لم تتمكن تركيا من الحصول على موافقة روسية، تسمح لها بهجوم جديد ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية وتوسيع «المنطقة الآمنة» التي تسعى لإقامتها داخل الأراضي السورية بعمق 30 كم على طول حدودها الجنوبية مع سوريا.
وأجرى وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف اجتماعا مطولا مع نظيره وزير الخارجية التركية، مولود جاووش أوغلو، في العاصمة أنقرة، الأربعاء، رافق لافروف وفد عسكري ممثلا عن وزارة الدفاع، يتبع البحرية الروسية.
وأعرب لافروف عن تفهم بلاده «مخاوف أصدقائنا (قاصدا الأتراك) بشأن التهديدات التي تشكلها قوى خارجية على حدودهم» وانتقد «تغذية النزعات الانفصالية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية بشكل غير قانوني في سوريا». إلا انه لم يؤيد شن تركيا عملية عسكرية في الشمال السوري.
وعن التفاهمات الروسية التركية أفاد لافروف أن الاتفاقات مع تركيا بشأن إدلب «تنفذ ببطء، لكن الطرفين ملتزمان بها». منوها إلى «إبرام أكثر من اتفاق خلال لقاءات بين الرئيسين رجب طيب اردوغان وفلاديمير بوتين، بما فيها مذكرة سوتشي عام 2019 التي تناولت ضرورة حل المشكلة في منطقة خفض التصعيد في إدلب. في كلتا الحالتين، يتم تنفيذ الاتفاقات المبرمة ببطء».
وفي السياق، نشرت صحيفة «خبر تورك» في اليوم التالي لانتهاء الاجتماع بين الوزيرين «تسريبات» حول تأكيد جاووش أوغلو نية تركيا شن هجوم على المناطق التي تنطلق منها الهجمات في تل رفعت ومنبج وتسيطر عليهما «الوحدات «الكردية. ونقلت الصحيفة عدم اعتراض موسكو على الحجج التي قدمتها أنقرة.
ولفتت الصحيفة إلى أن «تركيا تتعرض لهجمات من تل رفعت التي تبعد عن الحدود التركية مسافة 18 كيلومتراً، ومنبج التي تبعد 28 كيلومتراً، وأن وقف الهجمات المسلحة يتطلب قيام منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً». ولم يتطرق الاجتماع إلى الحديث عن باقي المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وهو المظلة العسكرية الأكبر وتضم مجموعات عسكرية عربية وأخرى سريانية إضافة لوحدات حماية الشعب الكردية.
وتلمح الصحيفة التركية إلى أن لافروف فضل مناقشة المخاوف الأمنية التركية خلال الجولة المقبلة من مسار أستانا، بحضور إيران بوصفها الدولة الضامنة الثالثة لذلك المسار، حيث قررت الجولة المقبلة في العاصمة الكازاخية منتصف حزيران (يونيو) الجاري.
إلى ذلك، ترفع الصحافة التركية من حظوظ العملية العسكرية وتشير إلى انتهاء الجيش التركي والجيش الوطني السوري المعارض من إتمام الاستعدادات لبدء الهجوم، وهو ما أكده وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الأسبوع الماضي الذي أشار إلى ان الجيش التركي بانتظار القرار السياسي لشن الهجوم. وفي تفاصيل الخطط المعدة، حددت صحيفة «صباح» المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن «العملية تستهدف السيطرة على سد تشرين الواقع على نهر الفرات في ريف منبج، من أجل حل مشكلتي الكهرباء والماء، التي تعاني منها منطقة درع الفرات منذ سنوات، وإعادة ضريح الشاه سليمان إلى مكانه» ولم تستبعد الصحيفة قطع الطريق الواصلة إلى مدينة عين العرب، وأوضحت ان عمق العملية التركية سيقف عند مشارف نبل والزهراء الشيعيتين، وهما قاعدتان أساسيتان للميليشيات الإيرانية شمال حلب ولم تتخل عنهما إيران وفشلت المعارضة في السيطرة عليهما رغم المحاولات المتعددة وتسببا في تسهيل حصار حلب في صيف عام 2016 وإجبار المعارضة على الاستسلام والخروج منها.
في الميدان، صعد الجيش التركي وفصائل الجيش الوطني السوري من قصفهما على محيط منبج وخطوط الاشتباك مع «قسد» واتهم المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها التابع لـ«قسد» الجيش التركي والجيش الوطني باستهداف القرى المأهولة بالسكان بشكل يومي بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وأضاف في بيان رسمي نشرته معرفاته الرسمية على وسائط التواصل الاجتماعي، أن مدفعية الطرفين أطلقت 445 قذيفة على المناطق التي يسيطر عليها المجلس المذكور. في المقابل تحلق القاذفات الحربية الروسية بشكل يومي على خطوط التماس حسب ما رصدت «القدس العربي» وتحدثت مع سكان محليين ونشطاء.
وتحاول روسيا، دعم النظام السوري من خلال الضغط على «قسد» لتسليمه المناطق وتجنيب المنطقة لعملية عسكرية، إلا أن «قسد» تحاول إدخال قوات النظام في بعض المناطق أو ترفع أعلام النظام على المباني الرئيسية في تل رفعت ومحيط منبج.
من جهة أخرى، تسعى موسكو إلى توسيع دائرة الرافضين للعملية العسكرية التركية من خلال نقل النقاش حوله إلى العاصمة الكازاخية بحضور إيران، حيث عبرت الأخيرة عن رفضها لأي عملية عسكرية تركية في سوريا باعتبارها ستؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة. وتخشى إيران من توسع النفوذ التركي بالقرب من مناطق سيطرتها أو بالقرب من حلب، إذ تنشر نقاط مراقبة عسكرية حسب التفاهمات بين الجانبين في ربيع 2018 ومن المعلوم أن إيران أنشأت خمس نقاط مراقبة ثلاث منها في ريف حلب الشمالي، ورغم التركيز على نقطتي نبل والزهراء، إلا أن إيران أنشأت نقطة مراقبة ثالثة في بلدة ماير على طريق حلب-غازي عنتاب التركية وهي النقطة الاستراتيجية الهامة للغاية التي سعت من خلالها إيران لمنع أي تقدم تركي باتجاه حلب. وفي سياق التحكم بالطرق المؤدية إلى حلب، أنشأت إيران النقطة الرابعة في «أكاديمية الهندسة العسكرية» الواقعة على طريق حلب-دمشق.
ومن غير المستبعد أن تأجل أنقرة عمليتها العسكرية قليلا، وتركز على دورها في عملية نقل القمح الأوكراني وفق الآلية التي اقترحتها الأمم المتحدة وهو ما سيقوي موقفها السياسي أيضا ويعطيها قوة ويرفع من دورها وحضورها داخل حلف شمال الأطلسي «الناتو». فإنجاز الطريق الآمن لسفن القمح سيقوي موقفها الدولي بشكل كبير بوصفها منقذة العالم من المجاعة المحتملة التي سيسببها عدم مقدرة الدول على الحصول على القمح الأوكراني.
ان إحالة البت في العملية العسكرية التركية إلى مسار أستانا للحصول على موافقة إيران يأتي في إطار تخفيف الإحراج الروسي من تركيا، خصوصا وأن أنقرة تلعب دورا هاما في الحرب الأوكرانية، ولا ترغب موسكو في خسارتها بسبب ممانعتها للعملية العسكرية، فوضعت طهران في فتحة المدفع التركي المصوب نحو «قسد» في تل رفعت ومنبج.
القدس العربي