العراق: الأحزاب السياسية تخشى الذهاب إلى المعارضة والتمديد لحكومة الكاظمي أحد خيارات تجاوز الأزمة

العراق: الأحزاب السياسية تخشى الذهاب إلى المعارضة والتمديد لحكومة الكاظمي أحد خيارات تجاوز الأزمة

لم تعتد الأحزاب السياسية في العراق، منذ عام 2003 فكرة طرح أغلبية سياسية حاكمة مقابل معارضة برلمانية ناشطة، تستهدف تشخيص أخطاء السلطة التنفيذية وتقويم عملها، قبل أن يتبنى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، هذا المشروع، وطرحه مؤخراً كأحد الحلول لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

وربما يلاقي المبدأ السياسي الجديد في العراق، ترحيباً شكّلياً لدى الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة والناشئة على حدٍّ سواء، غير إن تطبيقه على الأرض يصطدم بعدّة عقبات أبرزها «تخوّف» الفريق المعارض من الاستهداف، في حال تخلّيه عن المشاركة في الحكومة.
وطرح الصدر طريقين لا ثالث لها، في كلمته التلفزيونية الأسبوع الماضي، أمام القوى السياسية العراقية؛ فإما استقالة نواب كتلته البرلمانية (أكثر من 70 نائباً) أو اللجوء إلى المعارضة تحت قبّة البرلمان، رافضاً في الوقت عيّنه تأليف حكومة «توافقية» ومشترطاً اعتماد مبدأ «الأغلبية الوطنية» في إدارة دفّة الحكم في البلاد، في المرحلة المقبلة.
المحلل السياسي العراقي، واثق الجابري، يرى أن «القوى السياسية تنظر بعين الريبة لتلويح الصدر بالذهاب إلى المعارضة أو الانسحاب من البرلمان» مرجّحاً في الوقت ذاته لجوء الأحزاب إلى «استخدام الجمهور للضغط على القوى السياسية أو لإسقاط الحكومة».
ويؤكد الجابري لـ«القدس العربي» إن «مفهوم الأغلبية الحاكمة والمعارضة لم يتبلور لدى القوى السياسية حتى الآن».
وباستثناء بعض النواب المستقلين، المنبثقين عن حراك تشرين الاحتجاجي، في هذه الدورة البرلمانية، لم يألف مجلس النواب وجود تكتّل برلماني معارض، منذ إسقاط نظام صدام حسين في 2003.
ويضيف الجابري: «لا توجد جدية في ذهاب قوى سياسية بعينها إلى المعارضة، بكونها لا تمتلك أدوات المعارضة، إضافة إلى إن تلك القوى (المعارضة) ترى بأنها ستكون مستهدفة».
وأشار إلى أن «الحديث عن تطبيق مبدأ الأغلبية الآن غير قابل للتحقيق، في ظل رغبة القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية الاشتراك في الحكومة».
وينطبق ذلك الوصف، حسب المحلل السياسي العراقي، على الكتلة الصدرية، التي ترى «بأنها ستضع نفسها في الموقع نفسه في حال قررت الذهاب إلى المعارضة».
والخميس الماضي، أشار الصدر في خطابه قائلاً: «بالأمس دعونا لينصرونا، وطلبوا مني الرجوع إلى الانتخابات بعد ان طوينا عنها كشحا ووقعوا بأقلامهم على ذلك، واليوم لا ‏يريدون إلا التوافق، وقد تراجعوا عن أقوالهم التي كانت لهم دعاية انتخابية ‏بأن إصلاح البلد لن يكون إلا بحكومة أغلبية وطنية، لأن الأغلبية لنا لا ‏لغيرنا».  ‏
وأضاف: «وإذ تناسى الأغلب معاناة الشعب من جراء ما يسمونه بالانسداد ‏السياسي فإنني لن أنسى ولن أتغافل عن ذلك، فكل ما أريده هو كرامة ‏الشعب وأمنه ولقمته وصلاحه، ومن هنا صار لزاماً عليّ أن لا أشترك معهم ‏ليعود العراق لقمة للتوافق والفساد والتبعية».  ‏
وتابع: «قررت البقاء في المعارضة البرلمانية فما استطاعوا ان يشكلوا ‏الحكومة وبقي ما يسمونه انسدادا سياسيا واسميه الانسداد المفتعل، فإن كان ‏بقاء الكتلة الصدرية عائقا أمام تشكيل الحكومة فكل نواب الكتلة مستعدون ‏للاستقالة من مجلس النواب، ولن يعصوا لي أمراً، فهذا خياران أما ‏المعارضة وأما الانسحاب وعموما، فالعراق ليس بحاجة لمطلق الحكومة بل ‏للحكومة المطلقة ذات أغلبية تخدم شعبها وترجع هيبته وطاعته لله سبحانه ‏وتعالى».  ‏
ورغم موقف الصدر الرافض «للأغلبية» يصرّ «الإطار التنسيقي» الشيعي، على ضرورة إشراك زعيم التيار الصدري في تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، والتي ستحدد رئيس الوزراء المقبل وكابينته الحكومية، حسب الجابري، الذي أوضح أن «القوى السياسية السنية والكردية الآن غير مشغولة بمن سيكون رئيس الوزراء الجديد، وأناطت الأمر بالمكون الشيعي».
وذكّر أيضاً بما وصفها «العواقب الكبيرة» في حال عدم إشراك التيار الصدري أو «الإطار التنسيقي» في الكتلة الأكبر.
ويجري الحديث عن أنباء تفيد بنيّة ذهاب زعيم تحالف «الفتح» هادي العامري، إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، للقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، وبحث إيجاد مخرج «للانسداد السياسي».
ولم يبد «الإطار التنسيقي» الشيعي، أيّ ممانعة لانضمام السنة والأكراد- خصوصاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني- حسب وصف الجابري، الذي أشار إلى أن «موقف التحالف الثلاثي من كلمة الصدر غير واضح، ولم يصدر بيانا رسمياً موحداً».
في المقابل، انتقد القيادي في تحالف «الفتح» محمد البياتي، المبادرات التي وصفها بـ«السلبية» للصدر، وتؤثر على إحداث «شرخٍ» في البيت الشيعي.
ويضيف في تصريحات لمواقع إخبارية محلّية، أن «الصدر دائما ما يطلق مبادرات منها جيدة وتارة وسط، وذلك بحكم امتلاكه أكثر من 70 مقعداً برلمانياً، ما يفترض منه ان يكون طرفاً مؤثراً وليس ضاغطاً لإيجاد شرخ في البيت الشيعي الذي يحتاج إلى لملمة الأوضاع ويشكل الكتلة الأكبر لتستطيع أن تقوم بالمبادرات الوطنية التي من شأنها حل الانسداد السياسي».
وأوضح أن «ما نراه هو العكس، إذ دائما هناك مبادرات سلبية للخروج من الإطار العام وإيجاد مشاكل لا تحمد عقباها» وفق قوله.
وطبقاً للبياتي فإن «الإطار التنسيقي قدم مبادرات كثيرة للصدر بشأن التفاهم على تشكيل الكتلة الأكبر، ومن بعدها تأتي الخطوة اللاحقة بشأن ماذا يريد كل من الصدر والإطار والشارع والمواطنين بهذه المرحلة».
وأكد استعداد الإطار على «التفاهم والتوافق فيما إذا كانت الأغلبية خيار الشعب ليتم الذهاب باتجاه ذلك، أو إذا كان خياره التوافقية ليتم تلبيتها» مشدداً على ضرورة «تشكيل الكتلة الأكبر التي سيصبح قوامها أكثر من 183 نائباً حال الاتفاق على تشكيلها مع التحالف الثلاثي أو الكتلة الصدرية كحد أقل».
لكن الجابري كشف عن «انفراجة» مرتقبة تحملها الأيام المقبلة بعد «تدخل الأمم المتحدة في هذا الملف، وخصوصاً الممثلة الأممية في العراق، جينين بلاسخارت».
ويبدو أن الأوضاع السياسية المعقّدة في العراق، قد تذهب نحو التمديد لحكومة تصريف الأعمال الحالية، برئاسة مصطفى الكاظمي وفريقه الحكومي.
في هذا الشأن يرى الجابري أن «التصويت على قانون الأمن الغذائي (الأسبوع الماضي) أعطى التحالف الثلاثي أريحة في المفاوضات، مع امكانية الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال مدّة إضافية (3-6 أشهر)» موضّحاً إن «إجراء انتخابات جديدة يحتاج إلى تفاهمات، وتشريع قانون جديد للانتخابات، حسب توصيات المحكمة الاتحادية».
لكنه أقرّ بصعوبة تحقيق ذلك الخيار في الوقت الحالي بسبب «عدم وجود حكومة دائمة» مرجّحاً الذهاب نحو «الإبقاء على الحكومة الحالية كأحد الخيارات التي يلوّح بها التحالف الثلاثي».

القدس العربي