بعد يومين من تلويحه بالذهاب إلى المعارضة أو الانسحاب من العملية السياسية، نفَّذ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وعده بالذهاب إلى أكثر الخيارات خطورة، وهو انسحابه مع كتلته (الصدرية) من البرلمان.
وفي توجيه عاجل إلى نواب الكتلة الصدرية (75 نائباً) طلب الصدر منهم تقديم استقالاتهم إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي قبلها. وقبيل إعلانه الانسحاب، أجرى الصدر اتصالاً هاتفياً مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني، رئيس الحزب «الديمقراطي الكردستاني» وحليفه في تحالف «إنقاذ وطن». وفي بيانه شكر الصدر حليفيه («السيادة» السني، بزعامة محمد الحلبوسي، و«الديمقراطي الكردستاني») على «ما أبدوه من وطنية وثبات»، مضيفاً: «وهم الآن في حل مني».
كما قدم الصدر شكراً خاصاً لابن عمه جعفر الصدر «الذي كان مرشحنا المستقل لرئاسة الوزراء».
وفي الوقت الذي يعاني فيه العراق انسداداً سياسياً منذ 8 شهور، بعد فشل التحالفين: «الثلاثي»، و«الإطار التنسيقي» الشيعي، في تشكيل حكومة، فإن قرار الصدر سيضع الجميع أمام خيارات صعبة. فتركيبة البرلمان سوف تتغير لجهة صعود 75 نائباً ربما يكونون من قوى شيعية أخرى تنافس الصدر. كما أن الخريطة السياسية سوف تتغير لجهة تشكيل تحالفات جديدة بديلة لكلا التحالفين اللذين يسيطر عليهما الشيعة عبر «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي»، وهو ما سيجعل حليفَي الصدر («السيادة» السني، و«الديمقراطي الكردستاني») أمام خيارات أخرى مع قوى «الإطار».
وكان الصدر قد دعا إلى فصل «الحشد الشعبي» عن الفصائل المسلحة في العراق، فيما عده مراقبون سياسيون خطوة تصعيدية في إطار احتمالية الصدام الشيعي ـ الشيعي. وجاءت الدعوة عبر بيان صدر أمس (الأحد) عما يسمى «وزير القائد» المقرب من الصدر، كما تزامنت مع ذكرى إطلاق المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني فتوى «الجهاد الكفائي» لحمل السلاح ضد «تنظيم داعش» بعد اجتياحه مساحة تُقدر بثلثي العراق في أواسط عام 2014.
وأثنى الصدر على الفتوى وتأسيس «الحشد» إلا أنه قال: «من هنا صار لزاماً على الجميع تنظيم الحشد وقياداته والالتزام بالمركزية، وفصلهم عما يسمى بالفصائل، وتصفيته من المسيئين من أجل بقاء سمعة الجهاد والمجاهدين ودمـائهم طاهرة أولاً ومن أجل تقوية العراق وقواته الأمنية، وثانياً ليبقى الحشد حشد الوطن وفي الوطن». وشدد الصدر على أنه «لا ينبغي زج عنوان الحشد في السياسة والتجارة والخلافات والصراعات السياسية وما شاكل ذلك، فلا ينبغي لهم ذلك».
وقال الصدر: «أقدم احترامي ومحبتي لإخوتي المجاهدين في الحشد الشعبي المجاهد وإلى جرحاه وشهدائه الأبطال الذين ضحوا من أجل وطنهم يداً بيد مع القوات الأمنية». وأعرب عن شجبه لكل الأفعال المسيئة التي تصدر من بعض المنتمين لـ«الحشد الشعبي»، مطالباً بـ«تنظيمه وقيادته والالتزام بالمركزية من أجل بقاء سمعة الجهاد والمجاهدين».
يذكر أن هذه ليست الدعوة الأولى للصدر بفصل «الحشد الشعبي» عن الفصائل المسلحة، فخلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 دعا الصدر إلى حل الحشد الشعبي ونزع سلاحه بشكل يضمن تقييد عمله ضمن ما نصت عليه فتوى تأسيسه التي أطلقها المرجع الديني الشيعي علي السيستاني. كما دعا إلى إعادة دمج قوات الحشد الشعبي ضمن الجيش العراقي.
وشملت سيطرة «داعش» أربع محافظات عراقية واقترب التنظيم من حدود بغداد، وعلى أثر ذلك تشكل «الحشد الشعبي» ليكون جزءاً من القوات العراقية التي أسهمت في طرد التنظيم وتحرير المدن العراقية في عام 2017، وكان الحشد الشعبي قد تأسس في يونيو (حزيران) 2014 بعد سيطرة «تنظيم داعش» على مدينة الموصل في شمال العراق، ثم لاحقاً لعب دوراً كبيراً في مساعدة القوات العراقية النظامية في عمليات دحر «تنظيم داعش» وتحرير المدن العراقية التي كان التنظيم قد استولى عليها، قبل أن يتحول «الحشد» إلى هيئة لديها قانون خاص بعد أن تم التصويت عليه في مجلس النواب (البرلمان).
وفي هذا السياق يرى الدكتور غالب الدعمي أستاذ الإعلام في جامعة «أهل البيت» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «دعوة الصدر واضحة في هذا المجال، والأهم أنها ليست بنت اليوم بل سبق أن عرضها، فيما رحبت الفصائل المسلحة من جهتها بهذه الفكرة في وقتها». وأضاف الدعمي أن «بيانات صدرت في هذا الاتجاه، منها بيان صادر عن قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، وجهات أخرى، إذ أكد جميعهم استعدادهم لتسليم أسلحة الفصائل إلى هيئة الحشد الشعبي».
وتابع الدعمي أن «موافقة الفصائل المسلحة على تسليم سلاحها جاءت مشروطة بموافقة كل الأطراف الأخرى التي لديها أسلحة بنزع سلاحها والحذو حذوها. ومن بين من طالبت الفصائل بنزع سلاحها هي سرايا السلام التابعة للصدر وحشد العتبات الدينية».
وأوضح الدعمي أن «من المهم التأكيد على أن الفصائل المسلحة لا تطمئن لكلام الصدر مطلقاً لأنها تعتقد أن دعوة الصدر لا تتوقف عند حد تسليم أسلحتهم بل تمتد إلى إعادة ربط هيئة الحشد الشعبي بالحكومة العراقية وإبعادها كلياً عن سيطرة الفصائل، وهو ما لا يمكن أن تقبل به الفصائل».
وأضاف الدعمي أن «القوة التي تتحرك فيها الفصائل الآن، حتى في الجانب السياسي، هي قوتها العسكرية المستندة إلى ألوية الحشد الشعبي التي تعتبر أن الحشد الشعبي هو ضمانة لها ولوجودها والتحديات التي تواجهها». وأوضح أنه «ليس من السهل تحت أي حجة قبول دعوة الصدر من قبل هذه الفصائل، علما بأنهم لن يعلنوا رفضاً معلناً، لكنهم من الناحية العملية يرفضونها لأن معظم هذه الفصائل تخشى على وجودها ضمن هيئة الحشد الشعبي من دعوات الصدر، وهو ما يؤخر تشكيل الحكومة ويعرقل كل المسارات الخاصة بذلك، لأنها في النهاية لا تريد تشكيل حكومة وفق رؤية زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر».
وكان نواب الكتلة الصدرية قد وقعوا مساء الخميس الماضي، استقالاتهم جميعاً ووضعوها تحت تصرف مقتدى الصدر، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء العراقية الرسمية «واع» بعد دعوة زعيم التيار الصدري لنوابه البرلمانيين بتقديم استقالتهم.
وذكر المكتب الإعلامي للتيار الصدري، في بيان حينها، أن نواب الكتلة الصدرية وقعوا استقالاتهم جميعاً دون استثناء في الحنانة، ووضعوها تحت تصرف زعيمهم مقتدى الصدر الذي أعلن أنه قرر البقاء في المعارضة. كما شدد على أن إصلاح العراق لن يتم إلا عبر «حكومة أغلبية وطنية»، معتبراً أن الانسداد السياسي الذي يعيشه العراق حالياً «مفتعل».
الشرق الأوسط