تعمل السعودية والإمارات على وضع شروط للحصول على الحماية الأمنية الأميركية، وفقا لما نقلته “بلومبيرغ” عن مصادر مطلعة على النقاشات السرية، تزامنا مع ما يبدو أنها “مؤشرات على المصالحة” بين الرياض وواشنطن.
عندما خاض جو بايدن سباق الرئاسة الأميركية تعهد بأن تصبح السعودية “منبوذة” بسبب مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، ولدى وصوله البيت الأبيض جمد مبيعات الأسلحة للمملكة بسبب الحرب التي تخوضها في اليمن، كما رسم خطة تعتمد فيها الولايات المتحدة على مصادر الطاقة المتجددة عوضا عن اعتمادها على سوق النفط الذي تملك فيه المملكة نفوذا واسعا.
لكن الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، والتي تسببت بأكبر تشتيت لإمدادات الطاقة منذ عقود، جعلت بايدن مضطر إلى اتخاذ مسار مختلف وأن يعيد بناء تحالف أساسي للاقتصاد العالمي، وفقا لتقرير نشرته وكالة “بلومبيرغ”.
ومع الأزمة التي شهدتها أسواق الطاقة، يشير التقرير إلى أن المملكة تملك نفوذاً لوضع الشروط، في وقت تدر عليها هذه الأزمة مليار دولار يوميا من النفط ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة، إلى جانب الهند، بأسرع صورة من أي دولة في مجموعة العشرين.
وذكر التقرير أن مؤشرات “مصالحة” بدت في الأفق بعد اجتماع “أوبك+” الذي عقد في الثاني من يونيو الجاري، حيث تم فيه الاتفاق على رفع إنتاج النفط لأول مرة منذ أشهر من الدعوات الأميركية إليه، كما يخطط الرئيس الأميركي لإجراء زيارة إلى المملكة خلال الأسابيع القادمة كجزء من جولة أوسع في الشرق الأوسط.
ويقول بوب مكنالي، مدير “مجموعة رابيدان للطاقة”، التي تتخذ من واشنطن مقرا، إن “الطرفين يرغبان في تثبيت العلاقات”، مضيفا “الرئيس أعاد اكتشاف أهمية ثبات أسعار النفط والغاز، وبالأخص الدور الحيوي الذي تلعبه السعودية”.
ويرى التقرير أن بايدن يعلم الآن أن القيادة السعودية تود تقييم أجندتها الخاصة، فولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يود من الرئيس الأميركي الاعتراف به كحاكم فعلي للمملكة بعد استبعاده عقب مقتل خاشقجي، كما يسعى إلى الاستثمارات الأميركية وقدرة الوصول إلى المعدات العسكرية الأميركية.
كما يعد الضمان الأميركي في حماية السعودية أمرا بالغ الأهمية، بالأخص في ضوء هجمات إيران والميليشيات التابعة لها على المملكة، وذلك ضمن اتفاق “النفط السعودي مقابل الحماية الأميركية”، الذي عقد في عام 1945.
تعهد أمني.. على الورق
ونقلت الوكالة عن مصدرين مطلعين على النقاشات في الرياض وأبوظبي، أن السعودية والإمارات تسعيان إلى توقيع اتفاقيات خطية.
وقال مصدر للوكالة، طلب عدم الكشف عن اسمه لأن النقاشات ليست علنية، إن ضمان الحماية الأميركية السابق لم يكن على الورق، ولا يعتبر موثوقا كما كان عليه الحال في العقود الماضية.
وذكر ثلاثة أشخاص مطلعين على النقاشات أن المسؤولين السعوديين يواجهون صعوبة في عرض قضيتهم أمام أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، مرجحين أن زيارة بايدن قد تساهم في “قلب الصفحة”.
وتقول مديرة مركز الإمارات للسياسات، إبتسام الكتبي، لـ “بلومبيرغ”: “إن كان هناك التزام من الجانب الأمني فإن ذلك سيساهم في قطع شوط طويل”.
وعلى عكس القادة السعوديين، فإن بايدن لا يملك صلاحية مباشرة للسحب من الآبار الأميركية، بل يعود القرار لشركات استخراج الصخر الزيتي غربي تكساس، الذين عانوا أصلا من تبعات مرحلة النمو الإجباري قبل الجائحة.
وتشير كارين يونغ، الزميلة في معهد الشرق الأوسط، الذي يتخذ من العاصمة واشنطن مقرا، إلى أن “السعوديين يأتون لإعادة ضبط (العلاقات) من موقع القوة.. إنهم يشعرون بأن موقفهم من النفط مبرَّر”، وفقا لما ذكرته لـ “بلومبيرغ”.
وذكرت المصادر للوكالة أن البيت الأبيض يجب أن “ينجز الكثير” قبل أن توافق السعودية والإمارات على ضخ النفط لخفض الأسعار المرتفعة، وتقول “بلومبيرغ” إن اتفاق “أوبك+” الأخير “لم يتحرك إلا بمقدار إبرة”، حتى لو كان ذلك يعني ابتعاد المملكة تدريجيا عن روسيا، التي شاركتها إدارة أسواق النفط الخام خلال السنوات الخمس الماضية.
لكن المحللين في “جي بي مورغان” يتوقعون أن الزيادة المتفق عليها في اجتماع “أوبك+”، والبالغة 648 ألف برميل يوميا، والمتوقعة في شهري يوليو وأغسطس، لن تؤثر بالأسواق، وذلك لأن العديد من أعضاء أوبك لن يتمكنوا من الوصول إلى هذا الحد من الإنتاج.
كما أن زيادة الإنتاج لن تحل مشكلة أكبر، وهي النقص في قدرة المصافي لتحويل النفط إلى وقود، وفقا للمحللين.
اتفاق يندثر
وللتأكيد على الضرورة الملحة لخفض الأسعار، أرسل بايدن مبعوثه إلى الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، وكبير مستشاريه لأمن الطاقة، عاموس هوكستين، في رحلات متعددة إلى السعودية والإمارات منذ أواخر العام الماضي.
وناقش المسؤولان مؤخرا ضمان استقرار إمدادات النفط العالمية، عوضا عن طلب النفط. وقالت السكرتيرة الصحفية، كارين جان بيير، في 7 يونيو، فيما يتعلق بزيارة بايدن المتوقعة، إنه سيعقد أي اجتماع يخدم مصالح الولايات المتحدة، وأضافت “إنه يعتقد أن التواصل مع القادة السعوديين يفي بوضوح بهذا الاختبار، كما فعل كل رئيس من قبله”.
وتقول “بلومبيرغ” إن مراقبين اعتبروا اتفاق “النفط مقابل الحماية” الذي عقده الملك عبدالعزيز، مع الرئيس الأميركي، فرانكلين روزفلت، قبل 77 عاما، في نهاية محتومة.
وكانت العلاقات بين الرياض وواشنطن قد تعرضت لضربات في الماضي، عندما رفضت السعودية الاعتراف بإسرائيل عام 1948، وقطع السعودية إمداداتها النفطية إلى الولايات المتحدة في ظل الحظر العربي لعام 1973، ما ساهم بارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم.
وتشير الوكالة في تقريرها إلى أن الشراكة بين الدولتين “وضعت تحت الاختبار” بعد هجمات 11 سبتمبر التي شنها إرهابيون كثير منهم كانوا سعوديين.
مع ذلك، يرى مكنالي، الذي كان مستشارا سابقا لدى البيت الأبيض، أن العلاقات مع الرياض وصلت حدا متدنيا تحت إدارة بايدن.
وواظب بايدن منذ توليه الرئاسة على التعامل مباشرة مع الملك السعودي، محمد بن سلمان، ورفض لقاء ولي عهد المملكة.
ولكن، وعقب ارتفاع الأسعار الذي شهده العالم بعد أن شنت روسيا الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير، حيث بلغ أسعار النفط الخام حوالي 140 دولارا للبرميل، يؤكد التقرير أن ” واشنطن صعّدت من جهودها لإعادة التقارب مع الرياض”.
الرياض.. مع موسكو وواشنطن
ورغم أن تعاون السعوديين لمساعدة دول الغرب في عزل روسيا، فإن ذلك لا يعني أن الرياض ستتخلى كليا عن شراكتها مع موسكو في إدارة إنتاج النفط وأسعاره على المدى القريب، وفقا لما نقله التقرير عن محللين.
فتحالف “أوبك+”، الذي يتكون من الدول المصدرة للنفط “أوبك” ومجموعة من الدول التي تقودها روسيا، عاد بفوائد على موسكو والرياض، بالأخص في فترة تفشي “كوفيد-19” عام 2020.
كما أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أسس علاقات وطيدة مع ولي العهد السعودي، حيث جمعتهما مكالمات عدة هذا العام لمناقشة أسواق النفط والأمن الإقليمي.
ويقول مكنالي لـ “بلومبيرغ”٬ “روسيا تعتبر أساسية للحفاظ على استقرار سوق النفط، وبالنسبة لمنتج للنفط فإنه لا يوجد ما هو أهم من النجاة فعليا”، مستبعدا أن تتخلى السعودية عن روسيا “بأي طريقة”.
لكن التقرير نوه إلى أن “رمزية” العودة السعودية للجانب الأميركي، بالأخص مع ارتفاع التنافس الصيني الأميركي، قد توفر “بعض الطمأنينة” لأسواق النفط.
ورجحت “بلومبيرغ” أن البيت الأبيض ، وفي حال واصلت روسيا قتالها في أوكرانيا، قد يطلب من السعودية سد النقص الناجم عن النفط الروسي، “ما قد يمنح المملكة نفوذا إضافيا”.
وقال بيل فارين-برايس، مدير مركز “إنفيرست للأبحاث” لـ بلومبيرغ”: “الجليد يذوب عن الدبلوماسية السعودية-الأميركية”، مستدركا “لكن الأمر سيتطلب تقدما إضافيا قبل الوصول إلى تطبيع كامل”.
الحرة