعديد من التقارير التي تتحدث عن كيف أن الاقتصاد الأوكراني أصبح يتأرجح على حافة الانهيار، وربما لا يستطيع أن يتحمل حرباً أطول. ولكن، إضافة إلى روسيا وأوكرانيا، هناك تأثيرات من الدرجتين الثانية والثالثة.
نتائج العقوبات هي خسارة في الأرباح لكثير من الشركات الأوروبية. الشركات الألمانية تعاني. ومن الواضح أن الفرنسيين يعانون. وبعد ذلك بالطبع، لا يمكن للشركات الصينية التي تعمل في الغرب أن تعمل في روسيا، على الأقل بالحرية نفسها التي كانت تعمل بها هناك في السابق. ولا تستطيع الشركات الهندية أن تعمل هناك أيضاً.
وهناك، بطبيعة الحال، تهديد فرض عقوبات مضادة. ماذا لو قالت روسيا إنها لعبة يمكن أن يلعبها اثنان؟ سوف نقوم بإيقاف إمدادات النيكل. وداعًا لاقتصاداتكم الخضراء. وداعا لسياراتكم النظيفة. إن نتائج العقوبات متعددة الطبقات والأبعاد.
ثم هناك مسألة النظام المالي العالمي. فقد تم تجميد أصول البنك المركزي الروسي وإغلاق نظام “سويفت” أمام روسيا. ماذا تفعل الدول الأخرى، مثل السعودية والصين، للرد على ذلك؟ - هل يمكن أن تكون هناك ضربة ارتدادية بسبب العقوبات؟
بالطبع، يمكن أن يكون -وسيكون- هناك رد فعل سلبي وضربة ارتدادية. هناك دائمًا عواقب غير مقصودة لهذه الأشياء. الآن، يمكن لروسيا أن توقف الإمدادات من النيكل والبلاديوم وما إلى ذلك. إن العقوبات هي لعبة يمكن أن يلعبها اثنان.
السعودية قلقة. منذ وقت ليس ببعيد، نُسبت إليها واقعة تقطيع صحفي معين في إسطنبول ويمكن كثيراً أن يتم استخدام العقوبات نفسها التي تُفرض على روسيا ضد السعوديين. إنها تشكل سابقة جيدة. ولا تحظى الصين بشعبية كبيرة في واشنطن ولا في العواصم الأوروبية هذه الأيام. لذلك ظهر حديث عن تجارة بترول-يوان تتحدى الدولار، وبرز الحديث عن تجارة روبية-روبل والحديث عن تجارة رنمينبي-روبل.
مع بدء كل هذه البلدان المختلفة في التداول بعملاتها الخاصة الصحيحة، من المحتمل أن يشكل ذلك تحديًا للدولار. ولنتذكر أيضًا أنه تم طرد روسيا من نظام “سويفت”، شبكة المدفوعات والمعاملات المالية العالمية. و”سويفت” غالي الثمن. وهو آمن بالتأكيد، لكن هذا قد يدفع باتجاه تطوير نظام بديل أرخص ويعمل بالالتفاف على “سويفت”. ربما يكون العالم على وشك أن يصبح مثيراً وممتعاً للغاية. - هل سيصمد الاقتصاد الروسي أم سيهيمن الدولار؟
حسنًا، أحد الآراء هو أن ما يجري سيكون مضراً جداً بروسيا. سيؤدي التضخم إلى انهيار النظام، تمامًا كما أنهى مزيج من الانهيار الاقتصادي والهزيمة العسكرية النظام القيصري في العام 1917. وثمة وجهة نظر أخرى هي أن روسيا تمتلك اقتصاد حصن. لديها الطعام، ولديها الطاقة، وسوف تنجو وتبقى على قيد الحياة.
إذا تبنيت وجهة النظر الأخيرة، يمكنك قول إن الروبل قد تعافى. فقد ربطه الروس بالذهب. وتمتلك روسيا خامس أعلى احتياطي من الذهب في العالم، ويعمل الاقتصاد الروسي بشكل أفضل بكثير من المتوقع.
ما يزال الحكم على سوية الأمور خارج نطاق التوقع عندما يتعلق الأمر بما سيحدث، لكن روسيا تتعرض لضغط حاد، واختبار كعكة الحلوى هو أكلها. دعونا نر كيف ستكون أحوال روسيا بحلول نهاية هذا العام.
هل سيسود الدولار؟ الجواب نعم، لكن الدولار سيضعف لأن العقوبات جعلت الاقتصادات الكبيرة، مثل الهند والصين، متوترة للغاية. وهذه اقتصادات ذات معدلات نمو عالية. هذه هي الاقتصادات التي تريد سعرًا منخفضًا للنفط بينما أسعار النفط في ارتفاع.
هذه البلدان لا تمتلك موارد طاقة طبيعية. ولذلك، ستحاول بشكل متزايد الالتفاف حول العقوبات الغربية من خلال إبرام الصفقات السرية.
كما سيظهر نوع من النظام المالي الموازي. سوف نرى عالمًا أكثر تجزئة، اقتصاديًا، في نهاية هذا الصراع، بفضل الضغوط -والضغوط التضخمية- التي أطلقها الصراع في مختلف أنحاء العالم. - الغد